الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

روزاليوسف تسأل.. تمثال النبى موسى «عليه السلام» مصرى أم إيطالى؟

روزاليوسف تسأل.. تمثال النبى موسى «عليه السلام» مصرى أم إيطالى؟
روزاليوسف تسأل.. تمثال النبى موسى «عليه السلام» مصرى أم إيطالى؟




منذ عدة سنوات أثيرت ضجة كبرى حول إحدى اللوحات التى تم العثور عليها فى سوريا،وتم تصديرها وتقديمها من باحثين وأثريين عربا ومصريين على أنها للنبى موسي،وكانت اللوحة مصنوعة من البازلت شديد الصلابة،وحينها ساق مالكها أنه توجد عليها نقوش تحمل وجه نبى الله موسي»عليه السلام»،والوجه الآخر يحكى قصة سيدنا موسى مع بنى إسرائيل.

 

هذه الضجة قد تبدو منطقية لنبدأ بها تحقيقنا الصحفى هذا،وذلك بعد ما تقدم دياب وفائى موسى ووائل ظاهر سالم مواطنان مصريان من محافظة الشرقية إلى الجهات القضائية فى مدينة منيا القمح ببلاغ للمطالبة بالتحقق من تمثال رخامى يمثل سيدنا موسى الموجود فى إيطاليا والمعروف أنه من عمل الفنان مايكل أنجلو،ومرجحين أنه قد يكون مصريا،مدعمين ذلك بأدلة تبدو منطقية وعلى قدر مقبول من المعقولية،وهو ما سعينا للتحقق منه.
ولكى تكتمل القصة،تطلب هذا العودة بالزمن للوراء وتحديدا عام 1944 م،حيث أصدرت وزارة المعارف العمومية حينها»التربية والتعليم»كتابا ضمن المناهج الدراسية وعنوانه»قصص القدماء المصورة»،حيث تناول مجموعة من الشخصيات التاريخية التى تنتمى لعصور زمنية مختلفة،ووضع الكتاب حينها إبراهيم نمير سيف الدين المفتش بوزارة المعارف العمومية،وقد تمت طباعته فى المطبعة الأميرية ببولاق.
الكتاب الذى يمتلكه دياب وفائى تتصدره صورة للملك فاروق مكتوب تحتها»حضرة صاحب الجلالة فاروق الأول ملك مصر»،وينقسم لقسمين أولهما مجموعة موضوعات توصيفها كما جاءت بالكتاب محادثات سهلة عن المصريين القدماء مأخوذة من القصص أو من الآثار،ودارت حول المهن التى كانت فى مصر القديمة والفنون التى برع فيها المصريون القدماء،فيما كان الجزء الثانى من الكتاب وهو موضع تحقيقنا عن قصص العظماء،ويتميز الكتاب فى مجموعة بالكتابة السهلة البسيطة،المصحوبة بلوحات مرسومة بدقة متناهية تنم عن براعة الفنان الذى قام بذلك.
وبالعودة للأدلة التى ساقها دياب ووائل ونابعة من هذا الكتاب،فقد وردت فى محضر تحقيق بتاريخ 26 مارس الماضي،وقد رواها لنا دياب وفائى موسى مالك الكتاب،والذى قال إن الكتاب يتحث عن الآثار المصرية القديمة وحياة الفراعنة وبعض قصص العظماء،مثل سيدنا موسى عليه السلام وسيدنا يوسف وبناة الأهرام والإسكندر الأكبر،وجاء فى مقدمة الكتاب أن المؤلف نقل جل رسومه عن النقوش التى تركها المصريون القدماء على جدران معابدهم ومقابرهم.
فقد تحدث الكتاب عن سيدنا يوسف وعلاقته بمصر وداخل هذه القصة صورة مرسومة لسيدنا يوسف عليه السلام،ولمصداقية وزارة المعارف العمومية فى ذلك الوقت وفى هذا الكتاب،قالت إن صورة سيدنا يوسف هذه مرسومة من وحى الخيال،حتى لا يظن البعض أنها كانت منقوشة على جدران المعابد أو المقابر،وهذا يدل على أن المعلومات الموجودة بهذا الكتاب صحيحة وموثقة.
