السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

مصر والقارة السمراء «قلب واحد» منذ آلاف السنين حتى الآن

مصر والقارة السمراء «قلب واحد» منذ آلاف السنين حتى الآن
مصر والقارة السمراء «قلب واحد» منذ آلاف السنين حتى الآن




تحقيق - علاء الدين ظاهر

أيام قليلة وتشهد مصر حدثا مهما رغم أنه رياضى، لكنه يحمل دلائل مهمة على جميع المستويات، إنها بطولة أمم إفريقيا 2019 التى تستضيفها مصر فى الفترة من 21 يونيو حتى 19 يوليو،والتى يرى فيها كثيرون خطوة كبيرة لتوطيد العلاقة بين مصر والدول الإفريقية ومزيد من التقارب بين وجهات النظر،خاصة أن هذا يأتى فى نفس الوقت الذى تتولى فيه مصر رئاسة الاتحاد الإفريقى.
وكأنه يمكن أن نسميه عام إفريقيا فى مصر،حيث يشهد عدة فعاليات مهمة تستعيد معها مصر مكانتها وسط القارة السمراء،وعلاقاتها مع دول القارة على جميع المستويات،وما يدعم ذلك رئاسة مصر للاتحاد الإفريقى فى دورته الحادية والثلاثين لعام 2019، وبذلك أصبحت مصر عضوًا فى «ترويكا « المفوضية الإفريقية التى تشمل الرئاسة الإفريقية السابقة والحالية والقادمة.
ومنذ أيام احتفلت القارة السمراء بيوم إفريقيا وهو احتفال سنوى بدأ فى 25 مايو 1963 ذكرى تأسيس منظمة الوحدة الإفريقية،حيث شهد هذا اليوم، توقيع قادة 30 دولة إفريقية من 32 دولة مستقلة ميثاق التأسيسى فى أديس أبابا بإثيوبيا.

 

ما سبق يؤكد حقيقة مهمة جدا وهى أن مصر تتمتع بعلاقات ضاربة فى التاريخ مع إفريقيا ودولها،وهذه العلاقات تمتد عبر آلاف السنوات، وهو ما نستعيده مع عالم الآثار د.الحسين عبد البصير مدير عام متحف الآثار بمكتبة الإسكندرية،والمدير العام السابق لمنطقة آثار الهرم،والذى كشف فى حواره مع «روزاليوسف» عشرات من الحقائق التاريخية المهمة عن مصر وإفريقيا.
قال د. حسين عبد البصير:بدأت العلاقات المصرية القديمة مع الجنوب منذ أقدم العصور،وكانت فترة ما قبل الأسرات شاهدة على التواصل والتداخل الحضارى بين مصر وجنوبها. وكانت فترة الأسرات المبكرة مهمة جدًا فى تأسيس الدولة المصرية وتحديد الأولويات بالنسبة لها وكيفية التفاعل والوجود مع جيرانها إلى الجنوب من حدودها التى كانت متغيرة.
وكان نهر النيل هو شريان الحياة الذى يربط بين وادى النيل شمالاً وجنوبًا. وكانت النوبة هى الملعب المصرى الأثير فى المنطقة سواء النوبة السفلى أو النوبة العليا. ونرى منذ بدايات الحضارة المصرية الوجود المصرى فاعلاً للغاية ومؤثرًا فى الجنوب. وكان عصر الدولة القديمة بداية قوية للتوغل الكبير فى الجنوب.

