الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

الشاعر السورى عبد الرزاق الدرباس: الكتابة للطفل أصعب أنواع الكتابة والمنفى مدرسة نتعلم منها

الشاعر السورى عبد الرزاق الدرباس: الكتابة للطفل أصعب أنواع الكتابة  والمنفى مدرسة نتعلم منها
الشاعر السورى عبد الرزاق الدرباس: الكتابة للطفل أصعب أنواع الكتابة والمنفى مدرسة نتعلم منها




حوار – خالد بيومى

\عبد الرزاق الدرباس شاعر سورى مقيم فى الإمارات، متعدد الاهتمامات، فيكتب للأطفال، والنقد، والعمل الصحفى كما أنه خبير فى اللغة العربية، يسعى إلى أن يحول إبداعه إلى حديقة يرتادها الأطفال والمهمشون والمجروحون.. من أعماله الشعرية: ليلى وأحلام الرجال، عابر سبيل، أجنحة الكلام، وشم على جدار الروح، بيادر الورق، مشارق الخير. ومن أدب الأطفال: القمر الغائب، سارق الأحلام، ضيفة المساء، نجمة الصبح. ومن كتبه النقدية: دواوين على مدارات النقد.. حول رؤيته وتجاربه وأفكاره كان حوارنا معه.


