السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

مرممو الآثار يصنعون المستحيل فى المتحف الكبير

مرممو الآثار يصنعون المستحيل فى المتحف الكبير
مرممو الآثار يصنعون المستحيل فى المتحف الكبير




وسط لهفة كبيرة وتشوق كبير من العالم لرؤية المتحف المصرى الكبير عند اكتماله وافتتاحه نهاية 2020، يعمل هؤلاء فى صمت بأنامل مبدعة تصنع المستحيل، يقومون بدور لا يقل أهمية عن الجنود على الحدود أو داخل الوطن، إنهم مرممو الآثار الذين وضعت مصر بين أيديهم مسئولية حماية وصيانة تراثها بترميمه طبقًا لأحدث أساليب الترميم المتبعة، وهو ما رصدناه فى روز اليوسف، من خلال جولة قمنا بها فى معامل ترميم المتحف المصرى الكبير، والذى كان لافتًا ومفرحًا فى نفس الوقت أن أغلب العاملين هناك من الشباب الذين يمثلون كفاءة وقوة بشرية تضافرت مع خبرة وحكمة الكبار، ليصبح مركز ترميم المتحف بما يضمه من معامل مختلفة مثار إعجاب وإشادة من خبراء الترميم والآثار داخل مصر وخارجها. 

وطبقا للجولة التى قمنا بها، فإنه بالفعل كما شاهدنا تتوافر فى معامل الترميم أعلى معدلات الأمان الصناعي، وهى مجهزة بشكل كامل لهذا، خاصة معدات وأجهزة شفط الكيماويات والأبخرة والغازات، وذلك بحيث لا تؤثر بالسلب على صحة أى مرمم ولا تضر المكان، كما أن هناك اهتمامًا كبيرًا جدًا بمعامل الأمان لأعلى درجة، كذلك والسلامة والصحة المهنية وهناك اهتمام كبير بها فيما يتعلق بكل العاملين فى مركز الترميم.
البداية كانت من معمل ترميم الآثار غير العضوية»المعادن والفيانس والفخار»والذى ترأسه الدكتورة د.نسرين خربوش، حيث شاهدنا هيثم صالح اخصائى ترميم فى المعمل وهو يعمل على ترميم لوحة فخارية من الدولة الحديثة، وعليها تصوير لقرابين وألوان جميلة جدًا، وجزء منها كان مجمعًا بغراء حيوانى لا بد من فكه، خاصة أن الطبق كله تعرض لترميم قديم جدًا قبل أكثر من 70 سنة، ومادة الغراء الحيوانى لا تستخدم فى الترميم منذ أكثر من 50 عامًا، وتقرر فكه بعد لكن إلى حالة الفك وذلك بعد وضعه فى درجة حرارة ورطوبة آمنة وثابتة بحيث لا يتسبب فك المادة القديمة المستخدمة فى الترميم فى أى أضرار له، وذلك فى فاترينة مقاومة للحشرات والتى تعتبر المادة الجيلاتينية طعامًا لها، وهناك أجزاء مفقودة من الطبق منذ اكتشافه.
من جانبها قالت د.نسرين خربوش رئيسة المعمل أن المتحف ضمن مخططه استخدام أساليب عرض وفتارين آمنة، للتحكم فى درجة الحرارة والرطوبة والإضاءة والألوان، ولأننا وجدنا ضررًا من الفك الكامل للطبق، فقد قررنا عدم فك أجزاء كثيرة والتى ستتضرر، خاصة أن الطبق به منطقة ضعف سنقوم باستكمال جزء بسيط منها، بحيث يدعم بأمان الطبق، وسنستخدم مادة مايكروبالون ومسحوق الفخار وهى مادة آمنة وأقرب لطبيعة مادة الطبق.