الكتاب يتحدث أيضا عن قصة الإسكندر الأكبر وعلاقته بمصر،والقصة كما جاءت بالكتاب مصحوبة بصورة للإسكندر بالملابس الفرعونية،ولمصداقية وزارة المعارف العمومية أيضا قالت فى الكتاب إن الإسكندر ليس من الفراعنة،ولكنه أمر برسمه على الجدران بالملابس الفرعونية وهذا نابع من شدة حبه لهم،وهذا يدل أيضا على أن المعلومات الموجودة بهذا الكتاب صحيحة وموثقة بقوله إن الإسكندر ليس من الفراعنة.
أما بالنسبة لسيدنا موسى عليه السلام وعلاقته بمصر،فقد وردت قصته بالكتاب مصحوبة بصورة لتمثال سيدنا موسى موضع التحقيق هذا،ولم ينوه مؤلف الكتاب بأى توضيح عن صورة التمثال مثلما حدث لصورة سيدنا يوسف وقوله بأنها خيالية،وأيضا صورة الإسكندر الأكبر بأنه ليس من الفراعنة،فلو كان تمثال نبى الله موسى ليس مصريا لقام المؤلف بالإشارة إلى ذلك،بقوله مثلا إن هذه صورة لتمثال سيدنا موسى الموجود فى روما بإيطاليا من صنع مايكل أنجلو.
لكن مؤلف الكتاب لم يذكر أى كلمة أو إشارة فى هذا الشأن،مما يدل من وجهة نظرى - والكلام لوفائى – على مصرية التمثال،مثله مثل الصورة الملاصقة له داخل الكتاب وهى للملك رمسيس الثاني،حيث إنه من الأمور المسلم بها بأن تمثال الملك رمسيس الثانى مصري،لذلك لم يتم التنويه عن أى شىء تحت الصورة غير عبارة»تمثال رمسيس الثاني»،كذلك الأمر بالنسبة لصورة تمثال سيدنا موسى لم يتم التنويه عن أى شىء تحت صورته غير عبارة»تمثال سيدنا موسي»،لأنه أيضا من الأمور المسلم بها مصرية هذا التمثال.
كذلك هناك شىء آخر فى غاية الأهمية،حيث إنه من أشهر القصص على مستوى العالم والتى تناولتها بعض الأفلام الأجنبية،وهى قصة سيدنا موسى وعصاه التى تحولت إلى ثعبان ابتلع ثعابين السحرة،والغريب أنه رغم شهرة القصة إلا أنه لا يوجد لدينا فى الآثار المصرية ما يدل على هذه القصة،رغم أن الفراعنة قاموا بتسجيل كل صغيرة وكبيرة عن حياتهم من الفلاح المصرى إلى حياة الملوك،إما منقوشة على جدران المعابد والمقابر أو فى البرديات،ومن المحتمل أن يكون قد تم خروج تمثال سيدنا موسى وكل ما يدل على قصته من مصر بطريقة ما فى الأزمنة السابقة.
ويسوق دياب وفائى تفسيرا آخر على قدر من المعقولية،مفاده أن هذا الكتاب الذى كان مقررا على طلاب المدارس والذى تم طبعه واستخدامه فى عهد الملك فاروق،ومعروف أن الملك فاروق وإيطاليا كان بينهما ود متبادل،ولو كان هذا التمثال يخص إيطاليا ما تجرأ فاروق أن يسمح بنشر صورة التمثال والحديث عنه دون التنويه عن كونه تمثالا إيطالى الصنع،حتى لا يقع فى خلافات مع إيطاليا،وأيضا بعد تداول الكتاب فى جميع المدارس حينها داخل المملكة المصرية لم نسمع أن إيطاليا قامت بتوجيه أى اتهام أو قامت بشكاية المملكة المصرية بطريقة رسمية لتعاملها مع التمثال على أنه مصري.
