على ضفاف الخليج (3) حماقة أم مؤامرة ؟
عبد الله كمال
من البحرين
نواصل رصد خلفيات أزمة دبي.. وقد أشرت بالأمس إلي نقاشات متنوعة في الخليج حول ما يجري فجرتها كارثة انكشاف الديون.. النخبة الخليجية كما تناقش نموذج التنمية الذي طبقته دبي.. تناقش أيضا أخلاقياته في ضوء الثقافة التي تتميز بها المنطقة وأبعادها الدينية.. وكيف حاولت دبي أن تكون متمايزة عنها.
هكذا يمكن أن تسمع من يقول: ما هي فائدة أن تبني اقتصاداً يقوم علي هذا الانفتاح غير المقيد.. وبما في ذلك القبول بوجود المافيا الروسية المالية والجسدية. أحدهم قال لي: لم أر في حياتي في أي مكان في العالم أيا ما كانت قيمه تلك الحرية التي تتحرك بها الروسيات في دهاليز وغرف فنادق دبي. ولكن آخر يمضي إلي ما هو أبعد: ما هي فائدة أن تبني أطول برج في العالم.. وأكبر مدينة ملاهٍ في العالم.. وأكبر مشروع عقاري.. إذا كان عدد السكان لايزيد علي مليون نسمة.. أغلبهم من خارج دبي.. أين السوق التي تستوعب كل هذا؟
وحتي إذا كان هذا الكلام له منطق واضح.. فإن هذا لاينفي أنه قبل الأزمة بوقت قصير.. وحتي والجميع ينتظر أن تقع كارثة مالية في دبي بسبب تطورات الأزمة العالمية.. فإن كل الأرقام القياسية التي كانت تسعي دبي إلي تسجيلها كانت تحظي بالامتداح.. والإشادة.. وتتصدر نشرات الأخبار.. والصفحات الأولي في كل الصحف العربية والأجنبية.. وكان ينظر إلي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم علي أنه رجل خارق.. ويتم تحليل كتابه (رؤيتي).. لكن الكثيرين الآن يوجهون الانتقادات إلي الطريقة التي أديرت بها الأمور.. وإلي افتقاد الاقتصاد لعوامل الحوكمة والتدقيق.
واقع الأمر أن النخبة الخليجية تنقل النقاش الآن إلي ما هو أبعد.. ليس فقط علي مستوي دبي.. وإنما علي مستوي أغلب الدول الخليجية.. والسؤال المتداول شفويا الآن هو: إلي أي مدي استفاد المواطن العادي من هذه الفورة؟ وقد سخر أحدهم من أقوال تتردد حول التفكير في أن يدفع المواطنون الضرائب.. ففي الخليج لايدفع المواطن ضرائب.. وقال معلقا: كيف يدفع ضرائب إذا لم يكن سوف يعرف أين سوف تنفق؟.. وبغض النظر عن هذا التلميح المفهوم فإن المعني الذي يجب الانتباه إليه هو: إلي أي مدي كان المواطن العادي شريكا فيما يجري.. حتي وهو يحصد نتائجه الإيجابية قبل أن تقع الكارثة.
لقد أشرت قبلا إلي ما يدور بين أبوظبي ودبي حول سبل الخروج من الأزمة.. لكن هناك أيضا من يساوره القلق حول الدور الإيراني الذي يمكن أن تمارسه طهران في هذا الموقف.. فهل تتدخل وتضخ مالا لمساندة دبي وتقديم طوق النجاة.. وإن فعلت فإلي أي مدي سوف تكون لذلك تبعات سياسية وتأثيرات استراتيجية. إن الذين يطرحون تلك التساؤلات إنما يفعلون ذلك لأنهم يعلمون أن قطاعا ملموسا من الاستثمارات المتواجدة في دبي تابع بشكل مباشر أو غير مباشر للاقتصاد الإيراني.. وهي حقيقة معروفة منذ زمن وتلفت الأنظار العديدة.
الأرقام تقول إن إيران قامت في عام 2008 بعمليات إعادة تصدير عبر دبي بلغت 6.1 مليار دولار.. أي 13٪ من قيمة عمليات إعادة التصدير برمتها.. ولا ينسي الكثيرون أن سفينة الأسلحة التي ضبطتها إسرائيل بعد أن خرجت من ميناء دمياط كانت قد شحنت أصلا من (جبل علي) في دبي.. ومن ثم هناك من يطرح تساؤلات جوهرية حول ما إذا كان ما يجري لدبي هو جزء من خطة الحصار التي تضيق حول إيران اقتصاديا.. وهل المقصود هو دبي أم أنها طهران نفسها؟ والذين يقولون ذلك إنما يتساءلون بوضوح: لماذا تركت المؤسسات الدولية دبي لكي تنكشف.. لماذا لم تقدم لها يد العون.. قبل أن تقع الأزمة.. خاصة أن هناك عشرات الألوف من المؤسسات والأفراد الغربيين المستفيدين مباشرة من أعمال دبي واقتصادها وطريقته.. وحين يتساءلون فإنهم يلمحون إلي أن الحملة الإعلامية الغربية علي دبي وأوضاعها قد زادت في الآونة الأخيرة.. بعد أن كانت تمتدح كل الأساليب التي يقوم بها الشيخ محمد آل مكتوم.. فإنها بدأت تصف دبي بأنها (الديكتاتورية المفلسة).
وفي اليومين الأخيرين تنامت اللهجة الإعلامية الغربية المضادة.. ولم تعد دبي تذكر إلا مقرونة بوضعها غير المستقر.. وحتي شركة دبي العالمية (المديونة) تمضي في اتجاه افتتاح مشروعها الفندقي الضخم في لاس فيجاس.. والمعروف باسم (فيدارا).. والذي يأتي ضمن مشروع تكلفته 8 مليارات دولار.. فإن الرسوم الكاريكاتيرية للعربي المرتدي للجلباب والعقال عادت للظهور في الصحف الأوروبية.. ومنها جريدة التايمز التي نشرت رسما لثري عربي خلفه عقارات تشبه عقارات دبي.. وهو يجلس يتسول طالبا مد يد العون لـ24 زوجة و56 طفلا.. بينما تقول التقارير إن البنوك الدائنة لدبي دوليا قد شكلت لجنة لكي تدير الموقف.. ولم تفصح عن نواياها بعد.
لاحظ معي هنا وقائع مختلفة.. تتضمن أولا الحديث المطرد حول التأثيرات الخطيرة للصناديق السيادية العربية علي الاقتصاديات الغربية.. وذات مرة نشرت مجلة الأيكونوميست غلافا لافتا حول تلك الصناديق.. وفيما بعد رفض الأمريكيون أن تقوم شركة موانئ دبي بالقيام بشراء استثمارات في أحد الموانئ الأمريكية المهمة.. ومن ثم فإننا أمام تساؤلات أخري: هل دبي تعرضت للكارثة لأنها بالفعل ارتكبت حماقات اقتصادية.. أم أنها تمثل حلقة تمهيدية في عملية ضد إيران.. أم أنها ضربة اقتصادية في شكل مؤامرة لمنع هذا الصعود الاقتصادي العربي في الاقتصاديات الغربية.. أم أن الأسباب هي كل هذا؟
المؤكد أن المسألة معقدة جداً.. ونواصل غداً قضية أخري علي ضفاف الخليج.
الموقع الإليكتروني : www.abkamal.net
البريد الإليكتروني : [email protected]