 عصر الانتقال
وكانت فترة عصر الانتقال الأول فترة غير مستقرة فى مصر. ثم جاء عصر الدولة الوسطى وتبدأ سياسة تمصير الجنوب بشكل جعل مصر العنصر الأكثر فاعلية هناك. وتبدأ مصر فى إقامة القلاع والحصون وبناء التجمعات المصرية لتأمين الحدود وصد أية هجمات قد تهدد الحدود وجلب خيرات هذه البلاد إلى البلاط المصري. وتمر مصر بمحنة الهكسوس ويتحالف حكام النوبة مع الهكسوس ضد مصر.
وينجح أحمس الأول فى طرد الهكسوس. ويأتى الخلفاء العظام تحتمس الأول والثالث ويؤسسان الإمبراطورية المصرية فى الشرق الأدنى القديم والنوبة. ثم تنهار الدولة الحديثة، ويحكم النوبيون المتمصرون مصر فى الأسرة الخامسة والعشرين. ثم يهرب النوبيون إلى بلادهم وتنشأ الأسرة السادسة والعشرون. ويقوم بسماتيك الثانى بحملة ضد النوبيين ويدمر آثارهم فى كل مكان. ثم تنتهى مصر الفرعونية باحتلال الإسكندر الأكبر لها.
لقد كانت إفريقيا مهمة للغاية لدى المصريين القدماء. ومنذ أقدم عصور الحضارة المصرية القديمة لعب الفراعنة دورًا كبيرًا فى الانتشار فى إفريقيا وكشف معالم هذه القارة القديمة العظيمة. وقام الفراعنة بتمصير القارة الإفريقية منذ بدايات التاريخ المصرى القديم. وكانت إفريقيا هى العمق الجنوبى للحضارة المصرية.
وأمدت إفريقيا مصر والمصريين القدماء بالعديد من السلع والمنتجات التى كان المصريون القدماء يحتاجون إليها من أجل تشييد حضارتهم العظيمة. وقام فراعنة بداية من  الأسرات المصرية القديمة وعصر الدولة القديمة بتعزيز العلاقات التجارية والدبلوماسية مع إفريقيا وإرسال البعثات والوفود لجلب المنتجات الإفريقية إلى مصر القديمة. وكانت إفريقيا منجمًا لمصر القديمة؛ نظرًا لوجود العديد من المنتجات التى لم تكن موجودة فى مصر القديمة فى تلك الفترة.

تمصير النوبة
وفى عصر الدولة الوسطى، بدأت مصر سياسة تمصير النوبة بشكل كبير ومنهجي. وبناء على ذلك، قام الملك العظيم سنوسرت الثالث بتوسيع حدود مصر الجنوبية فى النوبة حيث أقام سلسلة من القلاع النهرية الضخمة منها بوهن وتوشكى ووصل إلى الجندل الثالث. وهناك مسلة تذكر إنجازاته الحربية فى النوبة.  وفى عصر الدولة الحديثة، قام فراعنة الدولة الحديثة بتأمين حدود مصر وتعزيز العلاقات الدبلوماسية مع جيرانها.
 وشن الملوك أمثال تحتمس الأول وحفيده تحتمس الثالث الحملات العسكرية ومدوا نفوذ الفراعنة إلى بلاد النوبة، وذلك تدعيمًا للولاء وللحصول على الواردات الإفريقية المطلوبة لمصر. وتم ضم النوبة إلى الممالك التابعة للإمبراطورية المصرية. وتم تعييين أحد الممثلين لمصر لحكم هذه البلاد نيابة عن الفرعون العظيم، وأخذ لقب «ابن الملك فى كوش».
 ‏ ‏وجاء أهل هذه البلاد يحملون الجزية لبلاط الملوك المصريين القدماء كما هو مصور، على سبيل المثال، فى مقبرة الوزير رخ مى رع الموجودة فى البر الغربى لمدينة الأقصر، والذى كان يعمل وزيرًا للفاتح العظيم الملك تحتمس الثالث. وبعد نهاية عصر الدولة الحديثة، انهارت هيبة مصر انهيارًا كبيرًا. واستقل ملوك مملكة كوش أو الكوشيون وأسسوا مملكتهم التى تمركزت فى نباتا فى جنوب السودان.

