الخميس 19 سبتمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

السادات وتأملات رمضانية

السادات وتأملات رمضانية
السادات وتأملات رمضانية




بدأ اليوم رمضان، ولرمضان فى النفس رهبة ونشوة.
فالرهبة وليدة التكريم الذي خص الله به هذا الشهر دون بقية الشهور وهى وليدة المجهود الذى يبذله الإنسان فى مغالبة نفسه للتحكم فى شهواته.
وأما النشوة فهى وليدة الانتصار حتى يفطر الإنسان فى نهاية اليوم ويشعر أنه تغلب طيلة اليوم على شهواته وما تعرض له من مغريات.
والمزيج من هذه النشوة وتلك الرهبة كفيل بأن يشغل الإنسان فكره وجنانه وحسه ووجدانه بحيث لا يبقى لهذين العاملين محل فى النفس.
ولكن «حل علينا رمضان برهبته ونشوته والنفس مشغولة كأشد ما يكون الانشغال والقلب يتلهف والانفعالات تعتمل فى عنف وهدير، ولا عجب فنحن اليوم على أبواب المصير.
لا أستطيع أن أصور ما سيكون عليه الحال خلال هذا التأجيل للحكم ولكننى جزع من طول هذه المدة.. جزع من فرط ما أخشى من الغيب.
ولكن.. لم الجزع ولم الخوف يا نفس؟
ألم يقل سبحانه وتعالى: «قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا» أليست حياتى هذه من صنع الله وتيسيره، وهو الذى يعلم ما فى السماوات وما فى الأرض وما بينهما.
يا نفس اثبتى ولا تضعفنك الدنيا واعلمى أن الحكم لله والأمر لله.
واحتفظى بالقوة والعزة تعودى إلى ربك راضية مرضية وتدخلى جنته».
السطورالسابقة كتبها الرئيس الراحل أنور السادات بتاريخ 8 يوليو سنة 1948 عندما كان معتقلا بتهمة الاشتراك فى اغتيال أمين عثمان الشهيرة، ونشرها فى مجلة المصور ضمن مذكراته (30 شهرا فى السجن).
وبعد عدة سنوات يشارك السادات فى ثورة 23 يوليو 1952 ويسهم بقلمه فى كتابة عشرات المقالات سواء سياسية أو اجتماعية أو دينية وعلى صفحات جريدة الجمهورية التى ساهم فى تأسيسها يكتب:
«كنت أقرأ منذ خمس سنوات وفى شهر رمضان بالذات قصيدة لشاعر ألمانى صوفى يردد دعاء حاراً صادقاً لله سبحانه وتعالى وهو فى هذا الدعاء لا ينسى أنه يعيش على الأرض هو يسبح بروحه فى ملكوت الله الأعلى، لذلك صدر دعاؤه رائعاً جديداً يترجم عبادته لله وحبه المتقد فى نفسه، وفناءه المتصل فيه، كل هذا تترجمه ألوان من هذه الطبيعة التى رسمتها لنا يد الخالق الحبيب فأبدعت وأذهلت.
استمع معى إلى ذلك الصوفى وهو يقول:
«هو ربى الذى أعبد.. وهو ربى الذى أعشق.. وهو ربى الذى من أجله أريد أن أتألم وأريد أن أتعذب وأريد أن أتفطر وأتمزق وأموت.
إنه ليتغلغل فى عقلى، تغلغل الحرارة المباركة فى عظام شيخ محطم ويندمج فى كيانى كما يندمج العطر فى الزهرة والثمرة فى الشجرة والنور فى الظلام.
فامنحنى يا إلهى قوة الفكر كى أعيش فيك وأصبح كالأسد.
وهبنى يا إلهى نعمة الطهر كى أتصل بك وأصبح كعذراء.
وأعطنى يا إلهى عزيمة الصبر كى أستمد الهدوء منك وأستحيل إلى جبار.
وزودنى يا إلهى بروح التواضع كى أتقرب إليك فى وداعة البنفسج.
واسكب على يا إلهى ضوء القناعة كى أنفذ إليك فى حكمة العباقرة.
وأغدق على يا إلهى فيض الصفاء كى يغتسل قلبى في مياهك الزاخرة.
وجللنى يا إلهى بروائع جمالك كى أندمج فيك وأسبح بحمدك دنيا وآخرة.
ويعلق السادات علي هذه الكلمات قائلاً:
«سنظل نشقى على هذه الأرض.. وسنظل نضل الطريق، ولن نستمتع بهذه الحياة إلا إذا ارتفعنا فوق نفوسنا لنفكر فى خالق السماوات والأرض.
ربنا ما خلقت هذا باطلاً سبحانك.