على ضفاف الخليج (2) المغامرون والحريصون
عبد الله كمال
من البحرين:
انضربت دبي.. فتألمت الكويت.. وانزعجت قطر.. وارتعبت أبوظبي.. وترقبت الرياض مجريات الأمور.. وبقي المستثمرون في الخليج يعلقون أبصارهم بالمؤشر المتهاوي في البورصات.. لونه أحمر.. لا يريد أن يعود للون الأخضر.. وهو لون يشير إلي استقرار ابتعد.. وفي صباح كل يوم تتابع عيون الخليجيين بشغف المراجعة التليفزيونية اليومية التي يقدمها برنامج شهير حول أنشطة البورصات في قناة العربية.
الموضوع أصبح يثير جدلاً أكبر من كون مؤشر البورصة يتهاوي.. النخبة في الخليج تتناقش حول جدوي نموذج التنمية الذي اتبعته دبي.. وهل هو في الأصل نموذج تنمية أم مجرد استثمار متهور.. والأوضاع التي فجرتها الديون المكشوفة تطرح نقاشًا ساخنًا لا يتعلق بدبي وحدها.. بل بما يجري في الخليج برمته.
كاتب صحفي كبير وصاحب مصداقية.. قال: كيف يحتاج بلد لثلاثة آلاف وحدة سكنية سنويا.. فتبني الدولة 35 ألف وحدة سكنية.. ثم يبدأون في البحث عن مشترين لها..؟ أين السكان الذين يمكن أن يستوعبوا كل هذا..؟ هل نستوردهم كما استوردنا العمالة..؟ ومن الواضح أنه كان يقصد قطر.. التي تعثرت في المرحلة الأخيرة.. وأوقفت نحو 300 مشروع كانت تمضي فيها.. وبدت في البداية كما لو أنها لم تتأثر بالأزمة العالمية.. ثم تبين أن هناك تأثيرات.. وأن أزمة دبي تضيف إليها أعباءً جديدة.. لأن دبي لا تحتضن استثمارات تخص الإمارة وحدها بل هي قبلة لاستثمارات خليجية متنوعة.
الكويت- مثلاً- تألمت لأن لديها قيوداً عنيفة علي الاستثمار الداخلي.. سواء لأن الحكومة لا توفر حوافز الاستثمار التي يطالب بها رجال الأعمال.. أو لأن مجلس الأمة يعرقل أي تدخل من الحكومة يؤدي إلي هذا.. وحين طلب رجال الأعمال أن تتدخل الحكومة لتساندهم في توابع الأزمة المالية.. تباطأت.. ثم حين كادت تمد يد المساعدة فإن مجلس الأمة قال: إن علي الحكومة أن تعيد جدولة المقترضين الصغار لا الكبار.. وبالإجمال فإن البعض يري أن هذا المناخ هو الذي يدفع الكويتيين لاستثمار أكبر في الخارج.
البحرين مختلفة إلي حد بعيد.. لأن لديها -علي حد وصف السفير المصري في المنامة- نظاماً مالياً صارماً.. صحيح أنه يقوم علي تقديم الخدمات المالية من خلال أوسع شبكة من البنوك.. لكن البنك المركزي لديه قواعد لا تقبل الخلل.. توقف أي مشروع أو نشاط غير محاط بضمانات كافية.. وبالمناسبة فإن السفير أشرف حربي يتميز بحرص هائل علي الترحيب بالمصريين القادمين إلي المنامة.. بصورة أخجلتنا في أغلب الأحيان.. وقد أفرط في الاهتمام بالصحفيين والكتاب المشاركين في ملتقي قادة الإعلام في البحرين.. حتي ظننت أنه مسئول عن تنظيمه.. فشكرًا له.. ولكل طاقم السفارة.
إذا ما عدنا إلي الأزمة سوف نجد أن مجريات الأمور تنتصر الآن لوجهة النظر التي أصر عليها الملك عبدالله في السعودية.. إذ رفض الانصياع لرغبات التحفيز وتسريع الإيقاع التي تبنتها الأجيال المالية الجديدة في السعودية.. لهاثا وراء ما تحقق في دبي.. وكان أن أصر علي تنمية منظمة.. هي التي حمت الاقتصاد السعودي من التهورات والمغامرات.. ولا ننسي في هذا السياق أن دبي كانت من بين العوامل المؤثرة في قرار الإمارات بألا تشارك في مشروع العملة الخليجية الموحدة.. بكل ماله من مدلولات.. وبما في ذلك إصرارها علي أن يكون البنك المركزي الخليجي الموحد مقره في الإمارات وليس في غيرها.
أبوظبي نفسها في موقف لا تحسد عليه.. تلاحقها التساؤلات: ألم يكن بالإمكان أن تجنب دبي الكارثة التي وجدت نفسها فيها.. ألم تلح في الأفق بوادر الأزمة.. إذن لماذا لم تتدخل؟
والسؤال الأهم هو: كيف سوف تتدخل.. وكيف سوف يؤثر هذا علي وضع اتحاد الإمارات.. هل سوف تقتحم الإمارات الساحة لكي تضع مائة مليار دولار من صناديقها السيادية لكي تعوم دبي..؟ وإذا ما عامت.. فهل تصر علي أن تعوم وحيدة.. باعتبارها علامة مستقلة.. متميزة عن بقية اقتصاد الإمارات.. وهل سيكون لذلك تبعات سياسية؟
جريدة بحرينية اسمها (الوقت) لم تخجل من أن تناقش هذا بصراحة.. وقالت في عدد يوم الجمعة: في السياسة ليست هناك مساعدات لوجه الله وعمل الخير.. وإنما هناك مصالح وأثمان.. والثمن الذي يبدو أن أبوظبي قد طلبته من دبي يظهر باهظًا.. ويتمثل في إعادة دبي إلي الاتحاد الإماراتي الفيدرالي والحد من استقلاليتها!!
في الكواليس تتفاوض دبي مع مجموعة دول الثماني لعلها تقدم يد العون.. وتساعدها في جدولة الديون.. وربما يكون هذا متوقعًا لكنه ليس الحل الذي يمكن أن ينهي الأزمة.. صحيح أن بريطانيا لها 45 ألف موظف في دبي.. لكن إلي أي مدي يمكن أن تؤدي عملية الجدولة إلي إعادة توازن دبي.. لكي تواصل حديثها عن اقتصاد أفعل التفضيل والأرقام القياسية.. وفي الكواليس كذلك هناك معلومات عن تفاوض بين دبي وأبوظبي.. وها هي الأسماع تسترق دبي وهي تقول لقائدة الاتحاد الإماراتي: اقتصادنا جزء من الدولة.. والدولة لا يجب أن تتخلي عنا.. أو كما قال أحدهم مقرِّباً الأمر من تشبيه ملموس: "يقولون لأبي ظبي.. إذا تعبت الإسكندرية فهل تتخلي عنها القاهرة؟" وقد علقت بقولي: لكن العلاقة بين أبوظبي ودبي ليست كعلاقة القاهرة بالإسكندرية.. النظام مختلف.
دعنا نعد غدا إلي هذا الأمر المعقد.
الموقع الإليكتروني : www.abkamal.net
البريد الإليكتروني : [email protected]