الإثنين 6 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

على هامش الأخبار

على هامش الأخبار
على هامش الأخبار




يكتبها - محمد حسنين هيكل

ليس لأنه الملك
منذ بضعة أسابيع قرأت فى هذه المجلة وصفا للرحلة الملكية إلى كفر الدوار قال فيه كاتبه أنه رأى قلب مصر ينبض مرتين الأولى يوم تتويج الملك والثانية يوم هذه الرحلة إلى كفر الدوار.. ولست أدرى كيف سيستطيع هذا الكاتب أو غيره أن يصف عودة الملك إلى عاصمة ملكه فى الأسبوع الماضى.. ولأول مرة حمدت الله على أننى أعمل فى مجلة أسبوعية وليس فى جريدة يومية لزاما عليها أن تصف ذلك لقرائها..
ولقد قرأت جرائد الصباح جميعا ولكنى لم أجد وصفا واحدا استطاع أن يصور الحقيقة أو جزءًا منها.. وليس هذا ذنب المزملاء وإنما الواقع أن ما حدث كان أكبر وأجل من أنت تستطيع الكلمات وصفه..
كنت أشهد المواكب بصحبة زميل أمريكى قال لى لما رأى احتشاد الجماهير وحماستهم:
ترى ما رأى رجل الشارع فى هذا؟.. أننا نحن الأمريكيين نحب دائمًا الوقوف على رأيه.. فهو بعيد عن كثير من المؤثرات وقلت له:
ـ سل من شئت!
واختار الزميل الأمريكى شخصا فسألته:
ـ لماذا تحب الملك..؟
ونظر إلى الرجل بدهشة ولكنه أجاب ببساطة:
ـ لأنه «حبيبنا»...
وترجمت إلى الزميل ما قاله الرجل فهتف:
ـ يالها من إجابة رائعة.. صادرة حقا من أعماق القلب وأنها لتذكرنى بأننى سألت ذات مرة رجلا من مملكة أخرى بينما كان موكب ملكها يمر نفس السؤال فقال ببساطة:ـ لأنه الملك.!
وكيف!
منذ بضعة أيام كنت أزور المسيو «جان ليجول» رئيس تحرير البورص أجبسيان فى مكتبه.. كنا نتكلم فى شئون شتى، تمت كلها بالطبع إلى السياسة بأوثق الصلات وكان بين الموضوعات التى طرقناها ذلك الموضوع الذى كثرت حوله الأقاويل والتكهنات.. موضوع النظام الذى سيسود العالم بعد الحرب.. النظام الذى يمنع الإنسانية  أن تتردى فى حرب أخرى فلا تعيش كالوحوش فى الغابات.. البقاء للأقوى كان طبيعيًا أن أسأل المسيو ليجول عن النظام الذى يراه أنفع من غيره للجماعة الإنسانية، فهذا الرجل خبر مثل هذه الشئون الدولية خبرة حقيقية، فقد ظل سنين عديدة سكرتيرًا لمكتب عصبة الأمم الدائم، ولا شك أن هذا أتاح له فرصة قل أن يظفر بها سواه.
سألته وكنت أتوقع أن يحدثنى عن نظام مصيره ولكن لشد ما كانت دهشتى عندما رأيته يقطب وجهه ويقول:
ـ لا فائدة.. لقد وصل الإنسان إلى درجة من الشر أنسته معنى العدالة
قلت:
ـ وما العمل إذن.. أنظل هكذا؟!
ـ إننى رجل مؤمن بالله أصبحت أعتقد أن أحسن شىء لخير الجماعة الإنسانية هو أن يتدخل الله فى شئون الأرض تدخلا مباشرًا، قلقت مندهشًا:
ـ وكيف؟! فأجابنى:
ـ لا يعنينى أن أفكر فى هذا فذلك شأنه وحده وعليه هو أن يدبر وسيلة تدخله صراحة.
يلوح أن المعركة الانتخابية فى أمريكا قد بدأت أو هى على وشك أن تبدأ.. فالمتابعون للجرائد الأمريكية يلاحظون أن كلا من الفريقين قد بدأ يتكلم..
والظاهر حتى الآن أن الحزب الجمهورى ينوى ترشيح «وندل ويلكى» للرئاسة وأنا شخصيًا من المعجبين بوندل ويلكى ولا ينقص هذا بالطبع من اعجابى بروزفلت.
يعجبنى فى وندل ويلكى صراحته.. صراحته المطلقة فى سبيل الحقيقة حتى ولو كانت على نفسه وحزبه.
وشد ما يعجبنى قوله عن، الحزب الجمهورى الحزب الذى ينتمى هو إليه «أنه نسى تقاليده الحرة القديمة ولم يعد ينظر إلى المستقبل ويعمل من أجل الأمريكى العادى بل أصبح يعمل من أجل مصلحة كبار أعضائه وهكذا فقد الناس ثقتهم به، ولهذا يجب أن ينتصر الحزب على نفسه قبل أن ينتصر على غيره فى معركة الانتخابات القادمة».
هذه الصراحة تعجبنى ويطيب لى أن أتصور ما كان يحدث لو أن عضوًا فى أحد الأحزاب المصرية قال مثل هذا أو نصفه عن الحزب الذى ينتمى إليه.. ترى ماذا كان يحدث.؟
 ولعلى لست المعجب الوحيد بصراحة ويلكى فأنا أذكر أن ستالين وقف ذات مرة مع ويلكى أثناء زيارته لروسيا وقال له:
ـ لقد نشأت أنا يا مستر ويلكى فلاحا بسيطا فى بورجيا ولم أتعلم شيئا فى المدرسة حتى أستطيع أن أنمق لك بعض الكلمات اللغوية، ولكنى فى الواقع أحبك جدًا!
(هـ..)

«روزاليوسف ديسمبر 1943