الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

كارمن رؤيـة مشوشـة لأوبـرا «بيزيـه»

كارمن رؤيـة مشوشـة لأوبـرا «بيزيـه»
كارمن رؤيـة مشوشـة لأوبـرا «بيزيـه»




افتتح مسرح الهناجر للفنون أحدث إنتاجاته الفنية «كارمن» رؤية ودراماتورج وإخراج ريم حجاب، تعد أوبرا كارمن عملا فنيا بديعاعلى مستوى الكتابة الموسيقية والرواية الفنية التى كتبها المؤلف الفرنسى بروسبير مريميه عام 1846 ثم حولها جورج بيزيه إلى عمل أوبرالى شهير مؤلف من اربعة فصول بالفرنسية.

 

عرضت كارمن لأول مرة بأوبرا باريس عام 1875 تحمل هذه الأوبرا الكثير من العناصر الفنية التى تهيىء لأى مخرج مسرحى أو سينمائى تقديم عمل متكامل جيد الصنع؛ عمل ضمن نجاحه بمجرد استخدام موسيقى بيزيه أو إعادة استغلال وطرح الشكل الاستعراضى لأنطونيو جاديس.


كارمن الغجرية
 
تتلخص قصة كارمن فى فتاة غجرية متقلبة المزاج شديدة العند والاعتزاز بنفسها وبجمالها، فهى قادرة على إغواء الرجال والإيقاع بهم وبالفعل استطاعت الإيقاع بالضابط دون خوسيه كى يساعدها على الهرب من السجن بعد الحكم عليها فى واقعة جرح إحدى زميلتها بالمصنع تتمكن من إقناعه بمساعدتها على الهرب يقع فى حبها ثم يخسر عمله وحياته ويضحى بكل شيء من أجلها لكنها تمل حبه وتطلب التحرر من قيد هذا الحب لأنها لا تريد أن تخضع لرجل بعينه؛ فهى تكره حياته وتشتاق دائما وتهوى العودة لحياتها كعاهرة تحب مصارع الثيران وتقرر استبدال حبييها به وبدافع الحب والغيرة وحرصه على بقائها معه يحاول خوسيه منعها من تركه بكل السبل لكنها ترفض بشدة فيضطر إلى قتلها؛ هذه هى قصة كارمن بإختصار التى كتبها مؤلفها فى وقتها لعرض حياة الغجر والطبقة العاملة المضطهدة فى ذلك الوقت وكذلك لعرض مأساة هذا الرجل المغدور به من إمرأة صعبة المراس مثل «كارمن».. فهى شخصية عنيفة تشعر دائما أن جمالها هو سحرها وسر قوتها فى التفوق على النساء والإيقاع بالرجال وبالتالى ترفض أن تستقر فى حضن رجل واحد فهى ترى أنها خلقت لكل الرجال.


 كارمن.. ريم حجاب

 لكن «كارمن» على مسرح الهناجر اتخذت منحى آخر جردها من جماليتها وغجريتها كان أول هذا التجريد رؤية الدراماتورج والمخرجة ريم حجاب فى طرح كارمن علينا بوجهة نظر «ثورية»..قدمت ريم كارمن باعتبارها رمزا للكفاح والبحث عن الحرية والخلاص للنجاة إلى بر الأمان اتخذت منها نموذجا يحتذى به وتنتظره جميع النساء لتحقيق الحرية والجموح بعيدا عن كل قيد؛ بالطبع تبحث هذه الرؤية عن إلباس كارمن ثياب غير ثيابها الغجرية بالتعامل معها على أنها صاحبة قضية تسعى إلى غرس قضيتها ومبادئها على الأرض فى حين أنها إمرأة بلا مبدأ مجرد عاهرة ثارت على الحب وليس من أجله جردت حبييها من كل ما يملك بدافع الأنانية والرغبة فى إثبات الذات، وإذا قرأنا العمل قراءة عادلة ترجح كفة التعاطف والشفقة على حبيبها وليس لديها على الإطلاق وبالتالى اعتبار كارمن نموذج للعاهرة الفاضلة الداعية للحق فى الحرية والحياة هو خطأ كبير فى البناء الدرامى للعرض المسرحى فكان من الأجدر أن تبحث ريم عن شخصية أخرى توافق أفكارها ومبادئها التى ارادت طرحها على لسان كارمن عن طريق «الخطأ».

