السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

شريف عرفة المبدع

شريف عرفة المبدع
شريف عرفة المبدع




هو مخرج متفرد لا يشبه غيره، يبدو لنا كمن يستشرف آفاقًا لا نرقى إليها نحن البشر العاديون، فلتكتشف عظمة سينما شريف عرفة لا يحتاج الأمر أن تكون متبحرًا فى تاريخ الحضارات والأديان والفلسفات، بل يكفى أن تشاهد أفلامه، فتكتشف أنك أمام مخرج عالمى يمتلك لغة سينمائية خاصة، تربع فوق عرش السينما باعتبارها إحدى أهم المنجزات العصرية تأثيرا فى البشرية، فامتلك قوة «هودينى»، فكان تأثير أفلامه هو الأقوى والأبقى لأنه تأثير ثقافي ناعم.
ظهر فى مرحلة فاصلة فى تاريخ السينما المصرية يمكن أن نطلق عليها مرحلة التعافى بعد أعوام طويلة من سينما المقاولات، لتعود مرة أخرى إلى الأفلام التى تحمل مضمونًا جادًا، كان رهانه على القيمة، ففتح نوافذ غير تقليدية لمحبى «الفن السابع»، لذا اعتبر شريف عرفة منذ بدايته من جيل المخرجين الكبار، فهو يملك رؤية بصرية واضحة‏،‏ ويهتم بالصورة‏،‏ وحركة الكاميرا‏، مع وعيه التام بأن الشكل الفنى هو الذى يزيد من قوة المضمون فى كثير من الأحيان.
■ ■
لم يتوان أبداً، ولم يقصر فى التعبير عن أحلامنا، وطموحاتنا، ومغامراتنا، وفكرنا، مستخدمًا حيوية الشباب والأحلام، بالإضافة للموهبة، ليصنع سينما خاصة به، سينما قدم من خلالها موضوعات شائكة‏،‏ بمعالجات مختلفة وبسيطة‏، فهو ليس «مهووسًا» بمسألة الإيرادات، المهم بالنسبة له أن يصل الفيلم للناس فقط، ولا شىء آخر، لذا تحول إلى نجم جماهيريته تغطى فى كثير من الأحيان على جماهيرية نجم الفيلم، أصبحنا نرى من يذهب للسينما كى يشاهد فيلمًا لـ«شريف عرفة».
قلائل من المخرجين المصريين الذين امتلكوا القدرة على الجمع، بين إعجاب شريحة واسعة من الجمهور والاحتفاظ بطليعية فنية طموحة، فمنذ بدايته صنع بصمته الخاصة، فلم يكن غريبًا عليه أن يتعامل مع كبار النجوم فى ذلك الوقت مثل أحمد زكى وسعاد حسنى وغيرهما، لم يكن غريبًا أيضًا أن يتعامل مع الفنان عادل إمام وهو «الزعيم» الذى قد تغطى نجوميته على أى مخرج مهما كان كبيرًا، إلا أن شريف عرفة كتب معه تاريخًا جديدًا فى خماسية أخرجها كأنها فى زمن سينمائى واحد، التيمة المشتركة كانت للمواطن البسيط الذى يلعب مع الكبار ولا يظهرون طوال الوقت، ورغم ذلك أعلن الحرب عليهم، وعلى «طيور الظلام» الذين اتخذوا من الدين ساترًا للوصول إلى السلطة، فقدموا أجرأ الأفلام التى تعريهم أمام المشاهد، فقد أيقن أن هؤلاء المتأسلمين يخافون سلاح الفن، الذى يظل تأثيره طويلًا فى أجيال مختلفة، فكانت أفلامه تعلمنا الحب، والخير، والتسامح.
■ ■
