الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

«المتفائل» كوميديا محسوبة بالميزان وموسيقى تطرب الآذان..!

«المتفائل» كوميديا محسوبة بالميزان وموسيقى تطرب الآذان..!
«المتفائل» كوميديا محسوبة بالميزان وموسيقى تطرب الآذان..!




اشتهر المسرح القومى بوقاره الدائم، عادة يشغل كل من تولى إدارته أو إدارة البيت الفنى للمسرح تقديم وانتقاء اعمال تلتزم الرصانة والوقار الشديد فى الكوميديا المقدمة على خشبته، بحيث ألا تتجاوز حدود السخرية البسيطة التى تحمل فى طياتها طيفا من الفلسفة والمعانى التى حملتها رسالة العرض، ليس هناك كوميديا لمجرد إضحاك الجمهور فالكوميديا على القومى محسوبة بدقة ومنتقاة بعناية حتى لا يسقط هذا الصرح العظيم فى هوة القطاع الخاص الاستهلاكى.
هيبة المسرح القومى
لكن مؤخرا سقط القومى فى بعض عروضه هذا السقوط فلم ينشغل صناعها برصانة أو وقار؛ بل فعل كل منهم ما شاء، إلى أن جاء آخر عروضه «المتفائل» بطولة سامح حسين وسهر الصايغ وإخراج إسلام إمام أكثر إلتزما وحرصا؛ ربما خشى المخرج الوقوع فى فخ المقارنة مع الأزمة التى وقعت فيها العروض السابقة وهى تخليها عن هيبة القومى وتقديم أعمال مسرحية تنتصر للكوميديا فى حد ذاتها بغض النظر عن موقع المسرح وقدره؛ وبالتالى كانت النتيجة تراجع المخرج وبطل العرض فى تقديم عمل كوميدى كامل، فلم يستجب النجم سامح حسين إلى إمكانياته ككوميديان ومن ثم أغلق مساحات رمى الإفيهات أو الارتجال إلا فى حدود المتاح والمسموح، وبدا المخرج فى إعداده الجيد للرواية الأشهر «كانديد» لكاتبها فولتير حذر فى صناعة كوميديا أو إفيهات قد تضعه فى مقارنات سابقة أو قد تتسبب له فى إهانة وقار المسرح القومي.
«كانديد»
       «كانديد» أو «المتفائل» كتبها فولتير لانتقاد أوضاع الملكية فى فرنسا وللانتصار لطبقة الشعب الكادحة من خلال شاب يدعى كانديد يعيش فى قصر خاله الأمير معزولا عن الحياة الخارجية ويلقى عادة معاملة أقل داخل القصر لأن والده لم يكن من نسل الأمراء بل كان مجرد رجل عادى وقع فى غرام أخته وتزوجها ثم أنجب كانديد الذى يقع هو الآخر فى حب كوندا ابنة خاله الجميلة لكنه يطرد من القصر على إثر هذا الحب لن يقبل خاله أو زوجته حبه لابنتهما لمجرد أنه ليس من نسل الأمراء ثم تبدأ رحلة هذا الرجل المسكين فى الاحتكاك بالعالم الخارجى خرج إلى الدنيا الواسعة بكل شرورها ليعيش صراعا بين التمسك بمبادئه فى الحياة التى علمها له معلمه المخلص أو الكفر بها من شدة ما واجهه من شرور وحروب وجد نفسه متورطا فيها دون رغبة منه أو ذنب ارتكبه، رحلة طويلة من الألم يخوضها بطل العرض متنقلا بين البلدان حتى يجمعه القدر بحبيبته التى ظن أنها ماتت منذ سنوات طويلة وينتهى العمل بعودتهما وقد تجاوزا سن الأربعين.
آليات صناعة الضحك
  الكثير من العبر والعظات أراد المؤلف تمريرها ضمن هذه الرواية كثيرة التفاصيل والتى استطاع المخرج تكثيفها واختزالها بمهارة شديدة لكن بالطبع لم يستطع معالجة ما حملته من نصائح مباشرة ربما استغلها احيانا لصناعة كوميديا خفيفة سريعة على لسان الأبطال خاصة المعلم عزت زين والبطل سامح حسين، كما ذكرنا من قبل ينفرد المسرح القومى عن مسارح الدولة بوضع معايير وآليات محددة لصناعة الضحك على خشبته؛ لسنا ضد هذه المعايير والآليات الحاكمة لتقاليد المكان خاصة إذا كان البعض كسرها فى أعمال سابقة ولم يلتفت إلى أنه على المسرح القومى أو على مسرح الدولة من الأساس؛ بالإضافة إلى أن طبيعة الكوميديا التى يقدمها النجم سامح حسين راقية غير مبتذلة أو مستهلكة؛ فعادة ما يمتعنا فى أعماله بشكل آخر ومختلف من الكوميديا الإجتماعية التى نحن فى أشد الحاجة إليها سواء على المستوى المسرحى أو التليفزيونى فهذا النوع ليس مخلا أو مضرا بالقومى أو غيره، لذلك تلخصت أزمة العرض الأساسية فى عدم استغلال طاقات سامح حسين الكوميدية بما يكفى وبدا المخرج وسامح نفسه حذرين فى إلقاء الإفيهات ومحددين فى تشكيل وصناعة مواقف كوميدية قوية واكتفيا معا فى اتفاق غير معلن بتقديم كوميديا خفيفة محسوبة بالميزان قد تجذب وتداعب الأطفال أكثر من الكبار، فهو عمل كوميدى هادئ «لطيف» ارتفعت فيه نسبة الحذر أكثر من الانطلاق.
