السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

رمضان شهر التوجيه

رمضان شهر التوجيه
رمضان شهر التوجيه




د.محمود صدقى الهوارى

عالم بالأزهر الشريف

«أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ». كانت هذه الجملة جواب النبى صلى الله عليه وسلم حين سئل عن الإحسان، وإذا كان الإحسان رتبة عالية يسعى لتحصيلها كل صادق فى إيمانه؛ فإن شهر رمضان يعلمك هذا، يعلمك كيف تكون مراقبا لله رب العالمين وطالبا لرضاه فى كل أحيانك.
إن الصائم قد يكون خاليا لا يطلع عليه أحد سوى الخالق جل وعلا، فلا تمتد يده إلى ما تشتهيه نفسه من طعام وشراب ولو كان قبل آذان المغرب بدقائق، ولو أصابه الجوع والعطش، وما ذلك إلا لعلمه أن الله مطلع عليه، ومراقب له.
ولا شك أن الذى نتعلمه فى مدرسة رمضان من المعانى والقيم لو استمر العبد عليه عمره كله لذهبت ذنوبه، واستقامت حياته.
ومن أجمل المعانى التى يحملها رمضان والتى ينبغى أن نتعلمها من رمضان: المراقبة. ومعنى المراقبة دوام علم العبد وتيقّنه باطّلاع الحقّ سبحانه وتعالى على ظاهره وباطنه. والمنهج القرآنى يربى الأمة على هذا المعنى، قال سبحانه: وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِى أَنفُسِكُمْ  فَاحْذَرُوهُ.
ووجود المراقبة مع العبد يصحح العمل ابتداء، وكلنا نعلم قصة عمر بن الخطاب رضى الله عنه وأرضاه حين سمع فى ظلام الليل امرأة تقول لابنتها: امزجى اللبن بالماء. فتقول الفتاة: يا أمّاه ألم تسمعى منادى عمر يقول: لا يشاب اللبن بالماء. فقالت المرأة: إنّ عمر لا يرانا الآن. فقالت البنت: يا أمّاه أين الله ؟! فأعجب عمر بهذه البنت النقية المراقبة لله وزوجها بأحد أبنائه فكان من نسله ونسلها عمر بن عبد العزيز رضى الله تعالى عنه وأرضاه.
وإذا كانت المراقبة مع العبد فإنها تنجيه من المهالك، وقصة الثلاثة الذين أخرجتهم مراقبتهم لربهم من الكهف بعد أن سدته عليهم صخرة كبيرة مشهورة.
وإذا غابت المراقبة فإن ذلك نذير شؤم وخطر، فقد تحبط الأعمال الصالحة، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لأَعْلَمَنَّ أَقْوَامًا مِنْ أُمَّتِى يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ بِيضًا، فَيَجْعَلُهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَبَاءً مَنْثُورًا، قَالَ ثَوْبَانُ: يَا رَسُولَ اللهِ، صِفْهُمْ لَنَا، جَلِّهِمْ لَنَا أَنْ لاَ نَكُونَ مِنْهُمْ، وَنَحْنُ لاَ نَعْلَمُ، قَالَ: أَمَا إِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ، وَمِنْ جِلْدَتِكُمْ، وَيَأْخُذُونَ مِنَ اللَّيْلِ كَمَا تَأْخُذُونَ، وَلَكِنَّهُمْ أَقْوَامٌ إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللهِ انْتَهَكُوهَا)). فهذه حسنات كالجبال لكنهم لما لم يراقبوا الله عز وجل ضاعت حسناتهم.
والإنسان مراقب كل لحظة فى عمره، من الله سبحانه وتعالى، وكفى بالله شهيدًا، وكفى بالله رقيبًا، ومن الملائكة الكرام، وحتى من أعضائه وجوارحه.
وإذا أدرك الإنسان أنه مراقب فى كل خطراته وجب عليه أن يراقب ربه ليكون شهر رمضان شهر توجيه أخلاقى ورقى وجدانى.