الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

علي ضفاف الخليج (4) الأجيال الجديدة




إنهم يعرفون مصر جيداً‮.. ‬ولكننا لا نعرفهم بنفس القدر‮.. ‬ولا نبذل الجهد اللازم لكي نقترب ونفهم‮. ‬هذه هي الخلاصة التي وصلت إليها في مقالي بمجلة‮ "‬روزاليوسف‮" - ‬عدد هذا الأسبوع‮ (‬كراهية أم الدنيا‮) - ‬وفي الطريق إلي هذا الاستخلاص حجبت بعض الأفكار‮.. ‬ووفرتها لهذا المقال‮.. ‬في تلك السلسلة‮.. ‬ومنها أننا لا ننتبه إلي التغييرات التي تطرأ علي الأجيال الجديدة من شعوب الخليج‮.. ‬ناهيك عن‮ ‬غيرهم من الشعوب العربية‮.‬

‮ ‬الصورة الذهنية لدينا بنيت علي أساس تراث تعتري عوامل تطوير متنوعة‮.. ‬منها مثلاً‮ ‬تصوراتنا عن تلك المجتمعات في الستينيات‮.. ‬أي أنهم مازالوا قيد خطوات البداية في عملية التنمية‮.. ‬وأنهم مازالوا في المراحل الأولي لاكتشاف واقع العالم وتفاعلات العصر‮.. ‬ومنها مثلاً‮ ‬تصورات تعتقد أن تلك الدول لم تزل ترزح تحت ضغوط كاملة للتيارات الدينية‮.. ‬ومنها كذلك أن‮ ‬غالبية العقول في المجتمعات الشقيقة هواها عربي‮.. ‬وأن‮ ‬غالبية القلوب تميل إلي ارتباطات ثابتة‮.. ‬لا تقبل الفصم‮.‬

‮ ‬عفواً‮ ‬ليس هذا هو الواقع‮.. ‬الدنيا تبدلت‮.. ‬وربما أكون قد لاحظت ذلك خلال زيارتي الأخيرة للخليج‮.. ‬أثناء حضوري لملتقي قادة الإعلام العرب في البحرين‮.. ‬لكنني ألمسه من رحلة إلي أخري‮.. ‬رأيته في الكويت‮.. ‬وفي السعودية‮.. ‬وفي قطر‮.. ‬وفي عمان‮.. ‬وفي الإمارات‮.. ‬وبالطبع في البحرين‮.. ‬الأجيال الجديدة لم تعد مثل أجيال الآباء والجدود‮.‬

مثلاً‮ ‬نحن كنا نعتقد أن المواطن الخليجي لا يقبل أن يعمل في الوظائف العادية‮.. ‬التي تقوم بها عمالتنا وعمالات دول أخري عوضا عنهم‮.. ‬وهذا ليس صحيحاً‮.. ‬وفي البحرين مثلاً‮ ‬سيكون قليلاً‮ ‬لو قابلت سائق تاكسي‮ ‬غير بحريني‮. ‬وفي السعودية حيث توجد نسبة بطالة‮.. ‬هناك حملات توعية لدفع الشباب للقيام بأعمال حرفية والتدريب المهني عليها‮.. ‬وفي عديد من دول الخليج يقبل أبناء الجيل الجديد‮- ‬حتي ولو مضطرين‮ - ‬علي أعمال كانوا فيما مضي يعتبرونها‮ ‬غير لائقة‮.‬

‮ ‬وحتي الآن يعتقد كثير من مثقفينا أن النخبة الخليجية لم تتبلور بعد‮.. ‬وأنها تقع تحت تأثيرات إغواء ثروات البترول التي لن تنضب‮.. ‬أو أن تلك النخبة متأثرة تماما بأفكار التيارات السلفية‮.. ‬ومن ثم تجد الكثيرين حتي الآن يتحدثون عن مجتمعات وهابية لا يوجد فيها تنوع فكري‮.. ‬وهذا كلام‮ ‬غير صحيح‮.. ‬الأجيال الجديدة تعلمت من درس انخفاض سعر البرميل في الثمانينيات حين بلغ‮ ‬8‮ ‬دولارات‮.. ‬وأدركت أن الثروة البترولية حتي لو لم تنضب فإنها يمكن أن تصبح بلا قيمة‮.. ‬ومن هنا نشأت طريقة تفكير مختلفة تقوم علي أساس وضع المصلحة أولاً‮ ‬وقبل أي ميول عاطفية‮.. ‬وهي طريقة اتبعتها الدول أيضا‮.. ‬إذ خشيت من نضوب المدخرات في لحظة‮.. ‬وبدأت تستعد لمجهول الأيام‮.. ‬وتلك أمور تؤثر في طريقة التفكير‮.‬

