علي ضفاف الخليج (5) .. العرب القادرون
عبد الله كمال
من البحرين والقاهرة:
هذا مقال كتبته بروح رحلتي إلي الخليج.. ولكن تفاصيله لها علاقة بحدث في القاهرة، ففي يوم الاثنين الماضي دعاني السيد وزير الثقافة فاروق حسني لحضور حفل توقيع كتاب (نعم.. العرب أيضا قادرون) للمؤلف الذي لم يعرف من قبل مؤلفا.. أحد أغني أثرياء العرب.. الشيخ محمد بن عيسي الجابر.
كانت الليلة لطيفة.. خاصة أنها تمت في إحدي ثمار العمل الثقافي المميز لفاروق حسني.. قصر الأمير طاز.. البديع.
ولكنني لابد أن أعترف بأكثر من أمر.. الأول أنني ظننت أني ذاهب لحفل توقيع كتاب لمحمد بن عيسي وزير الثقافة المغربي السابق ومدير منتدي أصيلة.. وربما ساهم في هذا أنني كنت قد التقيته (المغربي) في البحرين.. وأدار الندوة التي أدليت فيها بتعليق. وربما كان السبب أنني اعتقدت أن وزير الثقافة المصري سوف يدعو لتوقيع كتاب لوزير ثقافة مناظر.. وربما لأنني تلقيت الدعوة تليفونيا وقد اختصر من أبلغني بها اسم المؤلف.. فلم يذكر في اسمه لقب (الجابر).
ومن ثم حين دخلت إلي باحة القصر، حيث صادفت مجموعة هائلة من نسخ الكتاب يتصدرها وجه المؤلف.. صدمت.. وتخيلت لوهلة أن وزير الثقافة يجامل شخصا غير معروف.. ثم انتبهت إلي الاسم.. واستدعيت من الذاكرة مناقشة دارت بيني وبين السيد الوزير محمود محيي الدين حول دور ومكانة الشيخ بن عيسي الجابر.. باعتباره رجل أعمال قوياً ومرموقاً وصاحب رؤية ولديه استثمارات في مصر.. ودار الاحتفال.. وتحدث ناشر الكتاب محمد رشاد (الدار المصرية اللبنانية) بطريقة فسرت صدمتي.. فهو نفسه لم يكن يظن أن للكتاب وزناً علمياً.. ثم قال: لقد تبين لي قبل أن أحيل الكتاب إلي لجنة مختصة أنه عمل فريد.
فيما بعد حين وقفت مع الشيخ محمد بن عيسي وفاروق حسني ومحمد رشاد.. داعبت الناشر وأنا أقول للمؤلف: كيف يمكن أن تفكر دار النشر أولاً فيما سوف تنشره لك.. اشتر الدار كلها ياشيخ محمد. وتجاوب الأستاذ رشاد مع الدعابة وهو يقول لي إنه ينتظر بالفعل تعليقي علي الكتاب.. ودار نقاش بيني وبين الشيخ محمد حول رؤيته لأزمة دبي.. فأحالني إلي كلمات كان قد قالها في 2007 ومنشورة بالفعل توقع فيها كارثة في دبي.. وأضاف لي: لن تنتهي آثارها قبل عشر سنوات. غير أني أحتفظ ببقية ما قاله محمد بن عيسي الجابر حول الموضوع لأنه قال إنه ليس للنشر.
عموماً أعود للمؤلف والكتاب. محمد بن عيسي وهو سعودي مرموق.. يتحدث عن مصر وقيمتها وتأثيرها كما لو كان مصرياً مخلصاً ومتطرفاً. وهو واقعياً يري أن مصر هي الأقدر لوجستياً وجغرافياً وتاريخياً وبشرياً علي أن تكون مركز المنطقة الاقتصادي.. وأساس فكرته التي يرددها شفوياً وفي كتابه تقوم علي اهتمامه بالثقافة والتعليم.. ولن يكون غريباً أن أقول لك إنه أيضا المبعوث الدائم للأمين العام لليونسكو لشئون التسامح.. وأن لديه مؤسسة خيرية لابتعاث عدد سنوي من المواطنين العرب إلي جامعات أوروبا.. ولذا قال الدكتور مصطفي الفقي في احتفال الكتاب: هذا هو دور الارستقراطية.. أن تنفق للصالح العام من ثروتها.
الكتاب نفسه يمثل دلالة إضافية علي النظرة التي أسوقها فيما بيننا حول ضرورة الانتباه إلي التغييرات الحادثة في المجتمعات الخليجية.. باعتبار »بن عيسي الجابر« رجل أعمال ومثقفاً خليجياً وإن تعلم في بريطانيا وتخرج في جامعة لندن.. وفكرته تقوم علي مضاعفة الجهود (عامة وخاصة) لتحقيق التكامل بوجهيه (الاقتصادي والاجتماعي).. من أجل الاندماج في الاقتصاد العالمي والتعامل مع التجمعات السياسية والاقتصادية الإقليمية والدولية.
والمعني أن ابن هذه الثقافة التي كانت توصف بأنها منغلقة يسوق بالأساس لمنطق العولمة.. وأن نكون جزءاً فاعلاً منها.. وأن نشارك في بناء الحضارة الإنسانية المعاصرة.. وبجانب كونه متمسكاً حقيقياً بـ(الحكم الرشيد).. فإنه يري أن المشكلات المشتركة للبلاد العربية هي: إحلال السلام وحل القضية الفلسطينية ـ القضاء علي الفقر ـ إقامة شراكات إقليمية ومتوسطية تكاملية ـ احترام حقوق الإنسان والديمقراطية ـ حماية البيئة.
وإذا كان المؤلف يريد أن يؤكد وجود وعي شعبي ورسمي عربي بضرورة إعلان التقدم والسعي إليه والمساهمة فيه.. وأن هذا يوفر دينامية للانطلاق.. وإذا كان الكتاب يذكرني بكتاب آخر صدر في بداية التسعينيات عن مجموعة من المؤلفين والمفكرين اليابانيين عنوانه (اليابان يمكنها أن تقول لا).. أي أنها قادرة علي التحدي وأن تقوم بدورها العالمي.. فإن ما يمكن استخلاصه من الكتاب هو ثلاثة معان مباشرة وغير مباشرة:
< الأول أنه لاتقدم للعرب بدون شراكة بينهم.. والمؤلف لايستخدم تعبير (الوحدة).. وبحيث لاتقتصر الشراكة عليهم وإنما تمتد للاندماج مع غيرهم خصوصاً المتوسطيين. والمؤلف عروبي الهوي بدون شيفونية قومية.. ولكن عروبته من النوع الناضج والمؤسسي.
< إننا بصدد نوع من الرأسمالية المتطورة التي تنضج بالامتلاء الثقافي.. مال له فكر.. وقد عانينا كثيراً من المال الذي كان خاوياً.. وأعتقد أن أزمة دبي كانت نتاج مال امتلأ بفكر غير ناضج أو بفكر مغامر أو لا يستوعب حقائق الجغرافيا والديموجرافيا.
< إن هذا الكتاب هو دليل علي تغير حادث في المجتمعات الخليجية ونخبتها.. تغيرات لابد من الانتباه المصري لها.
ونكمل غداً بالطبع فلم تزل هناك عشرات من الملاحظات.
الموقع الإليكترونى: www.abkamal.net
البريد الإليكترونى: [email protected]