الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

«بوك تيوب».. ظاهرة شبابية تكتب مستقبل القراءة

«بوك تيوب».. ظاهرة شبابية تكتب مستقبل القراءة
«بوك تيوب».. ظاهرة شبابية تكتب مستقبل القراءة




فى عصر ازدهار وسائل التواصل الاجتماعى ودخول السوشيال ميديا فى العديد من المجالات وأمورنا الحياتية، فأصبحت لاعباً رئيسياً فى يوم الشباب وكبار السن أيضًا، واستطاعت هذه المواقع الدخول فى عقول العديد من فئات المجتمع المختلفة، بل وأثرت فيها بشكل واضح وكبير.
وكانت للثقافة والفنون منصات رئيسية داخل هذا العالم الرقمى، فأصبحت تظهر قنوات متعددة تتحدث عن الأدب والثقافة وبدأت تظهر قنوات أطلق عليها «البوكتيوب» وهى منصات رقمية يقدمها شباب لعرض فيديوهات عن الكتب مع عرض موجز عن أحداث الكتاب والأحسن والأسوأ فيه.
ليس هذا فقط ولكن أصبح  لأصحاب هذه المنصات أو كما يطلق عليهم الـ«بوكتيوبيرز» يقيمون العديد من الفعاليات والمناقشات والمسابقات الثقافية لتحفيز متابعيهم على القراءة ومنها «ماراثون البوكتيوب» وهو بمثابة تحدٍ لمدة أسبوع  فى نهاية شهر يوليو من كل عام، كان أول من بدأ الفكرة يوتيوبر كندى  فى عام 2014 للتشجيع على سرعة القراءة، وسرعان ما انتشرت فكرة الماراثون بين مجتمع محبى القراءة فى أمريكا وأوروبا بقوانين وتوقيتات مختلفة، كما وأخذت بالانتشار على مواقع التواصل الإلكترونى العديد للقيام بتحدٍ عربى مماثل، وكان بدايته العام الماضى بين رواد هذه القنوات.

بداية «البوكتيوب»

نشأة البوكتيوب غير معروفة بشكل دقيق لأن من المحتمل أن تكون قنوات الكتب موجودة بعد أشهر فقط من انطلاق اليوتيوب عام 2005. لكن من المعروف أن البوكتيوب بدأ ينتشر بالتحديد انطلاقًا من عام 2009، هذا بفضل مجهودات قنوات البوكتيوب المتواصلة فى دول عديدة مثل الولايات المتحدة الأمريكية، كندا، أستراليا وبريطانيا وأمريكا الجنوبية.
وفى عام 2012، أزداد عدد قنوات الكتب المتخصصة على موقع الفيديوهات «يوتيوب» وأصبحت هذه القنوات تستقطب الشباب من سن 18 و 30 عامًا، وأخذت فكرة القنوات تزداد فى الدول الغربية وخاصة فى دول أمريكا اللاتينية وأبرزت المناقشات التى تدور فى التعليقات شغفًا بالقراءة والكتب، ولا يتطلب الأمر لإعداد الحلقات أكثر من غرفة مليئة بالكتب ومحتوى بسيط لتقديم الكتاب، ومن هنا بدأت ظاهرات قنوات الـ«بوكتيوب» تنتشر بشكل كبير.
وفى العالم الغربى تركزت قنوات الـ«بوكتيوب» الإنجليزية على روايات الناشئين Young Adult بسبب شهرتها وانتشارها الضخم فى وسائل الإعلام من خلال الأفلام السينمائية والمسلسلات التليفزيونيةـ لكن هناك قنوات تحرص على منح مساحة مهمة للروايات الكلاسيكية، الأدب العالمي، كتب الأطفال، كتب الفيزياء والتاريخ والتنمية الذاتية ومجالات مختلفة أخرى.
ويعتبر البوكتيوب ظاهرة إعلامية فى أمريكا وبريطانيا وفى البلدان الناطقة بالإسبانية، إذ كتبت عنه صحف ومجلات شهيرة مثل «التايمز»، «لوموند» الفرنسية، كما أصبحت الكثير من قنوات البوكتيوب تشارك باستمرار فى مؤثر VidCon منذ عام 2014 ، الذى يعتبر أشهر مؤثمر عالمى لصُناع المحتوى، والذى يعتبر فرصة للتعرف على جمهورهم فى أرض الواقع، هذا بفضل حملات وأنشطة مختلفة قام بها أصحاب قنوات البوكتيوب مثل حملة «BookTube AT VidCon» التى ساهمت فيها قنوات كثيرة وطلبت دعم الجمهور ليصبح للبوكتيوب ندوة نقاشية فى أكبر مؤتمر لصناع الفيديو فى العالم.
كما أصبحت بلدان كثيرة مثل أمريكا وفرنسا وألمانيا، وأخيرًا أبوظبى بدعوة أصحاب هذه القنوات فى معارض الكتاب الدولية والوطنية ومهرجانات القراءة بدعوة أصحاب المدونات الأدبية والثقافية وقنوات البوكتيوب باعتبارهم من بين الفاعلين الثقافيين والمؤثرين فى مجال صناعة الكتاب.