السينما تتغير فعلًا، لكن ذلك لا يمثل أى تحد له، فهو فى كثير من الأحيان يكون قائدًا لهذا التغيير، وفى بعض الأحيان يقوم بإدخال التعديلات دون تغيير مساره بالكامل، ويرجع ذلك إلى أنه نشأ فى بيئة حاضنة للفن والسينما، فوالده المخرج الكبير سعد عرفة وخاله الفنان حسين لوكسر، ثم اتجه إلى الدراسة فأثقلت الموهبة، فأخرج أفلامًا تعبر عن زمنه، فنجده فى بعض منها خرج من عالم «اليوتوبيا» مع صديق الدراسة السيناريت ماهر عواد، كما فى «الدرجة التالتة» و«يا مهلبية يا»، و«سمع – هس»، الذى اعتبره الكثير بداية فعلية لعصر جديد للسينما المصرية، مغامرة راهن عليها، وبالفعل كسب الرهان وأصبحت من أهم الأفلام الكلاسيكية فى فترة التسعينيات.
■ ■
شريف عرفة بث روحًا ودماءً جديدة فى جسم السينما المصرية ليس فقط من خلال الأفلام التى قدمها, بل أيضًا من خلال النجوم الشباب الذين اكتشفهم، فقد استطاع أن يكتشف جيلًا كاملًا من شباب التسعينات الذين كونوا ملامح الكوميدية فى هذه الفترة بداية النجم الراحل علاء ولى الدين الذى قدمه فى أول بطولة سينمائية له وهو فيلم «عبود على الحدود» وكان من نجوم هذا الفيلم أيضًا أحمد حلمى وكريم عبدالعزيز ثم تلاه فيلم «الناظر» الذى قام ببطولته أيضًا علاء ولى الدين وأحمد حلمى وشهد بداية ظهور شخصية «اللمبى» الشهيرة التى صنعت نجومية محمد سعد، كما أعطى الفرصة لنجوم شباب مثل منى زكى بداية من «اضحك الصورة تطلع حلوة» و«مافيا» ومعها الفنان مصطفى شعبان و«حليم» الذى قدم خلاله أيضا هيثم أحمد زكى لأول مرة، وأعاد اكتشاف شريف منير فى فيلم «ولاد العم» الذى قدم فيه ملحمة وطنية مصرية، ولم تكن هى الملحمة الوحيدة، فقد قدم مؤخرًا فيلم «الممر» الذى يعد علامة فارقة فى تاريخ السينما المصرية، عمل درامى قومى عظيم يصل فى تكنيكه إلى الأفلام العالمية، يُعلم معنى الوطنية ويكشف عن ملحمة بطولية قام بها رجال القوات المسلحة، فيكفى أن من كتب سيناريو الفيلم هو شريف عرفة نفسه، وشاركه فى كتابة الحوار الشاعر أمير طعيمة، لكى نتأكد أننا أمام فيلم حربى عالمى من الطراز الأول.
■ ■
رغم إعلان شريف عرفة فى أكثر من مناسبة أنه مخرج سينمائى فقط ولا يستطيع أن يخرج من جلده ويقدم دراما تليفزيونية، لكنه كانت له بصمة واضحة فيها كمنتج, حيث أنتج أعمالًا مثل «لحظات حرجة » بمواسمه المختلفة و«تامر وشوقية» الذى اكتشف من خلاله أحمد مكى, كما أنتج برنامج «الناس وأنا».
مشوار شريف عرفة السينمائى الحافل أهله لحصد العديد من الجوائز، منها: أحسن مخرج من وزارة الثقافة عن أفلام اللعب مع الكبار, والإرهاب والكباب, والمنسى, أيضًا الجائزة الفضية لأحسن فيلم من مهرجان ميلانو عن فيلم الإرهاب والكباب، لكونه أحد أهم المخرجين, حيث طرح شكلًا فنيًا جديدًا ومبتكرًا، ولكون أفلامه أصبحت علامات فى تاريخ السينما، لأجل هذا وأكثر وجدناه يستحق عن جدارة وسام الاحترام.

روزاليوسف