الثلاثاء 16 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

خطة أمريكية لمرحلة ما بعد الأسد




ينشغل الباحثون العرب والغربيون بمستقبل سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد وتداعيات ذلك على أمن واستقرار منطقة الشرق الأوسط والمعضلات التى قد تواجه الولايات المتحدة وحلفاءها فى سوريا ما بعد الأسد، وسبل تلافيهم تلك العراقيل.
 
 
 
وقد نشرت مجلة «ناشيونال انترست» دراسة لكل من «دانيال بايمان» أستاذ الدراسات الأمنية فى جامعة جورج تاون والزميل فى مركز سابان لسياسة الشرق الأوسط فى معهد بروكينجز، و«رينانه مايلز» محللة البرامج لدى وزارة الدفاع الأمريكية؛ من الكتابات المهمة التى صدرت مؤخرا فى هذا الصدد.
 
 
 
 يقسم الكاتبان دراستهما إلى أربعة أقسام؛ فيفصلان فى القسم الأول المشاكل التى ستواجهها سوريا فى مرحلة ما بعد الأسد، ويستعرضان فى القسم الثانى الدور الذى قد تلعبه الولايات المتحدة وحلفاؤها فى تخفيف حدة هذه الصعوبات، ويناقشان فى القسم الثالث إمكانيات الولايات المتحدة وحلفائها والمشاكل التى قد تواجههم فى سوريا وحدود تدخلهم، ثم يقدمان فى القسم الأخير من دراستهما توصيات حول التدخل الحذر فى سوريا، ويقيمان التأثير المحتمل لمثل هذا التدخل.
 
 
 
  ويستهل الكاتبان دراستهما بالإشارة إلى أن رحيل ما وصفاه بـ»الديكتاتور» لن يخلف وراءه سوى صراع على السلطة، وانشقاقات، واقتصاد هشٍ، وشوارع غير آمنة، وشعب خائف، فضلا عن أنه من المرجح ألا تأتى حكومة جديدة قادرة على إدارة البلاد.
 
 
 
 ويشيران إلى أن من المرجح أن يتمخض عن الصراع السورى الدموى «دولة متداعية تحتاج إلى جهود مضنية لإعادة إعمارها». ولا يستبعد الكاتبان أن يدعو البعض الولايات المتحدة إلى التدخل فى سوريا لإرساء الاستقرار والنظام، ولكنهما يشككان فى قدرة واشنطن على احتواء الوضع هناك، خاصة وأن لها سجلا حافلا بالإخفاقات فى مساعدة بلدان تمر بأزمات خطيرة مثل تلك التى تمر بها سوريا.
 
 
 
 واكتسبت الولايات المتحدة خبرة جيدة من حربى العراق وأفغانستان وسبل إعمارهما، لكن الكاتبين يريان أن عليها استخلاص الدروس المستفادة من جهود بناء هاتين الدولتين وغيرهما من البلدان؛ فالنجاح -من وجهة نظر بايمان ومايلز- يتطلب موارد كبيرة، وتنسيقا داخل الحكومة، ومتابعة على المدى الطويل، وتخطيطا دقيقا لفترة ما بعد الحرب. وهو ما تفتقر إليه الولايات المتحدة عند تعاطيها مع الأزمة السورية فى مرحلة ما بعد الأسد، نظرا للتغييرات التى طرأت على البيئة السياسية داخل واشنطن وخارجها.
 
 
 
 ويرى بايمان ومايلز أنه مع تدمير الحرب الأهلية المدن السورية وتفريقها صفوف الشعب، فلن ينطوى إحلال السلام والاستقرار فى سوريا على إسقاط الأسد فحسب، بل لا بد أن يضطلع أى نظام جديد بإعادة بناء الدولة وإصلاح الأمة أيضا.
 
 
 
 ويتوقع الكاتبان أن يتحول العنف السورى الحالى إلى فوضى عارمة، أو إلى صراع ضارٍ على السلطة. فقد تتوحد صفوف المعارضة من خلال عملية ديمقراطية فى أعقاب سقوط الأسد، إلا أن إجراء أى انتخابات على المدى القريب سيثير الشكوك حتما بين صفوف الشعب، مما سيدس الوقيعة بين مناهضى الأسد بعضهم بعضا.
 
 
 
 هذا ومن المرجح أن تؤجج أساليب حكم الأسد ومحاباته مجموعات رئيسية معينة الصراع فى سوريا، وسترغب الأقليات (خاصة العلويين والمسيحيين والدروز) فى البقاء على حالها. أما المسلمون السنة الذين يتحملون عبء الجزء الأكبر من القتال فسيرغبون فى المزيد من السلطة والثروة، وفقا لتوقعات الكاتبين.
 
