الأحد 22 سبتمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

أمير العبث !




من عيوب التعامل النقدي مع الأعمال الفنية أنك لابد أن تخسر بعض الناس حتي لو كنت تمتدح عملاً ما ولاتسجل عليه ملاحظات سلبية.. فالمديح في حد ذاته إذا أرضي أصحاب العمل فإنه يوغر صدر منافسيهم الفنيين.. حيث لايوجد تطبيق عملي حقيقي لكل الشعارات البراقة التي تسمعها حين يقول هذا أو ذاك إنه يتمني أن ينجح الآخرون.

هذه مقدمة واجبة لتناولي لفيلم العيد الأشهر (أمير البحار).. الذي لابد أنه قد أضاع جهداً.. وأهدر وقتاً.. ونثر فناً هباء بلا قيمة.. اللهم إلا إذا كان الغرض هو إضحاك الناس ببعض النكات والقفشات.. وتلك مهمة يمكن أن يقوم بها مونولوجيست بدون إنتاج فيلم بهذا الحجم.

الحسنة الأهم، التي يجب أن تسجل لعمل محمد هنيدي الأخير، هي أنه تضمن تصويراً قد يكون الأول من نوعه، بطائرات هليوكوبتر لمدينة الإسكندرية من أعلي.. حيث ظهرت في صورة غير مسبوقة ولم تلتقط لها من قبل.. لعدسة بزاوية واسعة من ناحية البحر.. كشفت ما طرأ علي عمرانها من امتداد وتنام حولها إلي صورة أخري عن الإسكندرية التي كنا نعرفها في الأربعينيات والخمسينيات.. بل الثمانينيات.

هذه الصور.. ولا أقول المشاهد.. توضع في رصيد وائل إحسان مخرج العمل.. حتي لو كان يقلد الأفلام الأمريكية وهي تجري مسحاً للمدينة التي ستجري فيها أحداث الفيلم.. بنفس الأسلوب.. بطائرة هليوكوبتر.. في بداية بعض الأعمال.. ويحسب لوائل إحسان نفسه أنه اجتهد في إبداع إخراجي مميز.. وأنه قدم صورة مبهجة.. وإيقاعاً قد يكون مميزاً.. مشاهد مختلفة لو عومل كل منها بمفرده.. ولكن الفيلم يعاني من مشكلة كبيرة جداً.. وهي أنه لم يتم تأليفه بعد.

هناك فكرة، لم يعمل عليها يوسف معاطي، وهناك موضوع أعد له السيناريست المعالجة، لكنه لم يكتب السيناريو قبل أن يتم التصوير، وقد ارتكب خطأه الجوهري المتكرر وهو أن يبدأ عملاً ولايكمله.. وأن تتوهج في رأسه فكرة.. فلا يعمقها.. وفجأة تنهار منه الأحداث.. ويتلاطم المنطق.. وتتخبط الدراما.. فيتحول العمل إلي مجرد عبث بلا معني.

هكذا أقحم الفيلم نفسه في قصة هجوم القراصنة في البحر المتوسط علي سفينة اسمها أمير البحار.. كان علي بطل الفيلم أن يخوض صراعاً من أجل إنقاذ الرهائن فيها.. الذين لاتعرف لماذا تقرر فجأة أن يتجمعوا جميعا في السفينة.. ليلة زفاف البطلة.. التي اكتشفت فجأة أن خطيبها يخونها.. دون أن نعرف لماذا استنارت في لحظة رغم أنها كانت مولعة به.

ولاتعرف ما الذي أدخل القراصنة إلي المياه الإقليمية لمصر أو قربها.. وفي البحر المتوسط.. ولا تدري أين هي عمليات التأمين.. فقد جرت الأحداث بمعزل عن أي سلطة.. كما لو أن البحر سداح مداح.. علي الرغم من أن الفيلم قدحظي بدعم لوجيستي كبير من جهات مختصة عديدة مهمتها تأمين تلك المياه التي مارس فيها أمير البحار عبثه المضحك.

الخطيئة نفسها وقع فيها يوسف معاطي من قبل في فيلم هنيدي (مبروك أبوالعلمين).. ووقع فيها في فيلم عادل إمام (بوبوس).. ويمكن أن نواصل عمليات الإحصاء والحصر فنكتشف أن هذا الموهوب يهدر قدراته لأنه لا يواصل الاجتهاد في عمله.. ولا أقول الإبداع.. ولا أقول التميز.

وقد كان يمكن أن نترك الفيلم في حاله.. عمل جديد يفوت ولا حد يموت.. ولكن المشكلة هي أن صناعة السينما لابد أن تحظي بالتقويم الذي يدفعها إلي التقدم.. خصوصاً إذا كان العمل من بطولة نجم كبير.. يحتاج إلي أن يواصل التفكير مراراً قبل أن يخوض عملاً جديداً.. وإذا كان المؤلف له سمعته.. والمخرج له اجتهاده الذي ذهب سدي في هذا العمل الضعيف.

السينما كما أنها فن ممتع.. لابد لها من رسالة.. وكما أنها إنفاق مالي فلابد لها من معني.. والكوميديا ليس أن يلطم أحدهم أبطال الفيلم علي وجوههم بالأقلام.. والأفكار لاينبغي إهدارها بهذا الكسل المريع في اتباع قواعد الدراما.. إن الإخلال بكل هذه القواعد يحول السينما إلي مجرد عبث لن يذكره أحد فيما بعد.
 الموقع الإليكتروني : www.abkamal.net
البريد الإليكتروني   : [email protected]