‮ ‬لقد أدهشني جداً‮ ‬رقم أخبرني به الصديق منيف الحربي المدير الإقليمي لقمر عرب سات في القاهرة‮.. ‬وهو أن لدي السعودية‮ ‬800‮ ‬ألف متعلم في أوروبا والولايات المتحدة‮. ‬ولابد أن الكثيرين يعرفون التوجه الذي لجأت إليه قطر بتأثير الوفرة المالية الرهيبة حين استقطبت فروعاً‮ ‬لجامعات أمريكية مرموقة بأساتذتها ومناهجها‮.. ‬يتعلم فيها ليس القطريون فقط ولكن أيضا آخرون من دول عربية أخري‮.. ‬وفي الإمارات جيل جديد مميز يركز علي الأنشطة الاقتصادية ويتعامل بذكاء وفاعلية مع الإنترنت وصناعة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات‮.‬

‮ ‬هذا كله يعني ببساطة أن المجتمع الخليجي يتغير وفي طريقه إلي مزيد من التغير‮.. ‬وبالتالي وجب علينا كمصريين معنيين لأسباب مختلفة مفهومة بأوضاع الخليج الانتباه إلي ظواهر وملاحظات مختلفة‮.‬

‮ ‬مثلا‮: ‬إلي أي مدي يؤثر هذا التغيير في المدي المتوسط علي طريقة تفكير الأجيال التالية من النخب الحاكمة؟ ولن أضيف إلي السؤال أي إجابة‮.‬

‮ ‬عُمالياً‮: ‬هل يقود هذا التغيير إلي اختلاف في الطلب علي العمالة المصرية خاصة‮ "‬الكفوءة‮" ‬وذات القدرات المهنية‮.. ‬المنطق يقول الآن إن صاحب العمل الخليجي لا يستقدم العامل المصري إذا توافرت لديه فرصة استقدام عامل آسيوي أرخص جداً‮.. ‬فماذا إذا كان البديل هو من أبناء البلد نفسه‮".‬

‮ ‬طبعاً‮ ‬أعرف أن عدد السكان المحدود في‮ ‬غالبية تلك الدول الشقيقة سوف يظل عاملاً‮ ‬مؤثراً‮.. ‬وأعرف أن هناك مناقشات مطولة تدور في الخليج حول مستقبل العمالة الوافدة التي أصبحت مشكلة اجتماعية وقد تصبح مشكلة سياسية وحقوقية‮.. ‬ولكن هذا لا يعني أن علينا أن ندرك أن عددا كبيرا من الوظائف التي كنا نضمنها في أسواق الخليج لن تكون متاحة بنفس القدر في المدي المتوسط وربما تندر في المدي البعيد‮.‬

‮ ‬ومن ناحية أخري،‮ ‬أليس علينا أن ندرس طريقة تفكير الأجيال الجديدة‮.. ‬خصوصا من الناحية القومية‮.. ‬وهل سوف تنحي كل هذه الأجيال الميول العاطفية‮.. ‬وهل سوف تصر علي التفكير البرجماتي‮.. ‬واذا كان الأمر كذلك‮.. ‬فكيف سنسعي‮ - ‬باعتبارنا الدولة الكبيرة القائدة‮ - ‬إلي توظيف هذا المنهج في التفكير بحيث يحقق أيضا المصلحة المشتركة‮.. ‬أياً‮ ‬ما كان عنوانها قومياً‮ ‬أو عاطفياً‮ ‬أو تاريخياً‮.. ‬المهم أن تتحقق المصالح السياسية والأمنية والاقتصادية‮.‬

‮ ‬ومن جانب رابع،‮ ‬وبالتأكيد ليس الأخير،‮ ‬ألا يمكن أن يكون هذا التغيير الحادث في الخليج وبنيته الثقافية والعقلية إضافة كبيرة إلي المنظومة العربية المتكاملة‮.. ‬حتي لو كان هوي بعض فئات الأجيال الجديدة‮ ‬غربيا؟ هذا سؤال ليس استنكارياً‮.. ‬وليس نافياً‮ ‬للإمكانية‮.. ‬ولكنني أعتقد أن طرحه مجرد تنبيه إلي ما علينا أن نسعي إليه‮.. ‬ونستثمره في هذه الطاقة العربية الإضافية‮.‬ ‮ ‬
ونواصل‮ ‬غدًا‮.‬

الموقع الإليكترونى: www.abkamal.net
البريد الإليكترونى:  [email protected]