الـ«بوكتيوب» فى العالم العربى

فى عام 2017 فقط شهد مجتمع البوكتيوب العربى افتتاح حوالى 15 قناة عربية من مصر والجزائر وتونس وعمان وغيرها، وتتنوع أنشطتهم بين مراجعات الكتب وجولات فى مكتباتهم الشخصية وتوصيات بقراءة مجموعة كتب ووضع خطط للقراءة وزيارات لمعارض الكتب هذا بالإضافة إلى «ماراثون البوكتيوب» الذى بدأ فى القنوات العربية للمرة الأولى منتصف العام الماضي.
وعلى مستوى العالم العربى هناك عدة قنوات استطاعت أن تجتذب عدد كبير من المتابعين من مختلف الأعمار ومنها قناة Book Hauls التى تقدمها الفلسطينية آية عباسى ويتابعها نحو 67 ألف متابع وهى تتطرق أيضًا لتعلم اللغات والتاريخ وتقدم أفلامًا قصيرة فى مجالات مختلفة، وقناة  Nedal Reads التى يتابعها حوالى 10 آلاف متابع، وقناة   Phage Biblio  التى تقدمها أسماء غرايرى وهى طالبة أدب إنجليزى من تونس يتابعها ثلاثة آلاف قارئ، وقناة Ra of Book للجزائرى ش. عبدالرؤوف التى يتابعها حوالى 2500 متابع.
أما من مصر فهناك عدد من هذه القنوات أشهرها، «دودة الكتب» التى تقدمها المصرية ندى الشبراوى ويتابعها ما يزيد على 22 ألف متابع، وقناة أبو الكتب Aboelkotob التى يديرها شاب أسوانى يبلغ عمره 16 عامًا، ويتابعه حوالى ألفى متابع، وكذلك قناة «الروائي» للكاتب عمرو المعداوي، وقناة «بتاع الكتب» لمحمد شادى وغيرها من القنوات التى تقدم تقريبًا حلقات أسبوعية عن الكتب العربية والمترجمة والأجنبية.

توصيات وآراء الـ «بوكتيوبرز»

