الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

«المقهى الثقافى» يحيى ذكرى سيد عويس فى «رموز مصرية»




أحيا المقهى الثقافى أمس ذكرى عالم الاجتماع الكبير د. سيد عويس ضمن نشاطه اليومى الذى ينظمه تحت عنوان «رموز مصرية» ويحتفى فيه برموز الوطن.
 

بدأ طلعت رضوان الحديث عن الراحل الذى كان واحداً من أهم علماء الاجتماع فى مصر ونموذجاً فريداً جمع بين العلم والتواضع الشديد.. وقال: سيد عويس الراصد والمحلل الدقيق للثقافة الشعبية المصرية عبر تاريخها الطويل ليصل فى النهاية لتقرير حقيقة أن الحضارة المصرية كانت حضارة اتصال وليس انقطاع.
 
الطقوس المصرية كسبوع الطفل وأربعين المتوفى والكعك والنقوش وأكثر منها التى استمرت منذ عهد القدماء والتى استمرت حتى اليوم رغم اختلاف الأديان واللغات التى توالت على مصر.. لقد كان مشروع عمر سيد عويس هذا البلد ذى الطابع الغريب الذى يُمصر كل ما يجد عليه.. لم يكن الراحل ضد الدين ولكنه كان يرى وجوب سيادة العلم فى أمور الدنيا.. العلم الذى يقف عند الأشياء لماذا حدثت وكيف حدثت.
 
بينما أكد د. فتحى أبو العينين الكاتب والباحث فى علم الاجتماع أن ندوة اليوم ذات طبيعة خاصة فمثل هذا العالم الكبير يجب أن تكون ذكراه والاحتفاء بها شديدى التميز.. سيد عويس الذى استحوذت على ذهنه فكرة أساسية وهب لها أكثر عمره وهى فكرة «المصرية».. ذلك الولع والشغف الكبيرين بالتاريخ المصرى والثقافة المصرية.. والأهم من ذلك الطريقة التى تعامل بها الراحل معهما حيث كان منهجه فى البحث منهجاً علمياً تحليلياً لم يتوقف عند النظرة الرومانسية المعتادة التى تعامل بها الكثير من المتعرضين للتاريخ المصرى.
 
 
وقال: كان دائم السعى للتعرف الصادق على اتجاهات أعضاء المجتمع المصرى وما وراء هذه الاتجاهات من تراث ثقافى قديم ومتجدد.. هكذا كان يرى التراث المصرى فرغم قدمه إلا أنه كان دائم التجدد تميزه قدرة عجيبة على الاستمرار وهو ما يعطى مصر والشخصية المصرية الحيوية مهما حدث حتى وإن كانت الظروف يائسة لا تدعو إلا للإحباط.
 
وأضاف: الراحل كان صاحب إنتاج علمى غزير فمن أشهر كتبه «من ملامح المجتمع المصرى المعاصر» و«الخلود فى التراث الثقافى المصرى» و«هتاف الصامتين» ودراسة بديعة بعنوان «حديث عن المرأة المصرية المعاصرة» و«الازدواجية فى التراث الدينى المصرى».
 
ويرى د. فتحى أن أجمل وأبدع ما كتبه الراحل كان سيرته الذاتية التى نشرتها دار الهلال فى ثلاثة أجزاء بعنوان «التاريخ الذى أحمله على ظهرى».. ليس هذا فحسب فقد كان سيد عويس من أكبر المهتمين بالأدب فقد كان مولعاً بكتابات حسين فوزى ويحيى حقى ويوسف إدريس، أما عن نجيب محفوظ فقد كان يرى أن أحداً لم يعبر عن الشخصية المصرية والمجمتع المصرى كما عبر عنهما نجيب محفوظ وكان يحكى كثيراً أنه كان يرى فى والده شخصية «السيد أحمد عبد الجواد» التى كتب عنها محفوظ فى ثلاثيته الشهيرة.
 