■ تجمع ما بين أكثر من لون أدبي، كيف توفّق بين هذه الاهتمامات؟
ـــ لا يوجد مبدع مختص فى مجال واحد بشكل نقيّ تماماً، فالأجناس الأدبية متداخلة والاهتمامات تتعدد وفقاً لهذا التداخل بينها وبإمكان الكاتب أن يمتلكها كلها إذا توافرت لديه الموهبة وكان مسيرة حياته اليومية تتطلب منه هذا التنوع، ويبقى العامل الأهمّ فى امتلاك كل ذلك للغة العربية التى بها نجعل من تلك الاهتمامات منتجاً أدبياً واضحاً، أن تكون شاعراً أو قاصاً فهذا يعنى قدرتك على النقد الأدبي، وأن تكون عاملاً فى مجال التربية والطفولة فذلك يجعلك منخرطاً فى الكتابة للطفل والناشئ، وأن تقرأ الصحف وتختلط بالصحفيين فمعناه قدرتك على مجاراتهم فى التقرير الصحفى والتحرير الأدبي، وأن تكون موجّهاً مختصّاً للغة العربية فى وزارة كبيرة كالتربية والتعليم فمعناه أن تشتغل فى اللغة وتكون مدققاً لغويا دون أن تتعمّد ذلك، باختصار فإن اهتمامك بالمجال الأدبى وامتلاكك المهارة والإرادة تجد نفسك عاملاً فيه، ثم إن الحياة مزيج من كل ذلك وليس لها سكّة واحدة مجدّدة.
■ أين تجد نفسكَ أكثر؟
ـــ أجد نفسى فى القصيدة، لأنها تحلق بى لعالم مدهش حالم وهى التى يعرفنى بها الناس وهى التى أخذت من نتاجى الأدبى أكثر من غيرها خاصة فى بداياتى الأدبية حيث كنتُ أراها الملاذ الأجمل لى والراحة الأدبية التى بها أشعر أنى أدّيتُ رسالتى الإنسانية والثقافية.
■ برأيك، هل يثرى هذا التعدد فى الاهتمامات شخصية المبدع؟
ـــ فى حقيقة الأمر هو يقوم بالأمرين كليهما، فهو من حيث النضج والإحاطة الأدبية والتمكّن والذكاء الأدبى ووظائف اللغة يثرى المبدع ويجعله كقطارٍ جميل يضيف له فى كل محطةٍ راكباً مختلفاً ومهاراتٍ جديدةً وإطلالة ( بانورامية) على الحراك الثقافى الأدبى للمجتمع، وهو من جهة أخرى يبعثر إمكاناتك ووقتك ويجعلك ككرة الزجاج المتدحرجة على صخور الحياة فتترك فى كل مكان شظية منك وفى كل ميدان بصمة غير مكتملة حتى إذا ما أردت تجميع نفسك صعُبَ الأمر عليك.
■ تكتب للأطفال أيضاً.. ما شروط الكتابة للطفل؟
ـــ هى باختصار أن تكون طفلاً كبيراً.. أن تنسى عمرك الزمنى واهتماماتك الرجولية والأبوية وتحتفظ بخبرتك الحياتية نازلاً لمستواهم العقلى والخيالى الجميل لتملأ فى أرواحهم زوايا فارغة تحتاج لملأها بما هو مفيد جميل قبل أن يملأها غيرك بالرديء الضارّ.
الطفل واقعى لكنه يهوى الخيال والإدهاش والغرابة والمغامرة، الطفل ذكى له شخصيته فلا تفرض عليهِ نصائحك بشكل وعظ وإرشاد ولومٍ وتوجيه وتأنيب فيترككَ غير آسفٍ عليك، ولذا فالكتابة للطفل أخطر وأصعب أنواع الكتابة، لأنك بمخاطبتك للأطفال إنما تخاطب نصف  البشر وتحسّن بضاعتك لتستطيع منافسة سوق الألعاب والأجهزة الذكية ووسائل المتعة والترفيه الجديدة وتكسب عقولهم وقلوبهم ليزدحموا على باب دكانك، وحينها بإمكانك قول ما تريده لهم وأنا أعتز بنجاحى فى هذا المجال وحصولى على جوائز مرموقة فى الكتابة للطفل فى مجال الشعر والقصة والمسرح.
■ هناك اتهام لكتّاب الأطفال العرب بأنهم يستخفّون بعقلية الطفل فى كتاباتهم.. ماذا تقول حول ذلك؟    
ـــ أقول نعم، مع بعض التحفّظ على تعميم الحالة لأن كثرة الاستخفاف لا تعنى عدم وجود المميز الذى يعرف خصائص الطفولة ونموها ويقدم لها الأدب الراقى المناسب، وإذا نظرنا لما يُقدَّم للطفل فى مجال التلفاز أو الكتاب المنشور أو الإنترنت فإننا نجد تسطيحاً واستخفافاً واضحين وتلك كارثة ستكون لها انعكاساتها الخطيرة لاحقاً حين يكبر الطفل ويصبح رجلاً متواجداً فى مفاصل الحياة، حيث يسود الكسل والعنف والتطرف والجهل والتغرّب عن الواقع وضعف الوازع الأخلاقى وانعدام الولاء الوطنى والقومى وغرس الأفكار الفاسدة فى النفوس المتعطشة لكل ما يأتيها.
لكننا فى المقابل ولله الحمد نجد نموذجاً آخر مشرّفاً لأدب الطفل يلتزم بالمعايير الفنية والجمالية والأخلاقية ويعزّز القيم الإيجابية فى أفعال الطفل وأقواله وسلوكه اليومي، وسواءً فى أدب الطفل أو فى غيره فإنّ توكيل الأمور لغير أهلها يشكّل خطورة على الحاضر والمستقبل، وعلى الجهات الإعلامية والأدبية التشدّد أكثر فى قبول الأعمال الأدبية والفنية وطباعتها وإنتاجها وتوزيعها، خاصة فيما يتعلق بالأطفال والناشئة لأنهم الفئة الأكثر عدداً والأكثر تأثّراً والأخطر فى النتائج الاجتماعية والثقافية.
■ كيف تتأمل غربة اللغة العربية بين أهلها فى ظل تنامى المدارس والجامعات الأجنبية فى العالم العربي؟
ـــ أهمية واستمرار لغتنا العربية ليست نابعةً منا كأشخاص أو حكومات ولو كان الأمر كذلك لماتت منذ أمد بعيد، ولكنه نابع من الوجدان الشعبى والفطرة البشرية لسكان هذه البقعة من العالم، ولحفظها فى القرآن الكريم الذى رسّخ مكانتها بين الأمم كلغة حديث وعلوم وإنجازٍ حضارى خالد، ومع اعترافنا بأن التغرّب الثقافى والمدارس والمناهج والجامعات الأجنبية ليست بريئة فى نظامها التعليمى ولكننا واثقون بأن لغتنا صامدة متجددة، أقول ذلك وأنا منفتحٌ على لغات الآخرين فى تلاق حضاريّ عام ولكن دون أن أذوب فى غيرها ناسياً لغتى وهويتى وانتمائي، فاللغة وسيلة تواصل وحوار الآخر، وهنا أحب التذكير بمقولة جميلة للمهاتما غاندى فى الهند حين جعلت بريطانيا مناهج ومدارس الهند كلها إنجليزية : اسمحوا لكل النسائم أن تمر من نافذتكم ولكن إياكم أن تسمحوا لأى إعصارٍ مهما كان قوياً أن يقتلعكم من جذوركم.
■ كيف تتأمل الوضع الملتهب فى سوريا بعين المبدع؟
ـــ أنا إنسان وطنى أعتز بسوريّتى وأهلها وحضارتها كجزء من تاريخنا العربى وانتمائنا الإسلامى وأحزننى ما انزلقت إليه الأمور من حرب عالمية مصغرة نحن وقودها وضحاياها، فى الحرب يا صديقى كل المتحاربين خاسرون حتى من يدّعى منهم الانتصار، فما بالك فى حربٍ تشنّها دول عظمى وحكومة قوية على شعب أعزل ومواطنين بسطاء بذرائع محاربة الإرهاب نحن كسوريين وكأدباء ضد الحرب والقتل والظلم والاستبداد والجهل والتطرف حيث كان مصدره، وقلناها من بداية الأزمة: لا للقتل لا للظلم لا للاستبداد ونعم للحوار والتفاهم والحرية والأمان والمحبة، ولكن صوتنا كان ضائعاً فى معمعة الرصاص والمصالح الضيقة والأطماع الخارجية والاستبداد الداخلي.
■ كيف تناولتَ الوجع السوريَّ فى أعمالك؟
ـــ أنا لم أتناوله بل عشتُه وإن كنت مقيماً خارج وطنى سورية، فجذورى وأهلى وبيتى المهدّم وأهلى المشرّدين والقذائف المجنونة والجوع والبرد والضحايا الأبرياء.. كل ذلك كان فى نفسى وكتاباتى وأنفاسي، وهناك الكثير من النصوص النثرية والشعرية والمقالات التى كانت انعكاساً مباشراً لما يجرى فى وطنى الجميل، فأنا لا أحب المنطقة الرمادية ولا أحب مكان ( اللاموقف ) ورغم أنى لستُ محسوباً على الحكومة التى تتحمل الوزر الأكبر فى هذه الحرب فلست منتمياً رسمياً لأى تجمّع معارض، أنا سوريّ قبل المولاة والمعارضة أجهر بالحق وأوظّف كلمتى لخدمة وطنى وأهله فى الحق والخير والجمال والحرية والحياة لنا ولأبنائنا وأحفادنا.