الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

روزاليوسف

روزاليوسف
روزاليوسف




ذكريات

للأستاذ الكبير عباس محمود العقاد

ذكرياتى عن صحيفة «روزاليوسف» اليومية كثيرة متعددة لا يحصيها مقال واحد وسيأتى اليوم الذى أسجلها فيه تسجيلاً مفصلاً مسهبًا فى كتاب خاص بالقضية المصرية والحركة الوطنية فى أطوارها الأخيرة.
ولكن الذى يحضرنى منها اليوم أننى لم أدخل مكتب الصحيفة قط نهاراً أو ليلاً إلا عجبت كيف تصدر هذه الصحيفة فى صباح اليوم التالى.
فقد كانت تجمع فى تحريرها وإدارتها بين أصحاب الفنون على اختلافها من شاعر إلى رجال إلى ممثل إلى مصور إلى موسيقى إلى ناظر فى الشئون الفنية يهتم بها وإن لم يكن من أصحابها.
وكانوا جميعا يطلقون لنزواتهم الفنية عنانها كأنهم فى إجازة مطلقة من جميع القيود والتكاليف.
فقلما كانت تمر ساعة من ساعات اجتماعهم فى المكاتب بغير «مقلب» يدبره بعضهم لبعض ولا يسلم منه أحد فى دوره من رئيس التحرير إلى بواب الدار.
فإن لم يكن «مقلب كبير» مرتب الفصول والمناورات فعلى الأقل «قفشة» أو دور من أدوار المحاكاة والتقليد بالأصوات والحركات، أو سخرية مهذبة بشخصية من الشخصيات التى يدور عليها الكلام فى أخبار اليوم.
ثم يتم العجب العجاب فى الصباح فتصدر «روزاليوسف» عامرة الصفحات والأبواب، ويتداولها القراء فيحسبونها ثمرة مجهود يضنى الرءوس ويصبب العرق من الجباه.. وهى فى الواقع ثمرة مجهود كبير.
ولكن المزاج الفنى أسبغ على هذا المجهود الكبير سحره فإذا هو فرجة تلذ القائمين به وتجعلهم يكدون ويكدحون وكأنهم يلهون ويطربون.
كان بعض الناس يعتقدون أن الطبيعة الفنية والطبيعة العملية نقيضان لا يجتمعان.
فكانت البيئة التى جمعتها «روزاليوسف» اليومية تعلمنا كل يوم أنهم مخطئون فيما اعتقدوه ..
وترينا أن المزاج الفنى يصنع المعجزات لتهوين الصعاب وتحبيب العمل إلى ذويه، وأن أحسن اللاعبين هم فى الواقع أحسن الجادين والمنتجين.
وإذا كتب التاريخ القضية المصرية فى أطوارها الأخيرة فمما لا شك فيه أن هذه الوليدة الفنية التى لم يطل بها الزمن سوف تقترن بتاريخ مصر الحديث كما لم تقترن به قط صحيفة أخرى فى بلادنا العربية؛ لأن قصتها مقرونة بقصة الوزارة النسيمية وعودة الدستور والجبهة الوطنية والمفاوضة فى المعاهدة المصرية الإنجليزية، وغير ذلك من الوقائع العظمى التى يذكرها أناس ولا يستطيع أن ينساها جملة الناس يوم يكتب تاريخها الصحيح الصريح.
عباس محمود العقاد
أكتوبر سنة 1943