 
 
 ويذكر الكاتبان أنه بعد سقوط صدام حسين فى العراق أفضى استشراء الجرائم إلى انهيار الدولة. وبالمثل قد يختل توازن الدولة السورية إثر عمليات خطف المواطنين الأثرياء التى تقوم بها عصابات مسلحة فى سوريا طلبا للفدية. وينقل بايمان ومايلز عن أحد المقيمين فى حلب قوله لصحيفة نيويورك تايمز: «نعانى من الفوضى، وانعدام القانون، والخوف. ومع استشراء البلطجية فى الشوارع، لا تدرِ من قد يخطفك ويطلب فدية».
 
 
 
 ومن وجهة نظر الكاتبين، قد تنمو هذه المشاكل باطراد لأن الشرطة السورية -التى يزعم أنها من الموالين للأسد- ستثبت على الأرجح عجزها عن فرض النظام، ومنع النهب واسع النطاق، أو أى جرائم أخرى.
 
 
 
 وتشير الأرقام الأخيرة الصادرة عن «مؤسسة كويليام»، وهى مؤسسة بحثية بريطانية تكرس جهودها لتفنيد التصورات المتطرفة المنتشرة بين المجتمعات الإسلامية؛ إلى أن الحرب السورية اجتذبت عدة مئات من الجهاديين الأجانب، الذين تتشابه أيديولوجيتهم مع تلك الخاصة بتنظيم القاعدة.
 
 
 
وبحسب الكاتبين، يكن بعض هؤلاء الجهاديين الولاء إما لزعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهرى أو لقاعدة العراق، ويتطلعون إلى إقامة دولة إسلامية فى الأرجاء السورية التى يسيطرون عليها، وسيحاولون على الأرجح إكراه السوريين على الانضمام إليهم. وقد يصل الحال بسوريا إلى إرسال الإرهابيين إلى الخارج بدلا من اجتذابهم؛ فالقاعدة والجماعات الإرهابية الأخرى تستخدم المناطق التى تسيطر عليها لشن هجمات على دول مجاورة وأهداف غربية.
 
 
 
 وقد شن أنصار الأسد وأعداؤهم فى لبنان بالفعل هجمات ضد بعضهم بعضا، ومن المحتمل أن يتنامى هذا العنف نظرا لطمع الجماعات الإرهابية فى السلطة فى سوريا. وما صعد من حدة المخاوف أكثر هو صدور تقارير عن صحيفة «واشنطن بوست» تفيد بوجود ما لا يقل عن مئات الأطنان من الأسلحة الكيميائية فى المدن السورية. وتخشى إسرائيل، على حد قول الكاتبين، من وقوع هذه الأسلحة فى أيدى حزب الله، كما يخشى العالم أجمع من وصولها إلى أيدى تنظيم القاعدة والجماعات الجهادية الأخرى.
 
 
 
 ولا يستبعد بايمان ومايلز أن تواصل وزارة الخارجية الأمريكية تدخلها فى الشأن السوري. ولا ترغب المملكة العربية السعودية وتركيا، على حد قولها، فى الإطاحة بالأسد فحسب، بل ترغبان أيضا فى أن تحل جماعاتهم المفضلة محله. وفى الوقت ذاته، ترغب إيران فى الحفاظ على موطئ قدم لها فى سوريا بعد سقوط الأسد، وستدعم على الأرجح العلويين الساخطين وغيرهم من الراغبين فى تقديم العطاءات لها. وبحسب الكاتبين، يساور بعض الدول قلق من حالة عدم الاستقرار التى تعيشها سوريا، فى حين يعتبرها آخرون فرصة لتعزيز نفوذهم.  ويلفتان إلى أن تدفق الأسلحة إلى سوريا من شأنه أن يعرقل الجهود الرامية إلى إرساء الاستقرار هناك. فبعد سقوط الأسد، ستكون قوات الأمن ضعيفة ومشلولة لا محالة، فى حين ستكون الجماعات الجهادية مسلحة جيدا، ما من شأنه أن يشيع الفوضى والاضطرابات فى البلد. ومن غير المؤكد ما إذا كانت الأسلحة ستكون فى أيدى تلك الجماعات فقط، أم ستودع كميات منها فى مخازن للذخيرة فى سوريا؟.
 