 

البطولة المفتتة

بدأ العرض بمشهد ثورى للغاية لمجموعة من الشباب ينادون بالحرية وتحقيق الحلم ثم تتوالى أحداثه بسماع جمل رنانة وخطابية من «كارمن» بإعتبارها أيقونة لثورة هؤلاء الحالمين خاصة فى مشهد محاكمتها فى السجن تحدثت مع الضابط بنبرة تحدى تضمن لها البطولة والتضحية وكأنها مثال للشرف والكفاح فى حين أنها كانت تستحق العقاب، هنا تجسد الإصرار على إقحام وحشر الشكل البطولى لكارمن الذى لم يكن فى صالح العمل الفنى، وجرده من هويته، لأن القصة الأصلية لا تحمل هذا القدر من الفلسفة فهى مجرد رواية عادية أصبحت اسطورة بموسيقى بيزيه ولولا موسيقاه البديعة ما حييت كارمن على خشبات المسارح وفى قاعات السينما، إعتمد العرض على البطولة الجماعية وتوزعت كارمن بين أبطاله وكذلك دون خوسيه وخطيبته أو حبيبته الأولى المسكينة التى كانت تنتظر عودته، قدمت المخرجة أكثر من كارمن وأكثر من دون خوسيه باعتبارهم شخصا واحدا لا نعلم لماذا تفتت كارمن وحبيبها وتفرقت بين الممثلين ربما أرادت أن تشير إلى أن كل النساء يجب أن يثرن ثورتها بالتحرر من قلوب الرجال فهل العمل دعوة للثورة على الحب أم من أجله؟!.


سذاجة الطرح

بدا معظم الممثلون مبتدئون وكأن أغلبهم يقف  على خشبة المسرح للمرة الأولى بإستثناء مصارع الثيران الذى ربما كان الأكثر احترافا بينهم؛ ثم أزمة تكرار وترديد جمل حوارية مسجوعة أو كأنه حوار شعرى متواصل مما انتهى بنا إلى مشاهدة عمل مسرحى منزوع الروح والبناء الدرامى وكأنهم مجموعة شباب إجتمعوا لترديد هتافات فى مشاهد متفرقة، هتاف يحمل نصح وإرشاد أو جمل شعرية منغمة تحث على البحث عن الحرية والخلاص مثل «أنا قلبى حر» وتكرارها أكثر من مرة و» احنا حياتنا جموح وعملنا لائيم» وكأن الشباب وقوفوا على خشبة المسرح لسرد وقول مجموعة من الأناشيد المدرسية وليس حوار لعمل يحمل الكثير من الثراء الفنى والموسيقى مثل «كارمن» وانتهى به إلى طرح ساذج خالى المضمون، تجاهلت حجاب استغلال موسيقى بيزيه وقدمت العمل فى طرح لا يليق به سواء على المستوى الفنى الذى قدم عليه من حركة وسرد حوارى لأبطاله على المسرح أو محاولة إلباسه قالب فضيلة الدعوة للتحرر بإعتبار كارمن رمزا لحرية الجسد «العاري» وإن كانت هى شخصيا رافضة لهذه الحرية عندما رفضت التحرر بالحب من عبودية الشهوة وسلطة الذكور عليها لذلك أخطأت ريم مرتين الأولى فى المعالجة الفنية الضعيفة لأحد الأعمال الأوبرالية الخالدة والذى كان من الممكن استغلاله مسرحيا وموسيقيا واستعراضيا بشكل أكبر وأكثر جودة وثراء مما جاء عليه، وفى المرة الثانية عندما ربطت بين جموح كارمن وإعتبار خيانتها والسير وراء شهواتها فضيلة ونموذج يحتذى به فى المطالبة بالتحرر من القيود فكان الأولى عرضها كما كتبها وألفها «بيزيه» وكفى؛ للخروج من فخ التأويل الذى يحمل أكثر من وجه والذى قد لا يكون فى صالح العمل أو فى صالح نواياها الحسنة لتقديم رغبة سامية؛ حيث بدا وكأنه دعوة لحياة كارمن العشوائية البوهيمية ونبذ لدعوة الحب فهى من دعت للفوضى وحبيبها من دعا إلى السكن والاستقرار؛ خاصة وأن مؤلفها فى الأصل كتبها للإطلاع على جانب من حياة الغجر المهمشين والمضطهدين فى المجتمع الذى أدى بهم الحال لهذه الحياة العشوائية المجردة من سلطة القانون والأخلاق؛ بجانب معركة حبيبها وإصراره على الإنتصار للحب حتى لو انتهى به الأمر لخسارة كل شيء بقتلها؛ ففى النهاية هناك أزمة حقيقة فى توظيف حكاية «كارمن» وشخصيتها بالأعمال المسرحية المصرية وللمرة الثانية تتناول مخرجة «كارمن» وتضعها فى إطار فكرى وفلسفى أبعد ما يكون عن طبيعتها الدرامية، الأولى فى عرض «أنا كارمن» تأليف وتمثيل وإخراج سما إبراهيم والمرة الثانية فى «كارمن» ريم حجاب على مسرح الهناجر قدمتها برؤية ضبابية مشوشة..!
شارك فى بطولة العرض أحمد مرعى، إيمان ثابت، رانيا زهرة، أحمد عادل، أدهم شكر، سلمى طارق، مارينا مجدى، حسين الشافعى، محمد جاد، مريم منصور، منى أبو ضيف، محمد سورى، محمد غزاوى، نور هاشم، محمد محمود.