لا اعتذار ولا إعادة
عبد الله كمال
الآن يمكنني أن أقولها بصراحة.. حتي بعد أن ساهمت مع كل المصريين في انتقاد الجزائر.. شعبا ودولة وحكومة وثقافة.. ما الذي نسعي إليه في نهاية هذه الأزمة؟ ما هو الأفق الذي نهدف إليه؟
أخطأت الجزائر في حقنا.. دبرت مكيدة ضد مصر والمصريين. أظهرت قدرًا لا يمكن تجاهله من الحقد الدفين. وعبرت عن غلٍّ كنا نتغافل عن وجوده فكشف عن نفسه متعمدًا سافرًا مؤكدًا ما يعتمل في نفوس الأشقاء من كراهية.. وكان بين أبناء هذا الشعب من لا يمكن أن يتواني عن قتل أي من أبنائنا.. هنا أو في الجزائر.
رددنا.. إعلامنا شوَّه الجزائر وعاقبها بطريقة مريرة.. بل وصل بعض الزملاء إلي أقصي مدي.. وفوق ما يقبل الشعب المصري.. استدعينا سفيرهم إلي الخارجية عدة مرات.. استدعينا سفيرنا إلي مصر ويبدو أنه لن يعود في وقت قريب. إجراء هو الأول من نوعه مع دولة عربية منذ زمن بعيد. أعلنا المقاطعة الرياضية.. أعلن كثير من فنانينا المقاطعة الثقافية.. تلقي الجزائريون علي الإنترنت سيولاً من تعليقات الانتقاد القاسية والشرسة.. أدينت الجزائر من مختلف مؤسساتنا البرلمانية والشعبية. نظر الكثيرون بعد حملتنا الإعلامية والسياسية علي الجزائر في طبيعة هذا البلد واكتشفوا أنه مشكلة كبيرة.. كتبت كثير من الصحف الأجنبية عن الأمر.. وليس كلها.. قلقت الاستثمارات في الجزائر من التفاعلات.
لكن.. ماذا بعد؟ هل نريد قطع العلاقات مع الجزائر؟ لا أعتقد أن علينا أن نتخذ هذا القرار.. وإنما علينا أن نترك الجزائر أن ترتكب هي تلك الحماقة التاريخية.. هل نريده عداء أبديًا؟ لا.. ليس كذلك.. إذا كنا قد عقدنا اتفاقًا مع إسرائيل.. بينما الذي في القلب مازال موجودًا.. هل نريدها خصومة معلنة؟.. بالفعل صار هذا واقعاً ويحتاج سنوات إلي إصلاحه لو أردنا أصلاً.. ولا أعتقد أننا نريد.. هل نريد أن ننتقم يدويًا.. أو أنه كما ضربونا نضربهم؟ ليس هكذا تكون ردود الدول.. وليس هكذا تكون أفعال أحفاد الحضارات.
ما في القلب سوف يظل فيه.. لا أعتقد أننا سوف نصفو لهؤلاء الكارهين قريبًا أو حتي في المدي المتوسط.. بل إنني أتخيل عددًا لا بأس به من مشجعينا يسافرون إلي جنوب أفريقيا لكي يشجعوا الخصوم الذين تلاعبهم الجزائر في المونديال.. وبالتأكيد فإن هذا ما سوف يحدث في أنجولا.
لكنني لا أعتقد أن علينا أن نعشم الجمهور بأن مباراة السودان سوف تعاد بقرار من الفيفا.. حتي لو كان هناك احتمال قائم.. فالأقرب أن تتعرض الجزائر لعقوبات من الاتحاد الدولي بناء علي شكوي موثقة من جانبنا.. كما أن الاتحاد قد يصُدر غرامات في حقنا.
هل نريد اعتذارًا من الدولة الجزائرية؟ كيف نقول هذا.. لا المقومات الحضارية.. ولا الأهلية السياسية.. ولا طريقة التفكير العاقلة توفر لهم فرصة اتخاذ هذا القرار.. لكي يمحوا عن أنفسهم العار العالق بثياب بلدهم.. بل إن فيهم من يصارع أخاه.. ومواطنيه.. وزملاءه في الحكم.. وفيهم من يريد للجزائر أن تبتعد عن عروبتها.. أنا شخصيًا طالبت في اليوم التالي للأزمة بأن يعتذر بوتفليقة.. ثم تبين لي أنه لا يحكم.. وبالتالي فإن اعتذاره بلا قيمة.. ولا محل لإعرابه.
سوف ننال ثأرنا بطريقة أكثر تحضرًا.. بالحضارة.. باستمرار التفوق.. بمواصلة الاكتساح المعنوي.. بتخطي حقدهم.. بتجاوز غلهم.. بعدم قبول منازلتهم.. القبول بالنزال في حد ذاته من جانبنا يعطيهم شرفًا لا يستحقونه.. ومن ثم ليس علينا أن ندعوهم.. ولا أن نذهب لهم.. لن يكونوا في طريقنا الكروي لبضعة أشهر أخري.. ربما نحو عام.. ولا أظن أنهم مدعوون لأرضنا خلال تلك الفترة.
ولو جاءوا.. فليأتوا.. ذلك بلدنا العظيم وشعبه الكبير العريق.. فليملأوا أبصارهم بتنوعه.. وقوته.. وحضارته.. وتفوقه.. وإبهاره.. وتاريخه.. وانتشاره.. وتأثيره.. ومن ثم سوف يأكلهم الحقد الذي لم يعد دفينًا.
الموقع الإليكتروني : www.abkamal.net
البريد الإليكتروني : [email protected]