 
 
 ومن الناحية الاقتصادية، من المرجح أن يتردى الاقتصاد السورى بسبب الدمار الذى تخلفه الحرب، وارتفاع معدل الجرائم والعنف، وتنامى حالة عدم اليقين السياسي، على حد قول الكاتبين، اللذين ينوهان إلى أن الناتج المحلى الإجمالى تراجع إلى حد كبير فى سوريا، وإلى أن منابع الاستثمار الأجنبى جفت بصورة ملحوظة.
 
 
 
 ومن المتوقع أيضا أن تحدث العديد من المشاكل، وأن تزداد الأمور سوءا فى سوريا فى مرحلة ما بعد الأسد بسبب ما يستغرقه إسقاط النظام السورى من وقت وجهد. وتجدر الإشارة إلى أن العقوبات الغربية لها دور كبير فى انهيار الاقتصاد السورى بسرعة؛ فقد جعلت الطبقة الوسطى فى حالة لا يرثى لها، وعززت السوق السوداء إلى حد كبير.
 
 
 
 من وجهة نظر بايمان ومايلز؛ من الممكن أن يساعد الغرب سوريا فى الحفاظ على أمن حدودها، وفى تعزيز أمنها الداخلي، وإرساء الديمقراطية، وتوفير المساعدات الاقتصادية، وفى نقلها من الحرب والفوضى والطغيان إلى السلام والاستقرار والديمقراطية. ويقترحان أن تؤمن القوات الأجنبية الحدود السورية تأمينا جيدا بحيث تعجز الدول المجاورة عن إرسال الأسلحة والقوات شبه العسكرية إلى سوريا، ويشددان على ضرورة اعتقال أو اعتراض طريق أى جهادى يحاول اختراق الحدود السورية.
 
 
 

تركيا ستحل مكان أمريكا و أوروبا فى التدخل العسكرى بسوريا
 
 
 وينبغى أن تأخذ القوى الخارجية على عاتقها أيضا مهمة تأمين الأسلحة الكيميائية بعد سقوط الأسد لما لها من أضرار بالغة، لكن عليها أن تدرك أن تأمين الحدود ومخابئ الأسلحة الكيميائية ومكافحة الإجرام سيتطلب أعدادا غفيرة من القوات المجهزة والمدربة.
 
 
 
 ويرى الكاتبان أنه ينبغى على المجتمع الدولى العمل على إعادة دمج المقاتلين السوريين فى المجتمع من خلال توفير التعليم والتدريب المهنى لهم، وعلى خفض معدل البطالة فى سوريا من خلال توفير فرص العمل، وتحسين الوضع الاقتصادى للبلاد. فضلا عن أنه يجب تنسيق الجهود مع الحكومة الانتقالية للنهوض بسوريا، ومحاكمة المسئولين عن ارتكاب الجرائم.  ويمكن أن يقدم المجتمع الدولى الدعم لسوريا على المدى القريب من خلال إنشاء لجان مثل لجان الحقيقة والمصالحة (التى تأخذ على عاتقها استعادة العدالة)، وتقديم المشورة فى مجال التحكيم فى القضايا التى يتعذر فيها معرفة من الضحية ومن الجاني. ومن وجهة نظر بايمان ومايلز، سيكون للمساعدات الإنسانية أهمية قصوى، نظرا لما يحتاجه السكان المشردون داخليا واللاجئون من مأوى وغذاء ورعاية صحية. فوفقا لأرقام الأمم المتحدة، ثمة أكثر من 2.5 مليون شخص بحاجة إلى المساعدة داخل الحدود السورية.
 
 
 
  كما يرى  الباحثان بايمان ومايلز أن على الولايات المتحدة التخطيط لمرحلة ما بعد الأسد طالما أنها راغبة فى الإطاحة به، على أن يكون هدفها على المدى الطويل إقامة حكومة ديمقراطية يقدِر السوريون وجيرانهم على التعايش معها، جنبا إلى جنب مع مساعدة الدول المستضيفة للاجئين السوريين، وتأمين الحدود السورية، وملاحقة الجماعات الإرهابية، وحل المشاكل الملحة الأخرى.
 
 
 
  ويوصيانها أيضا بتنسيق الجهود مع المجتمع الدولى، ولا سيما تركيا، وبمساعدة الحكومة السورية على مكافحة الإرهاب، وتنسيق المساعدات مع الدول المجاورة لسوريا والأطراف الأخرى لضمان استخدام المساعدات بكفاءة، ورفع العقوبات عن سوريا حتى تتمكن من إنعاش اقتصادها من خلال إصلاح البنية التحتية المصرفية، وتشجيع الاستثمار الأجنبى.