الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

النسر لا ينام




أختلف في كثير من الأحيان مع عدد من زملائي رسامي الكاريكاتير‮.. ‬أو الفنانين الذين‮ ‬يقومون بتصميم الأغلفة ولوحات الجرافيك‮.. ‬حين‮ ‬يتطرقون بخيالهم الإبداعي إلي رموز مصرية عريقة‮.. ‬فتكون محلاً‮ ‬للسخرية‮.. ‬ومثارًا للتشويه‮.. ‬وعلي أي حال فإن الاختلاف لم‮ ‬يبق كثيرًا‮.. ‬إذ اتفقنا علي أن نخرج من دوائر الانتقاد كل ما‮ ‬يشير إلي البلد‮.. ‬بمعناه الشامل أو حتي المجتزئ‮.‬

هكذا تقبلوا مني أن نبقي العلم المصري بما له من قيمة خارج ألعاب السخرية‮.. ‬ونسر العلم‮.. ‬والهرم‮.. ‬والجنيه‮.. ‬بينما مساحات الانتقاد متاحة بأفق مهول أمامهم في كل المجالات‮.

‬ تذكرت هذا بالأمس وأنا أقرأ مقالاً‮ ‬أدهشني عنوانه في إحدي الصحف الخاصة بعنوان‮:

"‬أيها النسر‮.. ‬حان وقت النوم‮".. ‬وزاد من انتباهي له هو أنني تطرقت إلي موضوع نفس المقال في مقالي بالأمس‮.. ‬حول ظاهرة التفاف المصريين حول العلم‮.. ‬التي انفجرت بالتزامن مع تفجر مشاعر الوطنية حول مباراة مصر والجزائر‮.. ‬وهي مسألة تطرق لها أيضًا بطريقة أخري زميلي وصديقي الأستاذ محمد علي إبراهيم رئيس تحرير الجمهورية في مقاله أمس‮.. ‬بدوره‮.‬

المسألة جديرة بالتوقف‮.. ‬والظاهرة تستدعي التساؤلات‮.. ‬وتستوجب التحليل من كل الاتجاهات‮.. ‬ولهذا فرضت نفسها علي ثلاثة كتاب في‮ ‬يوم واحد‮.. ‬وقد طالبت أمس بأن‮ ‬يخضعها العلماء للتحليل‮.. ‬فهي أكبر من مجرد مقال عابر‮.. ‬ولكن ما‮ ‬يدفعني إليها اليوم مجددًا هو أنني أريد أن أعترض علي المعني الذي ردده مقال الصحيفة الخاصة‮.. ‬وأدينه‮.. ‬فنسر العلم لا‮ ‬ينام‮.‬

إن هؤلاء الذين راحوا‮ ‬ينظمون الحملات ـ التي تبين فيما بعد أنها مسروقة من صحف أخري ـ لكي‮ ‬يتم تقديم وردة لكل لاعب جزائري‮ ‬يصل إلي مصر‮.. ‬بناء علي توصيات مستثمر مصري في الجزائر‮.. ‬يملك أسهمًا في الجريدة التي نشرت المقال‮.. ‬ليس عليهم أن‮ ‬يسخروا من نسر العلم باعتباره رمزًا قوميا‮.. ‬أو‮ ‬يفشلوا في التعبير عن المعاني الواجبة لضعف القدرة‮.. ‬وانعدام الإمكانية‮.. ‬حين‮ ‬يتكلمون عن‮ (‬علم البلد‮).‬

أقول هذا خصوصًا إذا كانوا هم وأساليبهم المهنية المهترئة والمتهتكة هي أحد أسباب كمون المشاعر الوطنية للناس‮.. ‬طالما كانوا في كل‮ ‬يوم‮ ‬يحاولون تعميق الهوة بين المواطن وبلده‮.. ‬فلا‮ ‬يستطيعون أن‮ ‬يفرقوا بين ما هو خلاف سياسي مع الإدارة وبين ما هو اتصال بالوطن لا‮ ‬يمكن قطعه‮.. ‬وانتماء لا‮ ‬يمكن فصمه‮.‬

والخلاف بين منهج تناولي لمسألة العلم والالتفاف حوله وتناول تلك الجريدة بين وبنيوي‮.. ‬فأساس منهجنا أن العلم موجود لا‮ ‬يمكن نفيه‮.. ‬نسره‮ ‬يقظ لا‮ ‬يمكن مطالبته بالسبات‮.. ‬وقيمة رمزيته لم تنشأ في لحظة ولكنها تفجرت‮.. ‬والتوحد خلفه وتحته لم‮ ‬يضع ولكنه انكشف‮.. ‬وإننا نطالب باستثمار اللحظة التي ظهر فيها كل هذا وتبين أنه موجود‮.. ‬وليس أن ندعو النسر إلي أن‮ ‬ينام‮.‬

إن العبارات الجميلة والجديدة قد تكون جذابة‮.. ‬وقد تمارس إغواءً‮ ‬بحيث‮ ‬يسقط في إغرائها من‮ ‬يمارس مهنة توجيه الرأي العام‮.. ‬وقيادة التوجهات‮.. ‬ولكن الفرق هو أن هناك من‮ ‬يفكر فيما‮ ‬يكتب ويقدر قيمته‮.. ‬ومن لا‮ ‬يفكر فيما‮ ‬يخط بيده أو‮ ‬يخط له‮.. ‬ولا‮ ‬يعرف ما هي تأثيرات فعل الكتابة‮.. ‬فيتحول إلي‮ ‬غوي مغوي‮ ‬يغوي دون أن‮ ‬يدري‮.. ‬كما أن الفرق هو أن لدي البعض شحًا وفقرًا‮ ‬يدفعهم إلي الإمساك بما‮ ‬يهبط علي رءوسهم أو تملأ به أحبار أقلامهم‮.. ‬فلا‮ ‬يفوتونه حتي ولو كان مؤذيًا ومشوهًا لقيم ورموز الوطنية‮.‬

لقد وضع النسر في قلب العلم باختيار مجتمعي وقومي ووطني جماعي لكي‮ ‬يبقي رمزًا لا‮ ‬يهان‮.. ‬والجمهور الذي‮ ‬يعبر عنه هذا النسر تاريخيًا وقيميًا ومعنويًا تعرض للإهانة حين دعي نسره هذا إلي أن‮ ‬ينام‮.. ‬وهذه كلمة واجبة لتعليم من لا‮ ‬يستطيع أن‮ ‬يقدر قيمة اللغة‮.. ‬وأهمية الكتابة‮.. ‬وتأثير الصحافة‮.. ‬وأيضًا تأكيد من جانبنا لاحترامنا للنسر‮.. ‬ففي مصر جماعات محظورة وأقلام تائهة ضائعة منعدمة الإمكانية لا تريد للنسر أن‮ ‬يكون موجودًا من الأصل‮.

الموقع الإليكترونى: ‬ www.abkamal.net
البريد الإليكترونى:   [email protected]