وعن رواد هذه القنوات التى استطاعت أن تجذب الآلاف من الشباب، قال الروائى عمرو المعداوى صاحب قناة «الروائي»، لـ«روزاليوسف» أنه فكر فى إنشاء قناته لعدة أسباب أهمها شغفه القوى للقراءة والكتابة، كذلك عدم وجود دليل محترف وحيادى عن الأعمال الجديدة المتواجدة فى المكتبات خاصة وأن الشباب فى سن 18 -30 هم الأكثر فاعلية على الانترنت وهذه الفئة العمرية دائمة ما تبحث عن كل جديد، كان دافع أيضًا لتقديم محتوى مرئى يستطيع أن يجذب الشباب لحب الثقافة والأدب.
وبسؤال المعداوى عن تأثير هذه القنوات على سوق مبيعات الكتب سواء بالإيجاب او بالسلب، أوضح أن التأثير إيجابى بالطبع لأن هذه القنوات بتعرف المشاهد أكثر عن الكتب الحديثة فى السوق وبتدعو فى الأساس للقراءة ، كما أن تنوع القنوات والمقدمين بأذواقهم المختلفة بيتيح للقراء اختيارات أكبر لشراء الكتب والروايات.
أما عن اختياراته للكتب المقدمة فيضيف «المعداوى»، أنه يختار الكتب بناء على ميوله الشخصية لكنه فى الفترة الأخيرة بدأ يعرض روايات بناءًا على طلب المشاهدين أو لأنها فى قوائم جوائز مهمة مثل قائمة البوكر، حيث أنه قدم جميع روايات القائمة القصيرة فى ٦ حلقات مختلفة.
أما محمد شادى صاحب قناة «بتاع الكتب» قال: إنه كان يكتب على صفحته الشخصية بموقع الفيس بوك العديد من التقييمات للكتب التى يقرؤنها، ، وأضاف شادى لـ«روزاليوسف» أنه فكر فى تحويل هذه التقييمات إلى صورة مرئية على الشاشة خاصة وأن الجمهور هذه الأيام يتجه إلى المحتوى المرئى أكثر من المكتوب، وبهذه الطريقة يمكن تقديم ترشيحات للكتب والروايات التى تستحق القراءة للمتابعين بأسلوبه الخاص وهذا يمكن أن يغير فى الذوق العام، لأنه – وفق شادي- يوجد العديد من الكتب والروايات الرائجة ليست جيدة بالمرة وتؤثر على الذوق العام بشكل سلبي.
وبسؤال «بتاع الكتب» عن وجود أى تعاون بينه وبين دور النشر لتقديم مطبوعات بعينها على قناته، أكد أنه لا يوجد تعاون بينه وبين الناشرين، وجميع الكتب التى يقدمها من اختياراته الشخصية، لكنه فى الوقت نفسه لا يمانع اذا عرضت عليه دور النشر تقديم مطبوعاتها «بشرط أنها تكون روايات وكتب تستحق فعلًا».
ويرى شادى أن قنوات الـ«بوكتيوب» لن تكون البديل المرئى للكتب المطبوعة لأن الفكرة الرئيسية لهذه القنوات هو تقديم لمحة عن الكتاب وليس تلخيصه، وأضاف:أن  «البوكتيوب ظاهرة تساعد الناس على القراءة، بتعرفهم على كتب أكثر وتنويعات مختلفة يمكن يكون القارئ لم يتعرض لها سابقًا، وبالتالى هى تشجع القراءة وليست تقللها أو تستبدل القراءة الحقيقية».
أما عن وجود فاعليات تجمع البوكتيوبرز على مستوى العالم العربى بعد انتشار هذه القنوات، قال «بتاع الكتب»، أنه لا يوجد تجمعات رسمية لصناع هذه القنوات، لكن كانت هناك ندوة أقيمت على هامش معرض أبو ظبى الدولى للكتاب العام الماضي، كذلك أقيمت ندوة فى معرض القاهرة الدولى للكتاب 2018، ،الا أنه يوجد أنشطة وفعاليات تقام على مستوى متابعين قنوات الـ«بوكتيوب» مثل مارثون القراءة وغيرها من الأنشطة التى يشارك فيها العديد من المتابعين ورواد هذه القنوات.

«الكتاب» بين سوق النشر والعالم الافتراضى

وفيما يتعلق بتأثير هذه القنوات على سوق الطباعة والنشر او على مبيعات بعض الكتب، قال عماد العادلى مدير دار «الهالة» للطباعة والنشر، أن قنوات الـ«البوكتيوب» بدأت بالفعل فى الانتشار بشكل واضح بين رواد الانترنت وفئة الشباب بشكل خاص، لكن فيما يتعلق بتأثير هذه القنوات على سوق شراء الكتب، فحتى الوقت الراهن لا يوجد تأثير قوى لهذه القنوات على مبيعات الكتب، حيث أن أصحاب المطابع ودور النشر مازال لديهم العديد من الأساليب الأكثر فاعلية وتأثير للدعاية لمطبوعاتهم، لكن من الممكن أن يكون فى المستقبل القريب لهذه القنوات تأثيرها أكبر وأقوي.
من جهة أخرى قال الناقد الدكتور محمود الضبع أستاذ النقد الأدبى الحديث بجامعة السويس، أن تأثير هذه القنوات على الشباب مازال ضعيف وما زال روادها لم يصلوا لمستوى التأثير على مبيعات الكتب، لكن من المؤكد أن دور النشر عندما تدرك أهمية هذه القنوات ستلجأ لهؤلاء الشباب لعمل دعاية عن مطبوعاتهم، حيث إن السوق الثقافية فى وقتنا الحالى المتحكم فيه المادة فقط وليس الجودة مثل سابق.
وأضاف الدكتور الضبع، أن فى العصر الحالى من المتوقع أن تظهر ظواهر جديدة ومؤثرة على عالمنا مثل الـ«البوكتيوب» وغيرها، حيث إننا فى عصر التعددية الفكرية ولا يوجد شكل واحد للكتابة والتأليف او صناعة المحتوى، وبالتالى فإن الثقافة العربية يجب أن تنفتح على هذه التعددية ولا نجعل عقولنا تنغلق على موروثتنا الماضية فى تناول الكتب أو الروايات، بل يجب أن نواكب العصر وأن ندرك تأثير كل ما هو جديد على حياتنا اليومية وعلى فئة الشباب بشكل خاص.