الثلاثاء 16 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

علي ضفاف الخليج (1) جِدة.. غير !




من البحرين‮:‬

قبل أشهر بدأت كتابة سلسلة تحت نفس العنوان‮.. (‬علي ضفاف الخليج‮).. ‬ولكنها لم تكتمل‮.. ‬طاردتها أحداث فرضت نفسها‮.. ‬فتوقفت الملاحظات‮.. ‬وقتها كنت عائدًا من لقاءات مختلفة في الكويت‮.. ‬الآن عدت من لقاءات مماثلة في البحرين‮.. ‬إذ حضرت‮ (‬ملتقي قادة الإعلام العرب الأول‮).. ‬الذي نظمته وزارة الإعلام البحرينية‮.. ‬والملتقي الإعلامي العربي‮.. ‬الذي يديره الزميل والصديق الكويتي ماضي الخميس‮.‬

وتكمن قدرة‮ (‬ماضي‮) ‬في أنه يستطيع أن يجمع في مناسبة من هذا النوع عددًا هائلاً‮ ‬من الصحفيين والإعلاميين من مختلف المشارب والدول‮.. ‬وبينهم ومعهم دارت نقاشات مختلفة‮.. ‬لم تدر حول شئون دول الخليج العربي وحده‮.. ‬بل شملت مصر وإيران والجزائر وغيرها‮.. ‬لقد‮ ‬كان نقاشًا علي ضفاف الخليج لكنه لم يكن فقط عن الخليج‮.‬

في‮ (‬لوبي‮) ‬فندق الخليج‮.. ‬تجمعنا مساء الثلاثاء الماضي‮.. ‬صحفيون من اليمن والسعودية والكويت ولبنان ومصر والمغرب‮.. ‬كان الخبر الرئيسي الذي يشغل الجميع هو حديث أزمة دبي‮.. ‬وكان الملك عبدالله عاهل السعودية قد عاد من تفقد قوات بلده في الجنوب حيث تواجه الحوثيين‮.. ‬ولكن الخبر الذي شغل الجميع أكثر من‮ ‬غيره هو لجنة التحقيق التي شكلها الملك في فجيعة جدة‮.. ‬التي ضربتها السيول‮.. ‬وفاجأتها‮.. ‬فكشفت بنيتها التحتية الهشة‮.. ‬ومات‮ ‬113‮ ‬شخصاً‮.. ‬بينهم خمسة مصريين‮.. ‬وماج الرأي العام السعودي‮ ‬غضبًا‮.. ‬وقال الملك لخالد الفيصل رئيس لجنة التحقيق وأمير منطقة مكة التي تتبعها جدة‮: ‬ذمتي في ذمتك‮.. ‬ما يعني أن عليه أن يدير التحقيق بنفس الحرص الملكي‮.. ‬في ذات الوقت الذي تردد فيه أن السعودية قررت منع سفر ما لا يقل عن‮ ‬70‮ ‬شخصًا‮.. ‬من الموظفين والمسئولين والمقاولين انتظارًا لنتيجة التحقيق‮.. ‬و70‮ ‬ممنوعًا من السفر رقم كبير جدًا‮.‬

‮(‬جدة‮.. ‬غير‮).. ‬هكذا كانت الدعاية الصادرة عن أمانة المدينة تروج منذ زمن بعيد‮.. ‬أي أنها مختلفة‮.. ‬ومميزة‮.. ‬وهي واقعيا كذلك حين تراها من أعلي‮.. ‬شوارع منظمة‮.. ‬مجسمات فنية راقية‮.. ‬مهرجانات مميزة‮.. ‬لكن كل هذا انكشف لأن بطن الأرض كانت خاوية‮.. ‬لا توجد بنية تحتية تتولي عمليات الصرف الصحي‮.. ‬وفي الخلفيات حديث عن فساد وعن تراخ‮.. ‬أدي إلي إهدار مليارات الريالات‮.. ‬ومن ثم فإن مسئولي المدينة قد وافقوا علي توزيع أراض علي مشروعات ومساكن في طريق مخرات السيول‮.. ‬فزاد عدد الضحايا‮.. ‬وصرت تري في الصحف السعودية صورًا مؤلمة لغطاسين يبحثون عن جثث لم تطف بعد‮.. ‬ومع صرخات الصور زادت حدة النقد‮.‬

