مجلس البهجة
عبد الله كمال
بغض النظر عن عديد من الملاحظات التي يمكن أن أسجلها علي مضمون برنامج (البيت بيتك).. إلا أنه لا يمكن تغافل أن هذا البرنامج المصري الأشهر قد تصدر جميع استطلاعات الرأي في خلال السنوات الأربع الأخيرة.. فارقًا عن بقية البرامج اليومية في مختلف المحطات المصرية بعدد هائل من النقاط.
لقد بدأ هذا البرنامج فنيًا اجتماعيًا.. قبل أن يتحول إلي مزيج من التنوع الموجه أساسًا إلي الملفات العامة والسياسية.. واستطاع أن يعبر الفترة الانتقالية بين الوزير ممدوح البلتاجي والوزير أنس الفقي.. ثم عبر أيضًا سقوط الشريك الإعلاني في البرنامج إيهاب طلعت في قضية فساد لم تنته بعد.. ولا أعتقد أنها سوف تسوي قريبًا فسمعته في سوق الإعلام تسبقه.. والمبالغ المطلوب منه سدادها كبيرة ولا يمكن تجاوزها.. وهي تخص عدة جهات وليس جهة واحدة.
حافظ البرنامج علي مكانته الجماهيرية.. علي الرغم من أنه يبث من منبر رسمي.. في ظل حملة منظمة ضد كل ما هو إعلامي رسمي.. وأصبح قبلة الوزراء.. وصناع القرار.. واستطاع أن يبقي برنامجًا للطبقة الوسطي.. لا هو مقتصرًا علي النخبة.. ولا هو يميل إلي إحداث تهييج منهجي كما هو حال برامج أخري.. وأظهرت استطلاعات الرأي التي أجراها مركز الدراسات الوطنية ومركز معلومات مجلس الوزراء تخطيه خمسة برامج أخري علي الأقل بصفة مستمرة.
هذا بالطبع لا ينفي أن البرنامج فيه عيب جوهري.. يكمن في مذيعه محمود سعد.. الذي يعتقد أنه زعيم معارض.. وأن عليه أن يبدو مستقلاً.. وأنه يمكنه أن يستغل منبرًا قوميا لصالح أهدافه السياسية المستحدثة.. فقد تحول إلي مذيع مسيس علي كبر.. ولما تعددت الانتقادات له باعتباره مذيعًا غير مثقف.. وغير مؤهل للقضايا العامة.. لأن تخصصه الأصلي هو الحوار مع الفنانات.. كان أن أدخل نفسه في حالة عنادٍ مستمرة حتي اليوم، مؤداها أنه يستطيع أن يخوض في غمار القضايا العامة.. علي الرغم من أننا علي يقين أنه لا يعرف عمليًا الأبعاد الجغرافية للبلد الذي يتكلم في شئونه.
ولست أدري لماذا لا يترك التليفزيون محمود سعد يذهب إلي أي قناة أخري.. وقد حاول هو مرارًا.. وقدم نفسه ولم يسع إليه أحد.. وهناك عشرات البدائل له.. وبما في ذلك مذيعا البرنامج الآخران: تامر أمين وخيري رمضان.. لا سيما أن وجوده قد يدفعهما إلي اتباع صيغة يفرضها من جانبه.. خاصة أنه لو ذهب إلي أي قناة أخري سوف يعرف الفرق بين قناة أرضية رسمية وبين قناة فضائية خاصة.
عمومًا، حميمية وجماهيرية "البيت بيتك" لابد أن تجد جميع الفرص للحفاظ عليها.. لا سيما أن العام المقبل سوف يشهد تطاحنات إعلامية مختلفة لأسباب مفهومة سياسيًا واجتماعيًا.. وصيغة البرنامج الحالية باستثناء المذيع المعارض المساند لحزب الله أي محمود سعد.. هي صيغة ناجحة.. يقودها رئيس تحرير البرنامج الزميل والصديق محمد هاني مدير تحرير "روزاليوسف" بكفاءة عالية.. منذ وضع بصمة تليفزيونية خاصة اكتسبت تميزها بالتراكم والتطوير.. وحسنًا فعل حين رفض أن يترك البرنامج لكي يكون رئيسًا لقناة "البلد" التي لم يبثها بعد محمد أبوالعينين.. رغم إغراء العرض الذي تلقاه.
"البيت بيتك" وفق هذا هو عمل إعلامي مميز.. صحيح أنني عانيت منه شخصيًا.. حين استخدمه محمود سعد للهجوم الشخصي ضدي.. بل ولم اظهر فيه لمدة عام كامل.. حتي استضافني قبل نحو شهر مع تامر أمين.. ولكن هذه المسائل الفردية لا تصلح مبررًا للحكم الموضوعي علي الأمور.. وهو برنامج علامة.. "براند".. ينبغي أن تترسخ.. ولا تنفرط.. ولا أعتقد أن الوزير أنس الفقي يمكن أن يسمح بإهدار هذا المكون المميز ذي الثقة.. بأفكار مختلفة لابد أنها عُرضت عليه مرارًا.. وهو رأس حربته في مواجهة ركام من البث اليومي للأفكار العابثة في عديد من المحطات.
الصيغة الحالية للبرنامج هي من جانب آخر تعبير ناجح وفريد عن مزيج من التحرر.. والحرية.. باعتباره برنامجًا خاصًا.. في قناة رسمية.. يعطي أهمية أساسية لكونه برنامجًا قوميا.. رغم بعض الهنات.. فإذا ما عالج البرنامج ثغرته المزمنة المتمثلة في المذيع محمود سعد سيكون عملاً أقوي وأكثر تماسكًا ونضجًا.
الموقع الإليكتروني www.abkamal.net
البريد الإليكتروني [email protected]