الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

«مدينة الحوائط اللانهائية» حوار الكلمة والرسمة

«مدينة الحوائط اللانهائية» حوار الكلمة والرسمة
«مدينة الحوائط اللانهائية» حوار الكلمة والرسمة




 فى كتابه القصصى «مدينة الحوائط اللانهائية» يقدم الكاتب طارق إمام بالتعاون مع الفنان صلاح المر، كولاج من الحكايات والرسومات لا تحاكى فيه الصورة الكلمة بقدر ما يصنعان معا حوارا فنيا ممتعا.
يفتتح طارق كتابه الصادر عن الدار المصرية اللبنانية بإهداء «إلى الفتاة التى ادخرت أربعة عشر عاما لكى تصل فى الموعد» ويتلوه بحكاية/أسطورة مؤسسة لمدينة الحوائط اللانهائية

 «ذات يوم كانت هناك مدينة، قرر أهلها أن تصير بيتا، لأنهم أرادوا أن يصبحوا إخوة رغم الدم .. فحطموا حوائط بيوتهم وصنعوا أربعة حوائط هائلة لتصير المدينة كلها بيتهم. صاروا جميعا أسرة واحدة، أو هكذا اعتقدوا، لكنهم كانوا مع كل صباح يفقدون واحدًا منهم، يغادر جثمانه البيت تاركًا بقعة من الدماء لم يعرف أبدًا أى من سكان البيت الكبير كان القاتل، حتى تبقى اثنان، رجل وامرأة. لم يكن أحدهما بحاجة ليفكر أنه سيكون ضحية الآخر، لأن كليهما كان يعرف أنه القاتل».
يختار طارق أن يكون القتل هو الفعل المؤسس لمدينته، متماهيًا مع العديد من الحكايات المؤسسة للوجود الإنسانى على الأرض حين قتل الأخ أخاه بدافع الغيرة أو الطمع أو الخوف»هكذا نشأت سلالة جديدة على أنقاض المدينة البائدة. ورغم أنهم كانوا هذه أخوة حقيقيين، إلا أن كلا منهم أراد أن تكون له حوائطه: فقط حوائط، بلا أبواب أو أسقف، فقد فطنوا أن البيوت تخلق لقتل الناس فيها».
تتماس حكايات «مدينة الحوائط اللانهائية» مع حكايات ألف ليلة وليلة، فهناك حكاية رئيسية تتفرع منها كل الحكايات، كما تتشابه الشخوص ومصائرهم المحكومة بالعديد من الثنائية مثل اللذة واللعنة،الجمال والقبح، الحب والغدر، القدر والاختيار، الموت والحياة، الحكمة والجنون، الخوف والشجاعة.
«أحيانًا كنا نشعر أن الصوت قادم من ناحية المقابر العمومية، وأحيانًا تكون على وشط التأكد من أن مصدره شارع البحر المزدحم عللى الدوام بالقباطنة والبحارة والأغراب والمسوخ. وفى فترات كثيرة كنا نحس أنه آت من مكان مرتفع قريب من السماء: حواف إحدى البنايات الشاهقة أو قمة الفنار العتيق الذى يرشد ضوؤه السفن فى عتمة الليالى التى بلا أقمار، والذى انتحر من فوق قمته عشاق خاسرون وحالمون اكتشفوا أن العالم أكثر قسوة مما ظنوا».
أكثر ما يميز حكايات/ قصص المجموعة التى تحتوى على ثلاثة فصول «نساء مدينة الحوائط، رجال مدينة الحوائط، غرباء مدينة الحوائط» أنها تفتح الباب للولوج لعالم الحكايات والأساطير بوصفها نصًا حيًا ومتجددًا، وليس نصًا قديمًا وتامًا، نتعرف من خلالها على أبطال الحكايات وسكان المدينة مثل «المرأة التى تغني، والرجل الذى لم يحلم أبدًا، والمصور الذى مستقبل جارته، وقراصنة نهاية العالم».
من خلال هذه الرؤية يعيد طارق بناء العديد من الحكايات والأساطير فى صورة مغايرة وسردية جديدة، لا تقدم إجابات مطلقة ولا تنفى الحكايات الأولى، لكنها تفتح الباب للتساؤل والتفكير فى مصائر الإنسان وحياته، كما تتعامل مع القارئ بوصفه شريكًا فى النص وليس مجرد متلق، فكل إنسان منا يحمل حكايته وأساطيره الخاصة.
 «بعد سنوات ستصير العصا التى كانت عجازًا وحيدًا لامرأة فقيرة جذرًا قويًا سميكًا، ستختفى معه ملامحها النحيلة النحيفة.. وستورق الشجرة وتتشعب أغصانها، إلى أن تظلل قبة الضريح تمامًا».