سألت بعض الزملاء السعوديين‮: ‬أيهما سبق الآخر‮.. ‬قرار الملك بالتحقيق‮.. ‬أم أنه التصعيد الصحفي؟‮.. ‬وهناك فرق‮.. ‬الملك يساند توجه المحاسبة‮.. ‬ويفترض في لجنة التحقيق أن تكون قد عقدت اجتماعها الأول أمس‮.. ‬وقبلها قرر الملك تعويض أسرة كل متوفي بمليون ريال‮.. ‬ولكن المؤكد أن الصحافة في السعودية تطورت‮.. ‬الصراحة أصبحت أوضح‮.. ‬النقد أصبح أقسي‮.. ‬اللوم أشرس‮.. ‬ومن قبل أدي الانتقاد الصحفي للشيخ سعد الشتري الذي حرم أن تكون الجامعة التكنولوجية مختلطة بين البنين والبنات‮.. ‬أدي ضمن أسباب أخري إلي أن أصدر الملك قرارًا بإبعاد الشيخ من هيئة كبار العلماء‮.. ‬وهو قرار‮ ‬غير مسبوق‮.. ‬ومن ثم أنت لا يمكن أن تميز‮: ‬أيهما أدي إلي الآخر‮.. ‬لكن المؤكد أن الفجيعة أكبر من أن يتم تجاهلها‮.‬

الصحف في السعودية الآن تتحدث عن وضع‮ (‬بحيرة المسك‮) ‬في السعودية‮.. ‬اسم ساخر لمنطقة مساحتها‮ ‬14‮ ‬كيلو مترًا تمتلئ‮ ‬يوميًا بما تقذفه فيها سيارات الكسح من مخازن الصرف أمام أو خلف البيوت‮.. ‬ذلك أنه ــ صدق أو لا تصدق ــ لا يوجد في جدة صرف صحي‮.. ‬كما أن‮ ‬غالبية دول الخليج صاحبة القدرة التنموية الهائلة لم تنشغل كثيرًا بأن تنفذ مشروعات صرف صحي من تلك التي نعرفها وننفق عليها الجلد والسقط في موازنة الحكومة المصرية سنويا‮.. ‬باستثناء الكويت التي تهتم أكثر من جيرانها بتنقية مياه الشرب وتوصيل مجارير الصرف‮.‬

وربما كان سبب التجاهل ــ علي الأقل فيما يخص صرف الأمطار والسيول ــ هو أن تلك الدول الشقيقة لم تعرف الأمطار بشكل يفترض الاحتياج المستمر لصرف ما خلفته‮.. ‬وإذا كان شر البلية ما يضحك فإن الفاجعة أنتجت نكتة تقول‮: ‬إن ضحية انهدم بيته في كارثة سيول جدة قد قال لمسئول فيها‮: ‬إذا لم تكن لدينا القدرة علي التعامل مع كل هذه الأمطار‮.. ‬لماذا إذن تدعون الناس إلي صلاة الاستسقاء؟‮!.. ‬وهي صلاة يؤديها السعوديون أكثر من مرة في السنة ليدعوا الله أن يرزقهم بالأمطار وهي‮ ‬غالبًا شحيحة لكنها لم تكن كذلك في العام الحالي‮.. ‬وتزامنت سيولها مع انشغال المملكة في ترتيبات الحج‮.‬

ونواصل‮ ‬غداً

الموقع الإليكتروني : www.abkamal.net

البريد الإليكتروني : [email protected]