السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

الشاعر الأردنى فخرى رطروط: القراءة هى «فياجرا» الكتابة

الشاعر الأردنى فخرى رطروط: القراءة هى «فياجرا» الكتابة
الشاعر الأردنى فخرى رطروط: القراءة هى «فياجرا» الكتابة




فخرى رطروط  شاعر ورسام ومترجم أردنى من أصل فلسطينى، من مواليد الزرقا فى الأردن عام .1972
حصل على بكالوريوس لغة عربية من جامعة اليرموك ،عمل مدرساً بمدارس أريحا الفلسطينية ، انتقل فى العام 2000 إلى نيكاراغوا فى أمريكا الوسطى ، يعمل كتاجر أقمشة من أعماله الشعرية: جنة المرتزقة، صنع فى الجحيم، 400 فيل أزرق، البطريق فى صيف حار. له تحت الطبع ديوانان:تحت جناحى الممزق تستريح الريح، نصف كيلو من السعادة. صدر له بالإسبانية فى كوستاريكا والإكوادور ديوان» جنة المرتزقة» ومختارات «طبول الرب». شارك فى عدة أنطولوجيات باللغة الإسبانية.ترجمت بعض أعماله إلى الإيطالية والتركية والرومانية.شارك فى مهرجانات للشعر العالمى فى كوستاريكا ونيكاراجوا والإكوادور وجواتيمالا وكولومبيا والسلفادور والمغرب. هنا حوار معه:

 

