الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

قرأنا لك.. الإســلام وإنسانيــة الدولــة

قرأنا لك.. الإســلام وإنسانيــة الدولــة
قرأنا لك.. الإســلام وإنسانيــة الدولــة




عن العلاقة بين الدين والدولة جاء كتاب الدكتور سعد الدين الهلالى أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، الكتاب الصادر عن هيئة الكتاب بعنوان «الإسلام وإنسانية الدولة» بما يرفع شبهة التعارض، ويحصن من فتنة الوقيعة بينهما، ويدعو الناس إلى كلمة سواء باعتبار الإسلام دينا إنسانياً يعتمد فى صورته الظاهرة على قرار الإنسان واختياره من بين أوجه شاملة للفكر الإنسانى استنبطها الفقهاء من دالات النصوص الشرعية التى صيروها قبلة للعقل الإنسانى واستداروا حولها، كما يتحلق المصلون حول الكعبة المشرفة كل بحسب موقعه يرى الكعبة أو القبلة من جهته.

ولا يعنى الهلالى بإنسانية الإسلام كونه اختراعاً إنسانياً منقطعا عن الوحى الثابت وإنما من وجهة أن الشارع ترك للمسلمين فهم نصوصه بآلية إنسانية متعددة أثمرت عن تعدد الوجوه المحتملة فى المسألة الواحدة، ثم الإذن الشرعى فى الامتثال بكل وجه اجتهادى منها بحسب الاختيار الإنسانى، وهذا يجعل من دينهم ديناً إنسانياً من جهة الاستنباط ومن جهة مرونة التعامل مع الآخر باختيار الوجه الفقهى الذى يقربه ولا يبعده.
وتؤكد مصادر التشريع إنسانية الإسلام فى الاستنباط البشرى من النصوص الشرعية ،وفى وضع أحكام المستجدات التى تدور بين الحظر والإباحة،وأن الاختيار فيها للإنسان . وهذه الأحكام المستجدة هى الأكثر فى حياة الإنسان الاجتماعية والاقتصادية والسياسية ونحوها. ومع ذلك فإن دعاة التعتيم على هذا الجانب الإنسانى يستعملون بعض القواعد الفقهية التى وضعت لمعالجة مسائل خاصة أو جزئية فى الترويج لتغييب العقل بجعلها شعاراً إسلامياً كلياً مثل قولهم» لا اجتهاد مع نص»، وقولهم» الثابت والمتغير، والقطعى والظنى»، ثم زايدوا على ذلك بوضع شعارات دينية خطابية غير محققة ساهمت فى تجهيل حقيقة الدين، ودفعت الناس إلى الكسل الذهنى ؛ اعتمادا على ما أوهموه من تحقيق الدين لأحلام الإنسان الحضارية دون فكره وتخطيطه وتجربته، مثل قولهم» الإسلام دين ودولة»، وقولهم» الدين منهج حياة»، وقولهم» الإسلام هو الحل» ويرى «الهلالي» أن هذا يستوجب تحقيق تلك الشعارات وتهذيبها صيانة للإسلام من الغلو الذى يعد هو أحد جناحى الخطر عليه، والجناح الآخر هو التفريط . فلو كانت هذه الشعارات حقاً فلماذا لم ترد فى كتاب الله أو فى سنة رسوله صلى الله عليه وسلم. ويتساءل الهلالى : لماذا لا يكون الحديث عن القرآن من القرآن ،وعن السنة من السنة. إن ألفاظ البشر مهما بلغت من الفصاحة لن تعبر عن مراد الله، فمن أراد أن يعبر عن مراد الله فليلتزم بكلام الله تعالى وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم.
واستشهد الهلالى بمتانة الدين الإسلامى بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم «إن هذا الدين متين فأوغلوا فيه برفق» . ومن متانة هذا الدين أن صاحبه يتكيف مع كل حال، ويتعايش مع كل نظام على اختلاف الأمكنة والأزمنة دون مساعدة حاكم أو رئيس فى شأن إقامة الدين، ولكن يبقى احتياج المسلم للعدل والأمن وفتح آفاق الرزق بصفته إنساناً لا بصفته مسلماً، وهذه الجوائح يستطيع كل إنسان بفطرته أن يقدمها للآخرين وأن يتعاون معهم فى تعميمها ولو لم يكونوا مسلمين، وهذا ما جعل النبى صلى الله عليه وسلم يدفع ببعض المسلمين الذين لم يتحملوا ظلم كفار قريش أن يهاجروا إلى الحبشة فى السنة الخامسة من النبوة،حيث قال النبى صل الله عليه وسلم :» لو خرجتم إلى أرض الحبشة، فإن بها ملكًا لا يظلم عنده أحد ،وهى أرض صدق حتى يجعل الله لكم فرجاً مما أنتم».
وهذا البحث عن العدل الإنسانى هو ما دفع بملايين المسلمين أن يستوطنوا أمريكا وأوروبا واليابان والهند وغيرها من الدول الموصوفة بغير الإسلامية ولم ينقص ذلك من صفتهم الإنسانية عن إخوانهم المقيمين فى الدول الموصوفة بالإسلامية . وقد قال النبى صلى الله عليه وسلم « لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة، ولا تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها « وهذا دليل على أن الهجرة قد تكون من أدوات التوبة، وبالتأكيد لن تكون الهجرة إلى مكان ظلم وهلاك ،وإلا كانت انتحاراً.
وأما تكريم الإسلام للإنسان بتمكينه من الاختيار على قدر استطاعته الاجتهادية دون وصاية من أحد فقد اشتمل على أصل الدين وفروعه، ففى أصل الدين يقول الله تعالى» وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر»الكهف 29، وقال تعالى» لا إكراه فى الدين قد تبين الرشد من الغى» البقرة 256. وفى فروع الدين يقول النبى صلى اله عليه وسلم «استفت قلبك وإن أفتاك الناس وأفتوك».
ويبشر النبى صلى الله عليه وسلم كل مجتهد على قدر استطاعته ،إن كان من أهل الدليل ،فبالنظر فى النصوص ودلالتها ،وإن كان من العامة فبالاختيار من الأقوال الفقهية بحسب المصلحة أو الطمأنينة فيقول صلى الله عليه وسلم» إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران،وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر».
وأجمع الفقهاء على أن اجتهاد المجتهد فى الاستنباط أو فى الأخبار لا يلزم أحداً إلا نفسه، والناس فى حرية وسعة من الاستنباط أو الاختيار إلا أن يلتزموا بالعقود والاتفاقات؛ ليتساوى الناس فى الحقوق الشرعية. وإنما وجب على المجتهد أن يلتزم باختياره لنفسه حتى يعلم بأن الاجتهاد حق وليس سلطة يمارسها على الغير. قال تعالى» أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون» البقرة 44 .
وحتى لا يزايد أحد على صاحبه فى اجتهاده أو اختياره الفقهى فقد جعل الله تعالى نتيجة الاجتهاد علينا فى الدنيا غيباً بعد انقطاع الوحى؛ ليتواضع البشر مع بعضه، فالكل فى خطر التخطئة وفى رجاء التصويب سواء، كما كان الإمام الشافعى يقول «قولى صواب يحتمل الخطأ وقول غيرى خطأ يحتمل الصواب».