الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

«كأس الأمم» تفتح باب الود وتطوى صفحة الخلافات بين الأشقاء فى القارة السمراء

«كأس الأمم» تفتح باب الود وتطوى صفحة الخلافات بين الأشقاء فى القارة السمراء
«كأس الأمم» تفتح باب الود وتطوى صفحة الخلافات بين الأشقاء فى القارة السمراء




قد تكون كلمة «أعداء» فى الرياضة غير مقبولة، وحال استخدامها فتكون على شكل مخفف وأكثر بساطة مثل متنافسين أو خصوم، لكنها فى السياسة مقبولة بل وتزيد فى حدة معنها إلى ما هو أبعد من ذلك بكثير، فكرة القدم ليست مجالاً للتنافس الرياضى الصرف فقط، بل قد تتأثر كذلك بأحداث سياسية، خاصةً عندما يتعلق الأمر بالمنتخبات، وتعطى النسخة الحالية من كأس الأمم الأفريقية فى مصر رقم «32» أمثلة كبيرة لهذا التداخل، ففى الوقت الذى تؤكد فيه الاتحادات الرياضية ضرورة فصل تام بين السياسة والرياضة، يقتنع المتتبعون أن الجانبين يتداخلان أكثر من مرة، سواء بشكل مباشر، وهو أمر قليل الحدوث، وبشكل غير مباشر، وهو ما يحدث بكثرة، خاصة عندما يتعلق الأمر بنزال رياضى بين دولتين متنازعتين.
وشهد كأس إفريقيا إحدى المناسبات التى تجمع منتخبات تمثل دولاً جمعتها أو تجمعها حالياً نزاعات، وهذه النزاعات هى حدودية بالأساس، بينما يعود بعضها إلى الاختيارات السياسية فى قضايا معينة، وكثيراً ما تحولت هذه النزاعات إلى حروب دموية، حاولت الكرة أن تخفف من وقعها، وأن تحاول خلق مجال للتنافس الشريف المبنى على الروح الرياضية بدل الاحتكام إلى لغة السلاح، حيث التقت الكاميرون ونيجيريا فى دور الـ16 أو ثمن النهائى خلال هذه الكأس، إذ يعد المنتخبان من أقوى منتخبات القارة السمراء، لكنهما تواجها سابقاً فى حرب دامية خلفت عددا من القتلى على شبه جزيرة باكاسى فى خليج غينيا، شأنه شأن كل النزاعات الحدودية، يرجع الخلاف بينهما إلى العهد الاستعماري، لكن المواجهة احتدمت بينهما بدءا من العام1981، كما وقعت معارك مسلحة بين الطرفين فى الأعوام الموالية بعد اتهامات متبادلة بانتهاك السيادة على شبه الجزيرة، وعرضت القضية على محكمة العدل الدولية بطلب من الكاميرون، وبعد سنوات انتظار، أصدرت المحكمة قرارها الشهير العام 2002 بأن باكاسى تعود للكاميرون، بناءً على اتفاق بين ألمانيا وبريطانيا الاستعماريتين العام 1913، اعترضت نيجيريا على القرار، لكنها سلمت شبه الجزيرة العام 2008 فى عملية دامت سنتين برعاية الأمم المتحدة، شابتها أحداث عنيفة بدأتها مجموعات نيجيرية مسلحة رفضت الاتفاق.
بعد دماء بين جنوب إفريقيا وناميبيا، التقى المنتخبان فى الدور الأول، وذكرت مواجهتهما ما حدث بينهما من معارك دامية عندما كانت الأولى تحت استعمار الثانية، وعُرفت الحرب بين الطرفين باسم «حرب حدود إفريقيا الجنوبية»، وقد كانت ناميبيا تحمل آنذاك اسم جنوب غرب إفريقيا، وامتدت المواجهة على التراب الناميبى، وكذلك الأنجولي، حيث وقفت أطراف إقليمية وحتى دولية إلى جانب الطرفين فى معارك زادت لهيب الحرب الأهلية الأنجولية، وانتهى النزاع باتفاق وقف إطلاق النار بين جنوب إفريقيا ومنظمة «سوابو» وهى منظمة