■  ديوانك الأخير «البطريق فى صيف حار» نطالع صورا خارجة عن المألوف من قبيل: انتحار شيطان، هروب جثة من مشرحة، ديناصور يحمل حزاما ناسفا.. فهل تأثرت بالسريالية أم الواقعية السحرية أم الفنتازيا؟
تأثرتُ بكل شىء ما عدا الواقع؛ لأنه مُر، ويشبه أى شىء إلا الواقع، حين تدخل حمام أحد المقاهى فى كوستاريكا وتجد عبارة ماركيز مخربشة على الحائط  لو كان للفضلات ثمن، لولِدَ الفقراء بلا «مؤخرات» ستعرف أى واقع نعيشه، خاصة ما بعد الربيع العربى، نحن فى واقع هجين، شىء كالكولاج، قليل من لحم السوريالية وقليل من أرز الفانتازيا، ورشة بهارات من الدادائية، وهكذا...
أنا لا أفهم هذا العالم، لا أفهم إلى أين يسير، أحياناً أظنه وهماً، وأحياناً بلا معنى، وأحياناً أراه بمنتهى الجدية، والتنقل بين هذه المشاعر فى لحظات سبب رئيسى للكتابة، لا أعرف لماذا أكتب، فكرة أن هذا العالم سينتهى فى يوم ما تصيبنى بالإحباط، بدأ هذا الوجود بسوريالية مبتكرة، هبوط آدم إلى هذه الأرض، مرة فى خطبة الجمعة سمعت الشيخ يقول: بعد خراب العالم وموت كل من فيه، بعد الصعقة، سنخرج من القبور وستكون أجسادنا مثل الأشجار، ثم يسقط مطر يشبه المنى، فتدب الحياة فى الأجساد، أطالع فى الأخبار قصة فلسطينى خرج من السجن بعد ١٦ سنة، ثم ذهب مباشرة لرؤية أمه فى المستشفى، وجدها فى غيبوبة الموت، لا توجد لغة ولا مدرسة أدبية فى الأرض تكفى لوصف الدموع فى عينى هذا الرجل.
أحب هذه المدارس الأدبية جميعها، وأخطرها السوريالية، لكنى من دعاة تقديم الخلطات وعدم الانتماء لمدرسة واحدة فقط، أحب هذه الطرق فى الكتابة ولكن بشكل مخفف، أحب السوريالية الدايتْ، بلا سكّر، وبلا تطرف ومبالغة فى الغموض، الشعر  ألعاب، والألعاب دائماً مدهشة، أترك الحرية فى داخلى للطفل كى يكتب ويندهش بالطريقة التى يحبها، لا يهم فى الشعر غير الألعاب والدهشة، ثم تأتى التصنيفات، المهم أن تعيش حياة الشاعر، حتى لو لم تكتب قصيدة واحدة.
نحن نتاج ما نقرأ، وكما يقال القراءة فياجرا الكتابة، وأنا أقرأ فى كل شىء، باستثناء الروايات، ليس لدى الوقت ولا الطاقة لقراءة رواية لاكتشف فى منتصفها بأنها تافهة، الروايات تقرأ فى العشرينيات، وأنا أخاف جيوش الروائيين، خاصة العرب.
■ الديوان مفعم بالسخرية المريرة.. ما مصدرها؟
مصادر هذه السخرية قد تكون طفولة بائسة فى حارة شعبية فى عائلة فقيرة كبيرة، فى وطن فقير، كنا نتجمع حول الطعام بدائرة كبيرة، وكى تتسع لنا تصدر الأوامر: ادخلْ بنصف رُكْبَة، أيضا الواقع المرير، النكتة أعظم وسيلة اخترعتها الشعوب لمقاومة الطغاة والفقر والفساد، بعض النكات تعادل ديوان شعر، الكثير من النكات تصلح كقصائد نثر، حاولت مرة جمع ما أستطيع وتقديمها تحت عنوان نكات تصلح كقصيدة نثر.الفيس بوك أكبر مصدر للكوميديا السوداء، المطالعة اليومية له تجعلك ساخراً بشكل لئيم، بعض التعليقات أفضلها على قصائد لشعراء كبار، الناس العاديون شعراء بدون أن يدركوا ذلك، أكتب الشعر وأتناسى بأنى شاعر.
وجودى فى أكبر سوق شعبى فى أمريكا الوسطى وسط حشد هائل من الباعة الجوالين، أيضا معظم زبائننا فى محل الأقمشة من العجائز، وهنّ مخزن الحكايا المضحكة، تعلمت مواجهة الحياة بالسخرية، اللاتينيون معظمهم فقراء، يعيشون الحياة يوماً بيوم، لا يفكرون فى الغد، ويضحكون دائماً.ما تعجز عن قهره، أسخرْ منه.كما أننى ولدت فى حارة شعبية فى مدينة الزرقاء الأردنية، وأصولى من ريف فلسطين، والسخرية يتوارثها الفلاحون،والقصص المضحكة فى القرى لا تنسى، يتوارثونها.عشت قرب أشخاص مرحين، يجذبونني، أرغب بأن ينتقل لى ضحكهم بالعدوى، هذه طاقة جميلة.وأصعب أنواع الكتابة وأجملها تلك التى تستطيع فيها إضحاك القارئ وسط هذا الخراب، هذه علامة نجاح.