أما ياسمين شعبان عبد العزيز اخصائية ترميم فى معمل المعادن والفيانس، كانت تعمل على جعران مجنح من على واجهة معبد دندرة، وهو من الفضة وبه مواد تطعيم أحجار نصف كريمة، وقالت إننا نعمل على توثيقه وإجراء فحوص للتأكد من طبيعة كل مادة ومعدن فى القطعة وأنسب طريقة للتعامل معها، وهناك مواد ترميم سابقة ستتم إزالتها، وذلك بعد تحليلها لمعرفة طبيعتها لنستخدم مواد أفضل، وستتم إزالة الترميم السابق بمواد مذيبة آمنة وغير ضارة بالأثر، وجار حاليًا العمل على ترميم القطعة بكل الطرق الصحيحة والآمنة، وذلك بعد اتخاذ كل الطرق السليمة المتبعة.
أما شيماء محمود عمر نائب رئيس معمل الآثار غير العضوية كانت تعمل على تابوت نادر من الرصاص عصر يونانى رومانى وجاء من المخزن المتحفى فى المنصورة، وسر ندرته فى أنه مصنوع من الرصاص وهو معدن صعب للعمل عليه، ومصنوع بطريقة الطرق فى درجة حرارة الغرفة 325 درجة وهذا شيء نادر جدًا ولم نستقبل مثله من قبل، ولم تكن به أى مومياء، والأرجح أنه كان يستخدمه العبيد لأنه مادة سامة لذلك كان لا يتعامل معه إلا العبيد، ولا يحتوى على أى نقوش أو كتابات، وغطاء التابوت مكسر لعدة أجزاء وقمنا بفحصها وتنظيف مياكانيكى وتنظيف واستعدال بأيدينا لأنه لا يحتاج لأى درجة حرارة.
وخلال جولتنا رأينا أميرة عبد الحكيم حمدى نائب رئيس معمل ترميم الأحجار والنقوش الجدارية فى مركز ترميم المتحف المصرى الكبير، وهى تعمل على ترميم أحد التماثيل الغريبة والنادرة، وقالت لنا إن التمثال اسمه»الهولة»، وكان يستخدم فى الحراسة وهو على شكل كائن خرافى مجنح، وله جسم أسد ووجه أنثى، وهذا التمثال ليس فرعونيًا، لكنه ينتمى للحضارة اليونانية، وكان موجودًا فى متحف بنى سويف مع تمثال ثان بنفس الشكل، والتمثال الموجود حاليًا لدينا أجريت له عملية تجميع خاطئة بالغراء فى وقت سابق مما مثل إجهادًا على جسم الأثر نفسه وأحدث به تلفًا فطريًا.
وكانت هناك عمليات استكمال سابقة بمادتين مختلفتين سببتا ضررًا بالأثر وأديا لتكون أملاح عليه، كما كانت به بارات حديد مستخدمة فى تجميعه سابقًا، وقد أثرت عليه داخليًا وسببت إجهادًا على الحجر وتلفًا به، وقد أزلنا تلك البارات وتم التعامل معها بشكل احترافي، وأخذنا عينات لفحصها وقمنا بتوثيق التمثال ببرامج هندسية حديثة، وجار حاليًا أعمال إعادة التجميع واستكماله وتقويته.. وفى معمل ترميم الآثار العضوية يعمل اخصائيو الترميم بقيادة الدكتورة إيمان شلبى رئيسة المعمل، على ترميم قطع كثيرة منها كنوز الملك توت عنخ أمون والجارى ترميمها فى المعمل، ومنها عدة مساند قدم مختلفة الأشكال ومواد الصنع، كذلك بعض قطع النسيج وسلال الطعام والفاكهة الخاصة بالملك توت، كما كشف لنا أيضًا أحمد الشيخة اخصائى ترميم أن المعمل يضم المنسوجات والجلود والعظام والعاج والبردى..