وكانت دراسته الشهيرة «رسائل إلى ضريح الإمام الشافعي» التى حلل فيها ظاهرة ذهاب المصريين البسطاء إلى ضريح الإمام الشافعى وترك رسائلهم فى صندوق الضريح.. تلك الظاهرة التى رصدتها أيضاً من زاوية أخرى الباحثة المعاصرة «ضُحى عاصي» فى دراسة بعنوان «محاكمة مبارك بشهادة السيدة نفيسة».. أيضاً وثق الراحل للأمثال الشعبية المصرية ومعانيها والدوافع من ورائها فى كتابه «هتاف الصامتين» الذى جمع فيه ما اعتاد المصريون كتابته على عربات النقل والأجرة.. تلك العبارات التى تعبر عن همومهم وأفكارهم ورؤيتهم للحياة المُعاشة وتعكس مخاوفهم وهواجسهم، فبتلك العربات التى تطوف البلاد شرقها وغربها.. شمالها وجنوبها صنع الشعب المصرى دون أن يشعروا جهازاً إعلامياً متنقلاً يعكس ثقافتهم.
 
وكانت من أهم الانتقادات التى أخذها د. فتحى على د.سيد عويس كونه كان يقف دوماً عند النقد والتحليل دون أن يخرج بقرار واضح ربما لضيق مساحات الحرية آن ذاك أو ربما لأسباب أخرى لم يفصح عنها الراحل.
 
بعد ذلك تحدث د. صالح سليمان أستاذ علم الاجتماع عن حجم حضور سيد عويس بأعماله وعطائه الفكرى عبر الإنترنت الذى وجد أنه نظراً لرحيله عام 89 قبل ظهور الفضاء العنكبوتى بسنوات، حرم أعماله من الحضور على الإنترنت بالصورة التى يستحقها، كما وجد أيضاً أن الراحل يتم التعامل معه بشكل احتفالى أكثر منه علمى.
 
وخُتمت الندوة بكلمة للدكتور مسعد عويس ابن الراحل الذى قدم الشكر لوزارة الثقافة وهيئة الكتاب ولكل المهتمين بسيرة والده الراحل صاحب القلب الكبير المؤمن بالإنسانية، الباحث العلمى المتفائل المتطلع دوماً نحو للمستقبل المتمرد الذى أخرجه جده من المدرسة عقب وفاة والده ليجلس فى محل عمله لكنه عاند وأصر على إكمال تعليمه فكان المفكر وكانت الرحلة.
 
وأكد الدكتور مسعد أن والده كان مؤمناً بالناس إلى أبعد مدى حيث ذهب للنوبة مع خمسة عشر باحثا وباحثة ليسألوهم عن مطالبهم فى فترة بناء السد العالي.. وقدم دراسات مجتمعية كان قوامها الناس عقب هزيمة 1967 المريرة التى لم يكن يستحقها الشعب المصرى كما كان يؤمن به.. وقال: كان الراحل شجاعا فى اختيار موضوعاته البحثية.. لم يسعَ يوماً إلى سلطة.. كل ما كان يهمه هو الإنسان المصرى البسيط.. ترك الدنيا كلها وراءه ليتفرغ للبحث العلمى.
 
وبكلمات مؤثرة تعجب د.مسعد من التجاهل الذى تعرض له والده وتساءل: هل يُعقل أن رجلاً فى قامته وقيمته يأخذ جائزة الدولة التقديرية فى العلوم الاجتماعية قبل وفاته بشهور!!.. كان الراحل مجدداً فى علم المجتمع مُضيفاً بشكل حقيقى للتجربة الإنسانية وليس مجرد ناقلاً أو مُترجماً عن الغرب وكانت من أشهر نظرياته فى علم الاجتماع هى «نظرية  المصالح» التى يقول فيها أن: المصالح تصنع النوايا والنوايا تحدد المواقف والمواقف تحدد أنماط السلوك الاجتماعى.