الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

«نيتشه» بين شهوة الحكمة وجنون الشعر

«نيتشه» بين شهوة الحكمة وجنون الشعر
«نيتشه» بين شهوة الحكمة وجنون الشعر




صدر مؤخراً عن الهيئة المصرية العامة للكتاب دراسة بعنوان» نيتشه.. شهوة الحكمة، جنون الشعر» للشاعرة والأكاديمية الجزائرية حبيبة محمدى أستاذة فلسفة الجمال بجامعة الجزائر، واختارت الباحثة نيتشه لإثبات الصلة الوثيقة بين الشعر والفلسفة ؛لأنه استطاع أن يجسد بطريقة عملية العلاقة بين الشعر والفلسفة ،وذلك من خلال استخدامه اللغة الشعرية فى تقديم الأفكار الفلسفية، كما استخدم نيتشه مطرقة لتحطيم قيم التراث الغربى التى أضحت – فى رأيه- بالية- وعاجزة عن تقديم مضمون جديد ،بل وامتدت أمنيته إلى التراث الإنسانى كله الذى رآه فى حاجة ماسة إلى إعادة البناء على أسس جديدة لا تتغير.
ولا يقف نيتشه عند حد تحطيم القيم وإعادة بنائها،وإنما يتعداه إلى إصلاح حال الإنسان الذى ارتضى أن يكون مجرد فرد فى قطيع ليس لديه حرية فى تقرير مصيره، ولا يمكنه بالتالى أن يتحمل مسؤولية أى شىء آخر.
ويذهب نيتشه إلى تبرير الوجود كله كظاهرة جمالية فيقول: «إن العالم كظاهرة جمالية هو الذى يبرر الوجود بشكل أبدى».
واتخذ نيتشه من إرادة القوة مبدأ لسن قيم جديدة،بل وجعلها مقياس القيم فى الحياة ،وإرادة القوة تمثل المعيار الذى يجب أن نرجع إليه فى حكمنا على الأشياء وتقويمنا لها، ولعلاقة التقويم عند نيتشه دلالة تخص العلاقة بين الشعر والفلسفة،فنيتشه يهدف من وراء الكلمة إلى تقويم الفكر،ومن وراء الإرادة إلى تقويم السلوك. ويرى أن القصيدة هى وسيلة التقويم ، لأنها تقيم القيم،إنها وسيلة لضبط المفاهيم ومعانى الكلمات،فالقصيدة هى موضوع تفسير، والتفسير يحيل معنى ما إلى العنصر التفاضلى الذى يشتق منه مؤداه،مثلما تحيل القيم إلى العنصر التفاضلى الذى تشتق منه قيمتها،فهذا العنصر الحاضر على الدوام، لكن الضمنى والمخفى أيضاً، ودائما فى القصيدة أو الكلمة هو كالبعد الثانى للمعنى وللقيم، وبتطوير هذا العنصر تشكل الفلسفة فى علاقتها الجوهرية بالقصيدة وبالكلمة التفسير والتقويم الكاملين.
كما هاجم نيتشه الفلاسفة الذين قالوا بثبات الوجود وعدم خضوعه للتغيير، ومن ثم أنكروا الصيرورة التى تتسم بها الحياة لأن إنكار الصيرورة فى رأيه هو إنكار للحياة ويقول فى هذا المعنى:» إن مهمة رسم لوحة الحياة،مثلما عرضها الشعراء والفلاسفة فى أغلب الأحيان ليست خلوا من المعنى.. فى خضم شيء هو فى إطار الصيرورة، ولا يمكن لشخص فى إطار الصيرورة هو الآخر أن يعكس نفسه فى صورة ثابتة ودائمة».
ويرى نيتشه أن الفن يحرض على الحياة، فالفن يؤكد الحياة، كما أن الحياة تتأكد فى الفن. ويرى أن الشعر فرعا من فروع الفن فيقول:» حين يريد الشعراء أن يلطفوا حياة الناس، فإنهم إما يحولون الأنظار عن الحاضر المعذب،  وإما يضفون على هذا الحاضر ألوانا جديدة تشع ضوءاً».
وأحب نيتشه الموسيقى منذ نعومة أظفاره وقال عنها إنها» الحقيقة الماهوية للعالم» ويؤكد أن الموسيقى تقف مع الشعر على قدم واحدة حيث يعزو نيتشه جذور الشعر  إلى الإيقاع، إذ يرى كيف أن ذاكرة الإنسان تحفظ بيت شعر أحسن من خطاب عفوي،فكأن روح الإنسان تتقفى الأوزان والإيقاع.إن نيتشه يؤمن بأن النفس الإنسانية مجبورة على الإيقاع . والرمزية عند نيتشه تختلف عن الشعراء التقليديين المعهودة والتى تركز على التشبيهات والاستعارات الرمزية الطارئة فى الأسلوب أو فى المجاز، لكن رمزية نيتشه تعبر عن تمذهب روحى وفكرى عاشه نيتشه بكل كيانه كالصوفى الذى يعيش فى أفكاره وقد ساعده على ذلك قدرته الخيالية على التصوير.
وتخلص المحمدى إلى أن نيتشه لا يعتبر شاعراً بالمعنى التقليدى للشعر، فهو لم ينظم الشعر للشعر فقط،ولكنه كان صاحب روح شاعرية لها أسلوبها الخاص فى التعبير عن الذات، وهو أسلوب» الحكمة المضغوطة» التى تأثر فيها نيتشه بهيراقليطس، والتى تعتمد على تكثيف المعانى فى جملة أو عبارة واحدة موجزة، فهو يكتب الجملة ذات الوثبة الروحية، ولا يعتمد على طريقة الاستدلال.