انفعال مصطفي بكري
عبد الله كمال
الرجال مواقف. وما يقُبل من المواطن العادي لا يمكن قبوله من السياسي. خصوصًا إذا كان يحمل صفة مزدوجة (صحفي ونائب في مجلس الشعب).. وفي الأوقات العصيبة تتضح القدرة علي إدارة المواقف التي كما قلنا يبين فيها طبيعة ونوع من يخوضونها.
ولابد أنه مرت مواقف كثيرة جدًا انتظر فيها البعض أن يتعرف علي ما سوف يصدر عن النائب مصطفي بكري من اتجاهات.. خصوصًا حين تتعقد الأمور العربية.. لا سيما حين تتقاطع توجهات عربية مع المصالح المصرية.. لكن الوقت يمضي غالباً بدون أن تعرف كيف ومتي وما هي مواقف النائب المعروف بأنه معارض.
وفي ليلة الأربعاء ـ الخميس الماضي.. كان مصطفي بكري من بين أوائل العائدين من الخرطوم.. في رحلات الطيران العائدة من استاد أم درمان.. وكان أن تحدث إلي إحدي محطات التليفزيون صارخًا بأن الإجراءات الأمنية قد تراجعت فور عودة الأستاذين علاء وجمال مبارك إلي القاهرة.. وترك بقية المصريين بلا رعاية.. ولا تأمين.. بينما كانت حقيقة الأمور تقول إن علاء وجمال مبارك مازالا في السودان.. لم يغادراه إلا في وقت متأخر.. نحو خمس ساعات بعد المباراة.. وبالتالي وصلا القاهرة في وقت مبكر من صباح الخميس.
وعاد مصطفي بكري في جريدته "الأسبوع"، عدد أمس، لكي يصوب المعلومات.. ويقول إنهما بقيا هناك.. ووقفا إلي جانب المنتخب.. وساندا الناس.. دون أن يقول إنه يراجع موقفه.. وقال كلاماً من هذا النوع في برنامج علي قناة المحور قبل يومين.. ما يعني أنه عدل موقفه الخاطئ الأول.
لقد انفعل- وعاد عن انفعاله- ولكنه كان قد أصدر حكماً علي الهواء مباشرة بدون أن يستند إلي معلومات دقيقة.. يجب أن تتوافر في الصحفي ولابد أن تتوافر للسياسي قبل أن يقول كلمته. وفي هذه اللحظة التي انفعل فيها بكري.. فإنه أعلن افتقاده لمقومات واجبة في عضو مجلس الشعب.. وكونه تراجع عما قال.. فإن هذا لا ينفي أنه تسرع.. وأن علينا أن نقيم الكثير مما يقول ويفعل في ضوء هذا الذي جري.
المشكلة ليست في أن الأمر تعلق بالأستاذين علاء وجمال مبارك. هما مواطنان في النهاية.. وسافرا إلي السودان مع آلاف المواطنين.. والكل شهود علي ما فعلا. المشكلة في أن الحكم صدر بدون معلومات. والاستثارة صدرت بدون حقائق. والاتهام وُجه إلي الدولة بدون دليل. والعقل تأخر في أن يقيم الأمر من مختلف جوانبه.. وهذا لا يمكن توقعه من سياسي أيًًا ما كان انتماؤه ولا من صحفي أيًا ما كان توجهه.
وفي تصويبه للأمر.. بدون أن يشير إلي ما قال.. فإن الزميل مصطفي بكري لم يُدِنْ سلوك جماهير الجزائر.. ولم يلق بأي عبء علي الدولة التي ترعاهم.. والجيش الذي نقلهم.. والحكومة التي حرضتهم.. ولكنه لم ينس أبدًا أن يدين الحكومة المصرية لأنها-علي حد قوله- لم توفر الحماية اللازمة لهذه الجماهير التي سافرت إلي السودان.
وإذا كانت تلك النقطة تثار كثيرًا في الأيام الأخيرة.. فإن علينا أن ننبه إلي أن مصر قد أرسلت جماهير.. ولم ترسل بلطجية.. وذهبت الجماهير لحضور مباراة وليس للمشاركة في معركة.. ولم يُعرَف من قبل أبدًا أن دولة أرسلت جنودًا لحماية أي جمهور في مباراة كرة.. والدولة في هذا غير ملامة لأن المسئولية علي المضيف.. وليس علي الضيف.
عموما، أما وقد اكتشف النائب المحترم المعلومات الدقيقة دون أن يصارح قارئه بأنه قد صرح بما قال من القاهرة.. وليس من أتون الأحداث في الخرطوم.. فإننا ننتظر منه أن يعلن مواقف بنفس القدر من الصراحة في اتجاه سلوك ومنهج قناة "الجزيرة" القطرية.. علي الأقل في معالجة تلك الأحداث.. وموقفا واضحا من سلوك عملاء حزب الله الذين يحاكمون في مصر.. والأهم أيضًا من سلوك الدولة الجزائرية في هذه المناسبة.. بخلاف أمور أخري عديدة.
الموقع الإليكتروني: www.abkamal.net
البريد الإليكتروني: [email protected]