ما سبق مجرد أمثلة من كثيرين يضمهم المتحف ومركز الترميم، والذين نجحوا حتى الأن فى ترميم أكثر من 40 ألف قطعة جاهزة ومعدة للعرض، من أصل حوالى 50 ألف قطعة وصلت للمتحف، حيث أنه هناك قطع تجرى لها عمليات ترميم شاملة، فى حين هناك قطع تحتاج فقط لعمليات صيانة دورية داخل المخازن، وقد أثبت كل العاملين فى مركز الترميم والمتحف كله أنهم على قدر التحدي، خاصة بعد ما تحدد موعد افتتاح المتحف فى 2020، حيث أن كل ما يرد من آثار للمتحف تدخل لمعامل الترميم سواء للترميم الكامل أو الصيانة، وبعدها إلى المخازن، وهو جهد كبير يقوم به حوالى 115 فردا يعملون فى مركز ترميم المتحف الكبير فى جميع التخصصات الفنية والإدارية.
ومن أبرز الإدارات التى يضمها المتحف عامة ومركز الترميم خاصة إدارة الترميم الأولى والتغليف والنقل والتى يتولى رئاستها د.عيسى زيدان، حيث أنها بمثابة خط الدفاع الأول فى مركز الترميم، حيث أنه عندما يتقرر نقل أثر ما تكون هنا مهمة الترميم الأولي، ليتعامل معه خاصة إذا ما كان فى هذا الأثر مشكلة ما، وذلك حتى يتم نقله من مكانه بطريقة مناسبة آمنة ليصل مركز الترميم ويخضع حينها للترميم النهائي، كما أن الإدارة تؤمن عمليات نقل الآثار بشكل علمى آمن، وكل فرد فى الإدارة تلقى على الأقل 10 دورات تدريبية داخل وخارج مصر، وأصبحوا يمتلكون خبرة كبيرة فى التعامل مع نقل الآثار بشكل آمن.
وكان آخر ما استقبله المتحف نهاية فبراير الماضي، حيث استقبل المتحف 249 قطعة أثرية من المتحف المصرى بالتحرير ومنطقة آثار تل بسطا بالزقازيق، من أهمها تمثال ثلاثى من الجرانيت الوردى يتوسطه الملك رمسيس الثانى وعلى جانبيه المعبود بتاح والآلهة حتحور وهو من نتاج أعمال حفائر البعثة المصرية الألمانية المشتركة فى منطقة تل بسطا.
وفى نهاية جولتنا شاهدنا واحدة من أبرز مميزات المتحف ومركز الترميم وهى معمل ترميم الآثار الثقيلة بقيادة المهندس حسام راشد مدير عام ادارة ترميم الآثار الثقيلة بالمتحف، حيث نجحت هذه الإدارة خلال الفترة الماضية فى ترميم أكثر من 10 آلاف قطعة أثرية، منها حوالى 300 قطعة أثرية يزيد وزنها عن 250 كيلو جراما، حيث أن العملون هناك مدربون جيدا على استقبال وتناول القطعة الأثرية وتأمينها والخروج بها فى أحسن حال، وذلك باستخدام معدات وأدوات متطورة، طبقا لأحدث الأساليب العلمية والتكنولوجية الحديثة.. وعلى قدر أهمية المشروع وهو ما لمسناه فى جولتنا، هناك خطة إستثمارية خاصة تم وضعها للمشروع، وذلك لإدارة وتشغيل الخدمات بالمشروع، ومن المقرر طرحها خلال الأسابيع القليلة القادمة على التحالفات الخمسة التى كان قد سبق الإعلان عنها ديسمبر ٢٠١٨، وتشمل الخدمات إدارة مجموعة من المحال التجارية والمطاعم منها ماهو مطل على أهرامات الجيزة وقاعة للمؤتمرات وصالة عرض سينمائى ومركز لتعليم الحرف التراثية والفنون التقليدية ومكتبات ومساحات لإقامة الفعاليات، ومبنى متعدد الأغراض، على أن تتولى وزارة الآثار وحدها إدارة كل ما يتعلق بالقطع الأثرية من معامل ومراكز ترميم ومخازن للآثار وقاعات العرض المتحفى كما ستتولى مسئولية تأمينه.