اغتصاب طفلة
عبد الله كمال
تقطع قلبي، وتمزقت روحي، وأنا أستعيد وقائع نشرت من قبل حول اغتصاب طفلة في القليوبية.. قبل أشهر.. حين نشرنا في "روزاليوسف" قبل أيام أن المحكمة قد أصدرت عقوبة بالسجن المؤبد للمتهمين اللذين ارتكبا هذا الجرم الفظيع والفعل الشنيع.
حتي الجريمة، باعتبارها أحد مظاهر المجتمعات، يمكن تخيل حدود لها.. لكنها حين تتجاوز المستوي المتوقع للشر.. وللعنف.. فإن المجتمع يصدم ويصطدم بالمستجدات المروعة.. وهي أن بين أبنائه من يمكن أن يقدم علي عمل قاس ومروع من هذا النوع.
الأمر ليس ظاهرة في مصر.. حتي حين التاع المجتمع بسبب الوقائع المرعبة في ملف التوربيني قاتل ومغتصب أطفال الشوارع.. تعاملنا مع الأمر علي أنه طارئ.. ولا يمكن أن يتكرر.. ومن المؤكد أننا بعيدون تماما عن مواقف مثل تلك التي تقول إن مائة طفل قد تعرضوا للاغتصاب في العراق.. كما تقول الجمعيات الأهلية هناك.. دون أن تحدد المدي الزمني.. وإن كان هذا وقع بعد الاحتلال.. كما أننا بعيدون تماما عن ظاهرة اغتصاب الأطفال في حلب السورية التي قال أحد المواقع علي الإنترنت أنها شهدت 15 حالة في شهر.
لكن كونه ليس ظاهرة لا يمنع من الانتباه.. وكون أن الميل الجنسي للأطفال "المعروف نفسياً بالبيدوفيليا" غير موجود في مصر علي نطاق واسع.. وكون أن العنف الجنسي لم يصبح بعد ظاهرة خطيرة في المجتمع.. حتي مع سماعنا المتكرر عن جرائم الاغتصاب.. فإن هذا لا ينفي أهمية أن تستوقفنا واقعة من هذا النوع.. حيث استدرج شابان مدمنان يلعبان القمار.. طفلة بريئة.. كانت تتابع المراجيح.. فأعطياها قطعة شيكولاتة مخدرة وتناوباها إلي ان لفظت أنفاسها.. رحمها الله وألهم أهلها القدرة علي الصبر.
شيء مؤلم جدا. والمجتمع حتي وهو يدرك حقيقة الجريمة التي لا يمكن إنكار وجودها فإنه يعتقد أن هناك اتفاقاً ضمنياً مع المجرمين علي عدم الاقتراب من الاطفال.. لا يقتلون ولا يغتصبون ولا يختطفون.. غير أن فصيلاً من المجرمين يمكنه أن يطيح بما تبقي في نفسه من أي مشاعر إنسانية.. وتجده يذهب إلي أبعد مدي.. ويكون الأطفال هم الضحايا.
والمشكلة تكمن غالبا في المخدرات.. لا يوجد مبرر لكي نطرح هنا أموراً مثل أمراض البطالة.. ونتائج الإحباط.. الموضوع الأهم هو انتشار المخدرات والإدمان عليها.. وهي تؤدي الي مثل هذه الجرائم الفظيعة.. التي لا يقبلها عقل أي من عتاة الإجرام وفاعليه.
وأحد المغتصبين الذين أدينوا بالجرم المشهود في القليوبية أحال فعلته الي أن رأسه قد دار بالمخدرات والكثير من الجرائم يقع الآن بينما العقول خاضعة لغياب طويل تحت سطوة البانجو والحشيش وحبوب الهلوسة ومساحيق الشم وحقن الماكس وغيرها كثير.. ويعيدنا هذا الي ما كان قد طرح من نقاشات في مؤتمر الحزب الوطني "ضمن أوراق السياسات" حول ضرورة الوقوف الجماعي في وجه انتشار المخدرات.. باعتبارها من الظواهر الأخطر في المجتمع كما قالت لجنة الشباب التي يرأسها الدكتور محمد كمال.
والمعضلة هي أننا ننشط فجأة.. ثم تخفت الجهود بعد تلك الجذوة الفائرة.. فيمر الوقت بدون قرار أو قانون أو حتي سياسة تؤدي الي خفض الطلب علي المخدرات.. ومتابعة مشكلات ادمانها في المجتمع.. الملف يحتاج إصراراً.. ودأباً.. ومزيد من الجهد.. وعملاً مستمراً.. وليس فتوراً طويلاً بعد حماس مؤقت.. والمسألة تقع في الأساس علي جهات قومية متنوعة تغرقنا بالتصريحات والنشرات والندوات دون أن تحقق إنجازاً ملموساً.
إن الجرائم الفظيعة، مثل اغتصاب طفلة، حتي لو لم تكن ظاهرة، إلا أنها تكون مجرد اجراس انذار.. تدق لتقول إن هناك ظواهر تريد أن تتبلور.. وسوف تصدم المجتمع بمزيد من تجسيداتها.. فإما انتبهنا.. أو انفجر البركان.. وحين لطمتنا وقائع جرائم التوربيني كان هذا بعضا من حمم البركان الخامد.. وحين اغتصبت الطفلة في القليوبية كان هذا تعبيراً جديداً عن المشكلة.. ومن ثم علينا أن نسارع بوقفة صارمة ولا لبس فيها وبكل الإصرار مع المخدرات.. دون أن نغفل أمورا أخري قد تكون سببا لهذه الجرائم التي نتمني ألا تتكرر.
الموقع الإليكتروني: www.abkamal.net
البريد الإليكتروني: [email protected]