موسيقى غير تقليدية
 بينما فى المقابل انطلق العمل مانحا دروسا فى تقديم اشكال أخرى من الفن المسرحى أولا تقديم عرض غنائى استعراضى كبير يليق بالمسرح القومي؛ صنع موسيقاه المايسترو هشام جبر وكتب أشعاره طارق على ألف جبر موسيقى غير تقليدية أو غير معتادة بالعروض المسرحية؛ موسيقى أقرب إلى الألبومات الغنائية وبالتالى نسبة المتعة كانت مضاعفة، فقدم ألحان الأغانى وكأنه قرر تأليف ألبوم غنائى للفنان «على الحجار» ونجح فى ربط الجمهور بسماع الموسيقى والغناء ومشاهدة الاستعراضات التى اتقن تصميمها ضياء شفيق فهذه الأركان التى قد تعتبر ثانوية فى معظم العروض نجح إمام فى جعلها تفاصيل واركان اساسية باختيار أمهر الفنانين اصحاب هذه الصنعة فى تقديم توليفة غنائية موسيقية استعراضية ممتعة ومتقنة الصنع.
فن تحريك الديكور
 لم تقتصر مفاجأة العمل على الاهتمام بتفاصيل بطانته الداخلية من عناصر الموسيقى والغناء والاستعراض لكن اهتم أيضا بشكله الخارجى وهما عنصرا الملابس والديكور اللذان قدمهما بتكنيك جديد ومختلف فى فن تحريكه على المسرح أمام الجمهور، قد يصبح منهجا فيما بعد فى شكل وتصميم ديكورات العروض المسرحية المقبلة ففى هذا العرض صمم المهندس حازم شبل 8 مشاهد مختلفة ومتنوعة أولها كان مشهد القصر ثم مشهد خروج سامح حسين أو «كانديد» من بوابات القصر بعد طرده فى مشهد بديع قدمه المخرج مع مصمم الديكور أثناء رحلة انتقال كانديد وسيره بين هذه البوابات وسلاسة ونعومة تحريكها على المسرح حتى أنك لن تلحظ محركيها واستمر على هذا النهج طوال العرض فى تحريك قطع الديكور الضخمة الثقيلة كاملة أمام الجمهور بسهولة ويسر واحتراف شديد تغيرت مناظر العرض بسرعة مشهد يلى الآخر وكأنهم يعرضون صورا متنوعة على شاشة «slideshow» مستخدما كل إمكانيات المسرح من الداخل وبالطبع اضفت الملابس للقديرة نعيمة عجمى المزيد من الثراء والتنوع على العمل لتكتمل بها الصورة المسرحية البديعة التى اتقن وتفرد فى صناعتها إسلام إمام مع كتبيته من المبدعين.
      قيمة الرقى والإبداع
 تمتع الممثلون جميعا بحالة شديدة من الانسجام خاصة سهر الصايغ وسامح حسين قدما الإثنان دويتو فنى غير متكرر كثيرا فى الطاقة والأداء ومرونة الحركة وخفة الظل والروح على المسرح وكانت سهر مفاجأة كبيرة فى حضورها الطاغى خاصة فى الفصل الثانى وكذلك الفنان عزت زين فى دور المعلم الذى اتقن صناعته بين الجد والهزل فى إلقاء الحكم ثم السخرية منها والفنان يوسف اسماعيل فى دور الأمير المغرور قدمه بنعومة وسخرية تحمل قدرا من الهزل؛ والفنانة سوسن ربيع ثم أمجد الحجار فى دور البحار الذى لقى استحسانا كبيرا من الجمهور وزكريا معروف فى دور الجندى البلغارى تمتع معروف بخفة ظل ومهارة رغم صغر حجم دوره بالعرض وشاركه نفس الحضور تامر الكاشف ومصطفى سامى وذلك رغم إعتماد مصطفى على أدائه الغنائى الرصين فى صناعة الكوميديا إلا أنه استطاع تقديم نفسه من زاوية أخرى وأحمد سمير وطارق راغب؛ بالطبع لابد أن تسيطر عليك مشاعر البهجة عندما تجد عملا يحمل هذا القدر والقيمة من الإبداع والرقى والدقة الشديدة فى إختيار عناصره لكن فى كل عرض لابد أن تجد شيئا آخر جديدا باعثا على الدهشة تمثلت هذه الدهشة فى إعادة إكتشاف موهبة آيات مجدى فى دور ملكة جزيرة الذهب لم يتوقف عنصر المفاجأة عند الشكل والتصميم الخارجى للشخصية الذى صنعته نعيمة عجمى بحرفتها المعهودة بينما اضف إلى ذلك أداء آيات الذى كان مفاجأة كبيرة فى التمثيل والغناء، حيث مزجت فيه بين الطرب والأداء الأوبرالى خطفت بهيئتها وأدائها أنظار واسماع الجمهور، وتركت بصمة كبيرة من ظهور قصير..!