الملك طهرقا
 ‏ ‏وقام الكوشيون خلال تلك الفترة بغزو مصر تحت قيادة الفرعون بعنخى أو بيا، وسيطروا على طيبة والدلتا، ومن ثم سيطر الملوك الكوشيون على مصر فى القرن الثامن قبل الميلاد. وقد حكم الملوك الكوشيون مصر فى عصر الأسرة الخامسة والعشرين. وحكم ملوك الأسرة الخامسة والعشرين الكوشية مصر الفرعونية فيما يعرف تاريخيًا بعصر الانتقال الثالث. وقام الكوشيون بحكم مصر لمدة تقرب من مائة عام، ومن أشهر ملوك تلك الحقبة الفرعون الكوشى طهرقا والذى تم تتويجه فى منف بمصر.
 ‏ ‏ وحكم طهرقا كوش ومصر معًا، وقام بترميم المعابد المصرية فى الكرنك، كما قام ببناء العديد من المعابد والأهرامات الجديدة فى النوبة. غير أن دولة كوش الضعيفة لم تستطع أن تستمر فى حكم مصر القوية. وبعد فترة من حكم الكوشيين لمصر، بدأ الآشوريون هجومهم وغزوهم لمصر. فحارب كل من الملكين الكوشيين طهرقا وخليفته تانوت أمانى الآشوريين.
 ‏ ‏وفى نهاية المطاف، أجبر الآشوريون الملوك الكوشيين على العودة إلى بلادهم، واحتلوا منف، وعزلوا معابد طيبة. وهكذا انتهت الأسرة الخامسة والعشرون الكوشية.  وحلت مكانها أسرة مصرية أصيلة من أعماق الدلتا المصرية من مدينة سايس أو صا الحجر الموجودة فى بسيون فى الغربية، وأسست ما يعرف بعصر الأسرة السادسة والعشرين أو العصر الصاوى نسبة إلى عاصمتهم.
 ‏ ‏ وقام فراعنة الأسرة السادسة والعشرين الصاوية بتقليد كل ما هو جميل فى عصور الازدهار السابقة. وكانت هذه الأسرة من أجمل وآخر الومضات الحضارية فى مصر القديمة قبل غروب شمس مصر الفرعونية وتحولها إلى مملكة يحكمها الغرباء.
 ‏وتعتبر أرض النوبة من أغنى المناطق الأثرية على ضفاف نهر النيل، وكانت توجد بها حضارات عظيمة، وعثر بأرضها الممتدة على العديد من البقايا الأثرية بداية منذ عصور ما قبل التاريخ مرورا بالعصور الفرعونية واليونانية-الرومانية والمسيحية والإسلامية ووصولاً إلى العصر الحديث.
وجغرافيا تمتد منطقة النوبة من جنوب مصر إلى عمق أرض السودان وتحديدًا من مدينة أسوان إلى الدبة على وادى نهر النيل الخالد. ويتحدث أهل هذه المنطقة الحضارية العريقة اللغة النوبية. وتقسم عادة النوبة إلى النوبة السفلى - والتى تمتد من الجندل الأول إلى الجندل الثانى على نهر النيل- والنوبة العليا التى تمتد فى أرض السودان.
ووفقًا لعلماء الآثار والمؤرخين، فإن النوبة تمتد عادة إلى أواسط السودان لتشمل المناطق التى كانت تحت حكم دولة كوش المعروفة التى كان مقرها فى مدينتى ناباتا ومروى فى الألفية الأولى قبل ميلاد السيد المسيح وبعد الميلاد. وشغلت تلك المنطقة حضارات عديدة منذ عصور ما قبل التاريخ وتكونت بها ثقافات محلية مدهشة وامتد منها عبق الحضارة المصرية القديمة إلى أطراف وأعماق القارة الإفريقية.

 أرض النيل
 وفى عصور الدولة القديمة والدولة الوسطى والدولة الحديثة الفرعونية، شهدت منطقة النوبة وجودًا مصريًا متميزًا ومزدهرًا. وتشبع ذلك الجزء من النوبة بالحضارة المصرية القديمة مما أدى فى عصر الانتقال الثالث إلى قيام أهل كوش بالسيطرة على الحكم فى أرض النيل وتكوين ما يعرف بالأسرة الخامسة والعشرين مقلدين بذلك سير فراعنة مصر العظام أمثال الفرعون المحارب الملك تحتمس الثالث والفرعون الشمس الملك أمنحتب الثالث ونجم الأرض الفرعون الأشهر الملك رمسيس الثانى.
 ‏ ‏وبحلول العصر المتأخر، بسطت مصر نفوذها على أرض النوبة إلى أن دخلت الحضارة الفرعونية إلى مرحلة الذبول والنسيان. ومع دخول الإسكندر الأكبر أرض مصر، تحولت مصر إلى جزء من العالم الهلنستي، ثم ازدهرت مع عصر البطالمة، وصارت جزءًا مهمًا من العالم الرومانى والبيزنطى ثم من العالمين المسيحى والإسلامى إلى وقتنا الحالى.