■ لماذا كانت الهجرة من فلسطين إلى نيكاراجوا؟
لا أحد يحب ترك وطنه، لن أدعى أننى هاجرت من أجل الشعر أو رؤية العالم   لقد عانيت قهرا اجتماعيا وسياسيا ووظيفى وأدبيا وماديا، ومشروع زواج فاشل.
فى أواخر التسعينيات افتتح الكازينو الضخم والوحيد فى فلسطين فى مدينة أريحا، الإسرائيليون حسب دينهم لا يقيمون كازينو على أرض إسرائيل التى يزعمون، فالكازينوهات مقامة على سفن تظل راسية على شاطئ البحر المتوسط، فقاموا ببناء هذا الكازينو  فى أريحا لأنها من أراضى السلطة الفلسطينية، انقلبتْ حياتنا فى تلك المدينة الهادئة، الكازينو استوعب
آلاف العمال برواتب خيالية، صار طلابنا يعملون فيه ليلاً، وفى فترة بسيطة امتلكوا سيارات يأتون بها إلى المدرسة، ولأن المدينة صغيرة وغير مهيأة لاستقبال هذه الآلاف قفزت إيجارات البيوت إلى مبالغ تفوق راتبى والذى عاقبنى مدير التربية فى أريحا بخصم المواصلات لأنى أسكن فى المدينة ولا أسافر إلى قريتى، وبأثر رجعى بدل أن أقبض مبلغ ٣٠٠ دولار قبضتُ فى شهر العيد فقط خمسة دولارات، فشل موضوع الحصول على شقة للزواج، وفشل مشروع الزواج، فطلقت البنسيون الحقير الذى عشتُ فيه ٦ سنوات والخطيبة والوظيفة والوطن العربى بأكمله، وذهبت خلف خطى جدى الذى جاء إلى هذه القارة قبل ١٠٠ سنة، مثله، فقيراً، وحيداً، وابتدأت رحلة أخرى ورأيت هنا أياماً سوداء، ضعتُ وبكيتُ، فشلتُ ونجحتُ، للأسف  نيكاراغوا كانت أحنُّ عليَّ من الوطن العربى، بعد خمس سنوات حصلتُ على جنسيتها.
■ فى زمن تراجع فيه الشعر كثيرا.. نلاحظ احتفاء دول أمريكا اللاتينية بالشعر من خلال تخصيص مجلات مخصصة له ،وإقامة مهرجانات عالمية للشعر .. كيف تفسر الحفاوة بالشعر فى هذه البلاد؟
الشعر يستطيع تغيير العالم، الطاغية والديكتاتور المدعوم أمريكياً سيموزا الأب قتله شاعر فى مدينة ليون فى نيكاراغوا، وسيموزا الابن قتله شاعر من أمريكا الجنوبية، طارده حين فرّ هاربا من نيكاراغوا إلى كوستاريكا بعد انتصار الثورة الساندينية، معظم قادة الجبهة الساندينية كانوا شعراء، زوجة دانييل أورتيغا التى تحكم البلد الآن بشكل غير مباشر هى شاعرة، القس آرنستو كاردينال الذى كان وزيراً للثقافة فى تلك الفترة  يكتب الشعر ، ولا يزال على قيد الحياة ،و نائب الرئيس دانييل أورتيغا فى الثمانينيات هو أيضا روائى كبير اسمه سيرجيو راميرس.
الشعر فى هذه القارة أداة مقاومة، الشاعر يحتل المرتبة الأولى ثم يأتى بعده الكاهن أوالمعلم والمقاتل.
 لقد شاركت فى مهرجانات كثيرة على امتداد القارة اللاتينية، هذه تجربة مثيرة، حيث أتيح لى رؤية تجارب جديدة ولقاء شعراء من أنحاء العالم، فى هذه المهرجانات خلطة ثقافية مركزة، كنا نذهب للقراءة فى السجون كمحاولة للعلاج عن طريق الشعر، وهى تجربة عميقة فى أمريكا اللاتينية استطاعت إنقاذ العشرات من السجون من العصابات والمخدرات ويتم اكتشاف الكثير من الشعراء داخل هذه السجون، وأحيانا تصدر مختارات لهم فى كتب مطبوعة، وأحيانا يكتب المساجين رسائل استغاثة على شكل قصائد وتوضع فى زجاجات وترسل إلى رئيس البلد لينظر فى أمرهم، حضرت مهرجانا عالميا للشعر فى كوستاريكا افتتحوه بقراءات للسجناء الذين أخذتهم الشرطة بعد القراءة، التقيت بشعراء أمضوا سنوات طويلة فى السجون وغير الشعر حياتهم، يأخذونك لتقرأ فى  مراكز الشرطة، يجبرون رجال الشرطة على سماع الشعر فى محاولة لتخفيف العنف لديهم، فى مهرجان «مديين» للشعر فى كولومبيا تم أخذ الشعراء للمبيت فى معسكرات الفارك فى الجبال والغابات للاطلاع على حياتهم ونقل قضيتهم إلى العالم فى محاولة كسب تعاطف عالمى، فوجئت أن المهرجان يشرف عليه قادة الفارك اليساريين، وهم شعراء، بعضهم كان يلتقى بنا وفريق الحراسة ينتظرهم فى الخارج، أيضا نزل مقاتلون عاديون من الجبال.