شعب جنوب غرب إفريقيا العام 1998 فى نيويورك تحت رعاية مجلس الأمن، ثم نظمت انتخابات لتقرير مصير ناميبيا، أدت إلى إعلان الاستقلال العام1990، قبل أن تعود مدينة ولفس بى الاستراتيجية إلى ناميبيا العام1994، لكن مع ذلك، لا يزال التوتر بين الجانبين حاضراً بسبب خلاف على الحدود، وتحديداً فى نهر أورانج الذى يمر على عدة دول فى جنوب القارة، وهو خلاف يعود فى الأصل إلى عهد الاستعمار بين بريطانيا وألمانيا.
منى الكثير من المغاربة والجزائريين أنفسهم أن يجمعهم نهائى هذه النسخة قبل أن يتأجل الحلم مرة أخرى، بعد وداع مبكر للمغرب، وأرادوا اللقاء فرصة لمباراة تاريخية بين شعبين متقاربين، عانيا كثيراً من التوتر السياسى بين الدولتين بسبب نزاع «الصحراء الغربية»، وتقف الجزائر إلى جانب البوليساريو، الجبهة الراغبة باستفتاء لتقرير المصير يؤدى إلى انفصال الإقليم عن المغرب، بينما يتشبت هذا الأخير بسيادته على المنطقة ويقترح بدلا عن الاستفتاء حكماً ذاتياً، فقبل اندلاع نزاع الصحراء، تواجه الجانبان فى حرب الرمال العام 1963؛ بسبب الخلاف على الحدود الموروثة عن الاستعمار الفرنسي، ورغم عدم تصادمهما عسكرياً بعد ذلك، تكررت المناوشات اللفظية بينهما، رغم الرسائل البروتوكولية التى يتبادلانها، وأُغلقت الحدود البرية بينهما العام 1994 بقرار جزائرى رداً على فرض المغرب التأشيرة على المواطنين الجزائريين، ما أدى إلى انفصال الكثير من العائلات على الحدود، حيث تضاعفت المعاناة مؤخراً بتشييد سياجات عازلة.
كما أقصى المنتخب الكينى فى دور المجموعات، ثم أقصى الأوغندى فى الدور الثاني، وبالتالى تفاديا إمكانية مواجهة مباشرة بينهما، قد تجعل جماهيرهما تستعيد ما حدث من نزاع بين الدولتين على خلفية جزيرة ميغينغو، التى لا تتجاوز مساحتها ألفى متر مربع، ويسكنها حوالى 500 نسمة من الجانبين، تصفها الكثير من التقارير بصخرة وسط الماء، ولا تتوفر بها سوى مركزين للشرطتين الأوغندية والكينية، حيث بدأت فصول النزاع فى التسعينيات عندما نشرت أوغندا قواتها الأمنية فى الجزيرة بحجة حماية الصيادين من القراصنة وبدأت فى فرض ضرائب عليهم، قبل أن تتهمم بالصيد فى مياهها الإقليمية، لترسل كينيا هى الأخرى قواتها، وتوصل البلدان العام 2016 إلى خلق لجنة مشتركة لتأكيد الحدود البحرية بينهما، غير أنهما لم يصلا إلى اتفاق نهائي، ولا تزال الجزيرة حاليا تحت إدارتهما، ما يكرر المناوشات اللفظية بينهما، دون أن يصل الأمر إلى مواجهة عسكرية، فى انتظار التطورات السياسية والعسكرية بعد انتهاء حالة الود الكروى فى القاهرة.
علاقة الكرة بالأزمات السياسية ممتدة عالميا، فعندما سحبت قرعة مجموعات كأس العالم 1998 بفرنسا، ووقع المنتخبان الإيرانى والأمريكى فى مجموعة واحدة أطلق رئيس الاتحاد الأمريكى لكرة القدم عليها لقب «أم المباريات»؛ بسبب الوضع السياسى المتوتر بين الدولتين منذ الثورة الإسلامية فى إيران العام 1979 وإلى يومنا هذا، مباراتهما بكأس العالم 98 كانت محط أنظار وترقب، رغم أن المنتخبين لم يكونا من القوى الكبرى بالبطولة، لكنها كانت مباراة سياسية أكثر منها رياضية،