الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

فوق الأربعين




أما وقد أتممت عامي الرابع والأربعين، فإنني أتعهد أمام نفسي بأنني إذا وجدت وقتًا سوف أؤلف، علي الطريقة الأمريكية، كتابًا عن الرجل الأربعيني.. وأعتقد أن خبرة أربع سنوات في هذه المرحلة العمرية تعطيني التأهيل الكافي لإتمام تلك العملية.

كل يوم تلاحقك النصائح.. لابد أن تنتبه.. أنت الآن فوق الأربعين.. خد بالك.. أو ديره إذا كنت تنطق الكلمة بالطريقة الخليجية. لا تدخن.. خفف الأطعمة.. مارس الرياضة.. قلل ساعات العمل.. الجميع ينبهك إلي مجموعة هائلة من الملاحظات.. تقريبًا لا أنفذ منها شيئًا.. فأنا أدخن كثيرًا.. وأعمل كثيرًا.. ولا أجد وقتًا للرياضة.. وأتعامل مع الأكل باستمتاع يجعلني لا أقاومه.. ومن ثم فقد اقتربت النهاية وفقًا لمدونة النصائح.. فاللهم احسن خاتمتنا.

هذا يقول لك تناول أقراص فيتامينات لكي تعوضك فالرجل فوق الأربعين يحتاج إلي مثل هذه الحبوب في ظل نظامنا الغذائي المرتبك.. وآخر يقول إن عليك أن تتناول حبوبًا لتنشيط الذهن.. كل من تخطي الأربعين يفعل هذا.. وثالث يؤكد عليك بالتحليل الدوري لمعدلات الكوليسترول.. فتترحم علي أيام قريبة كان الناس فيها يفخرون بأنهم تربوا علي السمن البلدي.. ودهن العتاقي.. ومؤخرات الخرفان.. ولهذا فإن بنيتهم قوية.. ونحن لا نتمتع بذلك.. أين هؤلاء من ملاحقات أطباء التحذير من الكوليسترول!

وفي كل يوم أنبه نفسي إلي أن علي أن أنصاع.. وأن أحافظ علي صحتي.. وأرتب شئونها.. بدلاً من أن تفاجئك ذبحة أو جلطة.. وأقول إنني من الغد سوف ألف (تراك النادي الأهلي).. ويأتي الغد فأجدني داخل السيارة أنهي عشرين مكالمة قبل التاسعة صباحًا.. وأدلف إلي دوامة الحياة.. مؤجلاً عملية المشي إلي الأسبوع المقبل.. وفي كل يوم أقول إنني سوف أتوقف عن تناول الخبز.. حتي أذهب إلي طبيب الريجيم.. وقد يكون هذا مفيدًا للموازنة العامة لأنني سأوفر قدرًا من دعم الخبز.. ثم تحين ساعة الغداء.. فأؤجل تعهدي للموازنة العامة إلي أسبوع جديد.. ولا أعتقد أن وزير المالية سوف يلقي لي بالاً أنا بالتحديد.

أستطيع أن أفاجئك بأنني قد دونت رقم طبيب الريجيم علي موبايلي وعلي قصاصات ورق صغيرة بضع عشرات من المرات.. وإنني قد هاتفته ثلاث مرات علي الأقل وأخذت منه موعدًا لكي أذهب إليه.. ولم أفعل.. وفيما يبدو فإن زوجتي سعيدة بهذه الحالة.. وتضفي مزيدًا من المشهيات علي الوجبات.. لأن زيادة الوزن تؤدي إلي نفور المعجبات.. ولا أقول فقط ابتعادهن.

كنت فيما مضي، وأنا فتي يافع في مقتبل العمر أتضايق جدًا لأن معصمي رفيع.. وأقف أمام المرآة.. وأستعير (مازورة) لكي أقيس محيط الصدر.. متسائلاً: هل سأكون لائقًا إذا ما تقدمت لامتحان القبول في كلية عسكرية؟.. فأنزعج لأنني أحتاج إلي 3 سم إضافية.. وهأنذا أحلم بتلك الأيام التي لا يمر فيها موسم دون أن أغير مقاسات القميص.. وأتحسر علي مجموعة من البدل.. وذات مرة ذهبت إلي طبيب وعدني بأنني سوف أتخلص من كل دولاب ملابسي.. لأن وزني سوف ينقص.. فتراجعت عن فكرة الريجيم برمتها.. لأن مجموعة ملابسي وقتها كانت تعجبني ولا أريد أن أفرط فيها!

المشكلة هي أنني أركز علي تنمية سرعتي في كتابة الكلمات علي الكمبيوتر أكثر من أن أحصي عدد خطواتي اليومية.. وإنني أجالد نفسي ذهنيا.. فأنصاع لكتاب.. وأحاصر نفسي أمام عملية بحث علي شبكة المعلومات.. أكثر من محاولة دفع نفسي إلي تمشية صباحية ولو في الطريق إلي المكتب من ميدان التحرير.. وحين أجلس إلي أي من مصادر معلوماتي أصادف عشرات من النصائح التي تخص من تخطي الأربعين.. لاسيما أولئك الذين لم يروك منذ فترة.. ويهمون بأن يعبروا عن دهشتهم لأن وزنك قد زاد.. وعليك أن تنتبه.. ويدقون في أذنك أجراس الخطر.

وأما أهم ما يضايقني في هذه العملية الفاشلة التي أحاولها كل أسبوع دون جدوي.. فهي أن موجهي النصائح هم غالبًا من أولئك المتعايقين الذين تخطوا الخمسين.. ويعتقدون أنهم قد مروا من مأزق العقد الرابع.. وعليهم أن يوجهوا النصائح لمهمل مثلي.. يضيع عمره وصحته في الأكل والتدخين.. وزيادة التوتر الناتج عن ظروف مهنة سخيفة.. نعشقها وتدمرنا حتي إنني تمنيت أن أصل إلي العقد الخامس لكي أتحول إلي ناصح لهؤلاء الذين بلغوا الأربعين بعدي.

سوف أضع هذا المقال علي موقعي علي الإنترنت.. وسوف يعلق متساخف: أنت تعاني من زيادة الوزن في بلد لا يجد فيه الفقراء ما يأكلون.. ووقتها سوف يزيد توتري.. فأهدئ نفسي بمزيد من التدخين.

الموقع الإليكترونى:  www.abkamal.net

البريد الإليكترونى:   [email protected]