النسر لا ينام
عبد الله كمال
أختلف في كثير من الأحيان مع عدد من زملائي رسامي الكاريكاتير.. أو الفنانين الذين يقومون بتصميم الأغلفة ولوحات الجرافيك.. حين يتطرقون بخيالهم الإبداعي إلي رموز مصرية عريقة.. فتكون محلاً للسخرية.. ومثارًا للتشويه.. وعلي أي حال فإن الاختلاف لم يبق كثيرًا.. إذ اتفقنا علي أن نخرج من دوائر الانتقاد كل ما يشير إلي البلد.. بمعناه الشامل أو حتي المجتزئ.
هكذا تقبلوا مني أن نبقي العلم المصري بما له من قيمة خارج ألعاب السخرية.. ونسر العلم.. والهرم.. والجنيه.. بينما مساحات الانتقاد متاحة بأفق مهول أمامهم في كل المجالات.
تذكرت هذا بالأمس وأنا أقرأ مقالاً أدهشني عنوانه في إحدي الصحف الخاصة بعنوان:
"أيها النسر.. حان وقت النوم".. وزاد من انتباهي له هو أنني تطرقت إلي موضوع نفس المقال في مقالي بالأمس.. حول ظاهرة التفاف المصريين حول العلم.. التي انفجرت بالتزامن مع تفجر مشاعر الوطنية حول مباراة مصر والجزائر.. وهي مسألة تطرق لها أيضًا بطريقة أخري زميلي وصديقي الأستاذ محمد علي إبراهيم رئيس تحرير الجمهورية في مقاله أمس.. بدوره.
المسألة جديرة بالتوقف.. والظاهرة تستدعي التساؤلات.. وتستوجب التحليل من كل الاتجاهات.. ولهذا فرضت نفسها علي ثلاثة كتاب في يوم واحد.. وقد طالبت أمس بأن يخضعها العلماء للتحليل.. فهي أكبر من مجرد مقال عابر.. ولكن ما يدفعني إليها اليوم مجددًا هو أنني أريد أن أعترض علي المعني الذي ردده مقال الصحيفة الخاصة.. وأدينه.. فنسر العلم لا ينام.
إن هؤلاء الذين راحوا ينظمون الحملات ـ التي تبين فيما بعد أنها مسروقة من صحف أخري ـ لكي يتم تقديم وردة لكل لاعب جزائري يصل إلي مصر.. بناء علي توصيات مستثمر مصري في الجزائر.. يملك أسهمًا في الجريدة التي نشرت المقال.. ليس عليهم أن يسخروا من نسر العلم باعتباره رمزًا قوميا.. أو يفشلوا في التعبير عن المعاني الواجبة لضعف القدرة.. وانعدام الإمكانية.. حين يتكلمون عن (علم البلد).
أقول هذا خصوصًا إذا كانوا هم وأساليبهم المهنية المهترئة والمتهتكة هي أحد أسباب كمون المشاعر الوطنية للناس.. طالما كانوا في كل يوم يحاولون تعميق الهوة بين المواطن وبلده.. فلا يستطيعون أن يفرقوا بين ما هو خلاف سياسي مع الإدارة وبين ما هو اتصال بالوطن لا يمكن قطعه.. وانتماء لا يمكن فصمه.
والخلاف بين منهج تناولي لمسألة العلم والالتفاف حوله وتناول تلك الجريدة بين وبنيوي.. فأساس منهجنا أن العلم موجود لا يمكن نفيه.. نسره يقظ لا يمكن مطالبته بالسبات.. وقيمة رمزيته لم تنشأ في لحظة ولكنها تفجرت.. والتوحد خلفه وتحته لم يضع ولكنه انكشف.. وإننا نطالب باستثمار اللحظة التي ظهر فيها كل هذا وتبين أنه موجود.. وليس أن ندعو النسر إلي أن ينام.
إن العبارات الجميلة والجديدة قد تكون جذابة.. وقد تمارس إغواءً بحيث يسقط في إغرائها من يمارس مهنة توجيه الرأي العام.. وقيادة التوجهات.. ولكن الفرق هو أن هناك من يفكر فيما يكتب ويقدر قيمته.. ومن لا يفكر فيما يخط بيده أو يخط له.. ولا يعرف ما هي تأثيرات فعل الكتابة.. فيتحول إلي غوي مغوي يغوي دون أن يدري.. كما أن الفرق هو أن لدي البعض شحًا وفقرًا يدفعهم إلي الإمساك بما يهبط علي رءوسهم أو تملأ به أحبار أقلامهم.. فلا يفوتونه حتي ولو كان مؤذيًا ومشوهًا لقيم ورموز الوطنية.
لقد وضع النسر في قلب العلم باختيار مجتمعي وقومي ووطني جماعي لكي يبقي رمزًا لا يهان.. والجمهور الذي يعبر عنه هذا النسر تاريخيًا وقيميًا ومعنويًا تعرض للإهانة حين دعي نسره هذا إلي أن ينام.. وهذه كلمة واجبة لتعليم من لا يستطيع أن يقدر قيمة اللغة.. وأهمية الكتابة.. وتأثير الصحافة.. وأيضًا تأكيد من جانبنا لاحترامنا للنسر.. ففي مصر جماعات محظورة وأقلام تائهة ضائعة منعدمة الإمكانية لا تريد للنسر أن يكون موجودًا من الأصل.
الموقع الإليكترونى: www.abkamal.net
البريد الإليكترونى: [email protected]