الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

رفعنا العلم




مبروك.
وسوف نوفق يوم الأربعاء في الخرطوم بإذن الله.

ولابد أنك توقفت أمام كثير من الظواهر التي شاهدتها في مصر خلال الأيام الأخيرة.. أنا انشغلت كما لاشك أيضا أنك انشغلت، بأن المصريين احتفلوا بالمباراة قبل أن تقام وقبل أن يحرز عمرو زكي وعماد متعب هدفيهما.. ولا أعتقد أن لهذا الذي جري علاقة كاملة بتأثير وسائل الإعلام.. هناك ما هو أبعد بكثير.. لكن علماءنا يعانون من حالة كسل ويتكبرون علي مثل هذه المواقف التي يجب أن تخضع لبحثهم العلمي.

في عام 2006 انفجرت في مصر مشاعر رهيبة بعد أن فزنا بكأس أفريقيا.. ثم انفجرت مجدداً بعد أن حققنا الفوز التالي في 2008 .. وثالثاً بعد العروض المشرفة في كأس العالم للقارات في جنوب أفريقيا في 2009 .. وها هي مشاعر مماثلة تنفجر تلك المرة قبل وبعد المباراة التي يتم علي أساسها تحديد الفريق الصاعد إلي نهائيات كأس العالم.. ولا أعرف ماذا تنتظر جهات البحث في مصر أكثر من ذلك لكي تقول لنا ماذا يحدث بين الناس.

ولنقتنص من بين كل ما جري خلال الأيام الأخيرة أمراً جوهرياً جداً.. ظاهرة بيع وشراء الأعلام المصرية.. وتعليقها علي البيوت والسيارات ورفعها في الشوارع.. قبل المباراة ببضعة أيام.. لا توجد إشارة مرور في العاصمة لا يقف فيها بائع أعلام.. لا يمكن أن تشيح بنظرك في أي اتجاه دون أن تري العلم في مكان قريب.. يرفرف.. أو مطبوعاً علي جدار.. أو معلقاً فوق نافذة.. وفي المدرجات ظلت الأعلام ترفرف.. وفي بعض اللحظات أفردتها الجماهير في توقيت متزامن.

هذه مسألة تشغلني.. كما تشغل الكثيرين لأن العلم رمز قومي.. موحد.. وقد كتبت مراراً حول ضرورة ترسيخه في قلوب وعقول الأجيال.. وضربت أمثلة متنوعة بما يحدث في دول مختلفة.. سواء تعلق الأمر بمباراة كرة أو غيرها.

ومن بين مقومات هذه الظاهرة لابد أن نقف عند سؤال مهم: من الذي يبيع هذه الأعلام.. ومن يصنعها.. ويوزعها؟.. صدق أو لا تصدق: أطفال الشوارع.. الذين لم يذهبوا إلي المدارس.. ولم يتعلموا ولم يعرفوا القيمة الرمزية لألوان العلم.. وبين البائعين مسجلون خطر.. وبينهم عدد كبير من الفقراء في السيدة عائشة ومقابر الدراسة ومصر القديمة واسطبل عنتر.

وقد يقول أحدهم إن ذلك أمر لا يثير الدهشة.. البائعون والمصنعون انتبهوا إلي مشاعر الناس.. ويبيعون لهم ما يلبي احتياجهم في هذه اللحظة.. بغض النظر عن مضمون الأمر.. هذا جائز.. ولكنه لافت.. ويجب أن ننتبه له.. ولو كانت بيننا جهات بحث محترمة لأجرت استطلاع رأي بين الأطفال البائعين وسألتهم ماذا يفعلون.. وما معناه لهم.. ومن ثم يمكن أن نستوحي معاني مهمة مفيدة في موضوعات أخري.

لاحظ هنا أن الجهة الأولي المنوط بها تعليم الناس حب العلم وألوانه ونسره لم تفعل شيئاً خلال تلك الأيام.. أي المدارس.. وهي منشغلة تماماً بموضوع أنفلونزا الخنازير.. وحتي حين لا تكون معنية بمشكلة عدوي من هذا النوع فإنها لا تولي أمر العلم الكثير من الاهتمام.. رغم أن التلميذ يجب أن يقف في الطابور كل صباح ويهتف: تحيا جمهورية مصر العربية.. وهو هتاف لم يعد كثير من أبنائنا يسمعونه.

العلم كان موجودا خلال الأيام الماضية في الشوارع.. وفي يد أبناء كل الطبقات.. ومرسوما علي وجوه من يرفعون أحيانا الصليب.. ومن يرفعون أحيانا المصحف.. لا هذا فعل.. ولا ذاك لجأ إلي عادته الطائفية.. توحد الجميع.. ما يعني أن الطائفية في البلد عارضة.. وليست يقيناً داخل نفوس الناس.. والوحدة مقوم ثابت بيننا.. ولكن قيمها تحتاج إلي من ينفض عنها الغبار.. وأن يجلوها ويكشفها ويجعلها ظاهرة في كل وقت.

إن اللجوء إلي العلم في مثل هذه المناسبات المتكررة هو رسالة لابد من الإصغاء إليها.. وتلقيها بكل ترحاب.. والتعامل معها بما يجب.. تعليمياً وإعلامياً وثقافياً ودينياً.. إنه لجوء إلي مصر من قبل كل المصريين.. وهو أمر يتجاوز موضوع المباراة.. رغم أننا سعدنا جدًا بما أسفرت عنه من فوز غال.. حتي لو تأجل الحلم.


الموقع الإليكتروني: www.abkamal.net
البريد الإليكتروني: [email protected]