وقال فى نهاية البلاغ الذى قدمه إنه لكل هذه الأسباب السابقة،فإنه يرجو التحقيق فى الأمر وتشكيل لجنة من الآثار المصرية والإيطالية،وتحليل تمثال نبى الله موسى عليه السلام الموجود فى إيطاليا،ودراسته دراسة  علميه لمعرفة عمره الزمني،وإذا ما كان يخص الآثار المصرية فنتمنى أن يعود مرة أخرى إلى موطنه الأصلى مصر،حيث إن هذا سيكون سببا فى تحويل مجرى السياحة المصرية بصورة كبيرة،مؤكدا أن ما دفعه لكتابة وتقديم هذا البلاغ حب الوطن الذى يجمع كل المصريين.
وبعد قراءة متعمقة لما سبق،قررنا استيضاح الأمر من أحد أبرز المتخصصين فى الآثار الفرعونية والتاريخ المصرى القديم،وهو عالم الآثار الدكتور حسين عبد البصير مدير متحف الآثار بمكتبة الإسكندرية،والذى قال لنا إنه من الأشياء المثيرة للدهشة واللافتة للانتباه عدم تصوير سيدنا موسى على الآثار المصرية القديمة.
مشيرا إلى أنه من المعروف أن التاريخ يكتبه عادة المنتصر،وهذا ربما يكون السبب فى عدم تصوير سيدنا موسى على الآثار المصرية القديمة؛وذلك لأن الملك الذى عاصر سيدنا موسى  وخلفاؤه لن يرضوا بتصوير هزيمة هذا الملك على الآثار المصرية، ولن يعطوا النصر أو السبق لفريق كان سلفه يناصبه العداء.
وكان من عادة الملوك الفراعنة تصوير أنفسهم على آثارهم منتصرين وفقًا لمفهوم الملكية ودور الملك فى مصر الفرعونية. وقد مال بعض الملوك الفراعنة لتصوير أنفسهم فى موقع المنتصر بدلاً من موقع المنهزم. وقام بذلك الملك رمسيس الثانى حينما صور نفسه منتصرًا على العديد من آثاره بعد خوضه معركة قادش ضد الحثيين والتى تمت هزيمته فيها فى البداية.
ويضيف الدكتور عبد البصير موضحًا لقد كان اليهود فى مصر فى ذلك الوقت قلة غير ذات عدد كبير. فلا نجد لهم آثارًا فى مصر القديمة إلا كذكر بسيط على لوحة الملك مرنبتاح، ابن الملك رمسيس الثاني، والذى سجل عليها الانتصار على العديد من الشعوب الأجنبية، وذكر ضمن ما ذكر إبادته لبذرة إسرائيل.
وتم ذكر كلمة إسرائيل هناك كقبيلة، وليس لمكان له جغرافية محددة، مما يدل على أنهم كانوا رحلاً ولم يكن لهم مكان محدد يأوى هذه القبيلة. وهناك فترات تم النظر إليها بالإهمال أو التجاهل، مثل فترة حكم الملك أخناتون الذى تجاهلته بعض المصادر المصرية القديمة وذكرته باسم المارق من العمارنة أو الملك المهرطق أو حذفت اسمه كلية من القوائم الملكية.
وربما تم إغفال ذكر سيدنا موسى فى المصادر المصرية لهذا السبب وهو عدم الاعتراف بوجوده أو لتجاهل هذا الحدث كله تمامًا. وهناك وجود لاسم «مِسي» أو «موسى» فى أسماء العديد من الشخصيات المصرية القديمة. ومن الجدير بالذكر أن اسم سيدنا موسى هو اسم مصري، وهو «مِسي»، وهو اسم مفعول بمعنى «المولود».
وهناك أسماء مصرية عديدة دخلت ضمن تركيب اسم «مِسي» مثل «رع مِسي» أو «رعموزا» بمعنى «مولود رع»، الوزير وحاكم طيبة (الأقصر الحالية)، وصاحب المقبرة الشهيرة فى البر الغربى لمدينة الأقصر من عهد أمنحتب الثالث وأمنحتب الرابع/أخناتون. ولا يعرف أحد ما سوف تحمله الاكتشافات المصرية فى الغد لنا من حقائق قد تغير الكثير من معلوماتنا عن مصر الفرعونية وحضارتها الخالدة.