الأربعاء 15 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

صلاح السعدنى عمدة الدراما المصرية

صلاح السعدنى عمدة الدراما المصرية
صلاح السعدنى عمدة الدراما المصرية




من منا فى هذه الأيام المباركة ومع حلول شهر رمضان الكريم لا يتذكر عملا دراميا كـ«ليالى الحلمية» وما قدمه المتألق صلاح السعدنى فى دور العمدة سليمان غانم.
كان ضيفا مرحبا به دائما على مائدة المصريين الرمضانية.. ينتظره مشاهدوه، للدرجة التى تفرغ فيها الشوارع ويسود الصمت لحظة إذاعة هذه السلسلة المتفردة بأجزائها الـ5 الممتدة فى ذاكرة المصريين.. ومن قلب هذا الهدوء يكسر صوت العُمدة جدران الصمت بأدائه المتميز وكلماته التى ظلت خالدة فى الوجدان وضحكته الأشهر الممزوجة بفطرة الشخصية المصرية الريفية..
■ ■
اخترق القلوب والعقول دون تمييز بين البسطاء والنخب.. نال إعجاب الجميع القارئ والكاتب والكادح واستحوذ على قلب المرأة المصرية حتى أن الأسر المصرية تعاطفت معه فى أدواره وكأنه واحد منهم تفرح لفرحه وتحزن لحزنه حد البكاء..
الجميع تأثر بمكونات شخصية المبدع صلاح السعدنى العفوية التى مزجت بين ذكاء وشراسة أبناء «العقرب» وطيبة وحكمة وشقاوة «الميزان»، ليستحق أن يصفه البعض بأنه روح الدراما المصرية لعقود..
السعدنى أحد أبرز الأساطين الفنية التى نادرا ما تتكرر فى عالم الدراما.. عينه تنطق بالموهبة والإبداع ويكفينا مشاهده فى رائعته «حسن أرابيسك» والتى إلى الآن يتحاكى بها أهالى الـ«خان» فى منطقة الحسين..
بصوته العميق المميز مع ملامح وجهه المصرية الأصيلة وجه أبلغ رسالة إلى المشاهدين بأن أمامهم ممثلا قديرا يؤدى دورا حقيقيا مجسدا الواقعية لا واجبا يمليه فقط عليه الدور.
■ ■
صلاح السعدنى المولود فى 23 أكتوبر 1943، هو رحلة طويلة من فن هادف وخبرات متراكمة لم يتخل فيها عن أصوله الريفية متشبعا بطفولته وصباه التى قضاها فى حى المنيرة.
بدأ رحلته مبكرا مع الفن وهو ما زال طالبا بكلية الزراعة فى مسرح الجامعة وجمعته صداقة بالزعيم عادل إمام زميله بنفس المدرج ثم لمع فى ثلاثية الأديب عبد المنعم الصاوى «الرحيل»، «الضحية»، و«الساقية» إخراج نور الدمرداش وبعد نجاحه أسند إليه دور رئيسى فى «لا تطفئ الشمس» ليصبح أولى محطاته نحو الأضواء والشهرة.
هو العمدة الطيب والشرير، القوى والضعيف أمام النساء، الجبار العنيد، واللين المطيع، الكوميدى الساخر، والجاد الحازم العنيف؛ وفوق هذا وذاك ابن البلد الذى لا يسمح بالتجاوز والتهاون فى حقوق ابنته ولا يتقبل الخداع والتآمر، لا بد أن ينتصر بكل المعارك، لا يستسلم ولا يتقبل الهزيمة.
تعتبر هذه الشخصية بكل جوانبها وتفاصيلها الأساس الذى رسم طريق النجومية أمام صلاح السعدنى فهى من فتحت له سيلا هائلا من الأدوار والشخصيات التى تحمل رحيق سليمان غانم وإن كانت فى عمل مختلف أو شخصية أخرى لا تشبهه لكن تشبه روحه لتحيى العمدة بداخله من جديد.
برغم هذا النجاح الكبير والنجومية التى حققها السعدنى بدور العمدة إلا أن لـ«حسن النعماني» شأنا عظيما جاء أرابيسك ليؤكد أننا لم نر مواهب العمدة كاملة، ليكشف عن شخصية أخرى بداخله ووجه آخر لم نره وفنان لديه معين لا ينضب من الموهبة فى فن التشخيص.
صلاح السعدنى إنسان مصرى حتى النخاع يقدس العائلة دون أن يتخلى عن مهامه الإنسانية.. فهو رب الأسرة والجد والأب والأخ الأكبر والصديق لجميع من حوله.
هو نموذج استوعب ونشأ على حب الوطن فخرج عطاؤه فنيا بشخصيات معجونة بروح مصر وترابها ورحيقها.
■ ■
«العمدة» و«أرابيسك» هما أبرز ما قدم من تراث فنى استحق أن نحتفظ به فى ذاكرة الدراما، لكنه قدم العديد والعديد من الشخصيات والأعمال الدرامية التى حظيت بحب وإعجاب الجمهور مثل «أرض الرجال»، «أوراق مصرية»، «سنوات الحب والشقاء»، «حلم الجنوبي»، «جسر الخطر»، «ابنائى الأعزاء شكرا»، «الزوجة أول من يعلم»، «بين القصرين»، «قصر الشوق»، «الأصدقاء»، «رجل فى زمن العولمة»، «الناس فى كفر عسكر»، «نقطة نظام»، «حارة الزعفراني»، «للثروة حسابات أخرى»، «عمارة يعقوبيان»، «الباطنية»، «عدى النهار»، «الإخوة أعداء»، «القاصرات»، ومن أعماله السينمائية «زوجة بلا رجل»، «الأرض»، «شياطين الليل»، «خلف اسوار الجامعة»، «بدون زواج أفضل»، «الغول»، «المراكبي»، «زمن حاتم زهران»، «قضية عم أحمد»، «مدرسة الحب»، «ملف فى الآداب»، «اليوم السادس»، «فوزية البرجوازية»، «جبروت امرأة»، «شحاتين ونبلاء»، «ليه يا دنيا»، «أحلام صغيرة»، «كونشيرتو فى درب سعادة»، «إنهم يقتلون الشرفاء»، «الحلال يكسب»، «مهمة صعبة جدا»، «أولاد الأصول»، «العملاق».
لم يحرم المسرح من إبداعه الفني، بل قدم عددا من أهم المسرحيات بالقطاع العام والخاص اهمها «الملك هو الملك»، «ثورة الموتى»، «الناصر صلاح الدين»، «باللو باللو»، «زهرة الصبار».
■ ■
أدرك السعدنى ضرورة أن يتمتع الفنان بثقافة واسعة تكون منبعه الأصلى فى الإبداع وتنوع الأداء فلم يكن يؤدى دورا اعتباطيا بل لكل شخصية مرجعية وخلفية يستحضرها من ثقافته واطلاعه على البشر والكتب المتنوعة.
هو الموهوب المعجون بالوطنية التى تكاد أن تجزم أنه ولد بها، فحتى عندما قرر اختيار النادى الذى يشجعه اختار النادى الأهلى فقط لأن الحركة الوطنية بقيادة سعد زغلول ومصطفى كامل وعمر لطفى وطلعت حرب قررت تأسيسه فى عام 1907 كناد رياضى وطنى مصرى خالص.. لأجل قيم قدمها لمشاهديه ولأجل فن راق أمتع به جمهوره ولأجل الكثير والكثير وجدناه عن جدارة يستحق وسام الاحترام.


روزاليوسف