علي ضفاف الخليج (6) .. اعرف خصمك!
عبد الله كمال
من الطبيعي أن تصادف في الخليج.. خصوصاً في البحرين.. عدداً من المثقفين المعنيين بالشئون الإيرانية.. بل المتخصصين فيها.. ومن العادي أن تجد من يتقن اللغة الفارسية.. ولن يكون مدهشاً أن تقودك مناقشة مع أحد الزملاء إلي أن لديه إلماماً كاملاً بالجغرافيا الإيرانية.. أو أنه زار إيران أكثر من مرة لأغراض مختلفة.. وهذه ظاهرة ليست بذلك الاتساع في مصر.
السبب مفهوم.. الالتصاق الجغرافي.. والانشغال بالتهديد الإيراني.. أي التعلم بمنطق اعرف عدوك.. وارتفاع عدد الشيعة.. وهم في الأغلب يتعلمون الفارسية.. والأعمال التجارية. لكن وليعذرني الأشقاء في الخليج.. وعلي أهمية هذه القدرات إلا أنها متناثرة.. وغير متركزة مؤسسياً.. كما أنها لا تمثل تياراً معرفياً.. وهي في كثير من الأحيان تفتقد الرؤية الاستراتيجية التي تتجاوز حدود الخوف المفهوم من التهديد الإيراني.. بمعني أنك تجد مثقفاً علي اطلاع بطبيعة التفكير الديني الفارسي.. وتجد صحفياً علي معرفة بمجريات الأمور الإيرانية من الداخل.. لكنك لا تجد تفكيراً مجتمعياً مثمراً يحدد الرؤية من إيران.. ولو علي مستوي النخبة.
وفي مصر وعي استراتيجي بالتهديد الإيراني.. وإدراك لحتمية الصراع السلمي تاريخياً.. وخطورة التوسع المهيمن سياسياً من قبل الفرس.. ولكنك لا تجد من لديه القدرة علي التخصص في الشأن الإيراني لغة وثقافة وعقيدة.. بحيث تستطيع أن تقول: إن هؤلاء يمكن الاعتماد عليهم في استيعاب إيران إجمالاً.. بالمفهوم الشامل.
طبعاً أنا لا أتحدث هنا عن الدبلوماسيين أو عن كوادر الأمن في الأجهزة المعنية.. ولا أريد أن أتوقف عند اسم أو اثنين أو ثلاثة من المطلعين أصحاب الإلمام.. كما لا أعني بما أقول عدداً من أساتذة اللغات الشرقية وآدابها.. فأغلب هؤلاء يقفون عند حدود لا علاقة لها بعمق التيار المعرفي الذي نحتاجه لمواجهة التحدي الفارسي.
ولا يمكن أن تبني تياراً معرفياً بين يوم وليلة.. في حين أننا نحتاجه حالاً.. ولا بد من توافره الآن.. لأن إيران تستوجب مواجهة منا لتحديها.. والمواجهة لا يمكن أن تكون سياسية وأمنية فقط.. ولكي تكون مواجهة استراتيجية فإن العناصر لا بد أن تتكامل.. ثقافة وعقيدة وتاريخاً ولغة وفناً وقوة ومؤسسات واقتصاداً ومتغيرات مجتمعية وخصائص سكانية.
وبالتالي فإنني أعتقد أن علينا أن نتشارك.. مؤسسات المعرفة في مصر مع مؤسسات مناظرة في الخليج.. نمزج كوادرنا في كيانات علمية.. بيوت تفكير مشتركة.. تتفاعل وتتعامل وتدرس هذا الكائن الذي يريد أن يفرض سطوته علي منطقتنا.. تفهمه وتعرف أبعاده.. وعمق التغيير فيه.. وقدرة المؤسسة التي تديره علي استيعابه.. ومستقبلها.. ومدي إيمان الشعب بولاية الفقيه.. وحجم تيارات الإصلاح.. ببساطة كل شيء.. هذا كفيل بألا يبقي المواجهة نخبوية.. وأن يضع من يقولون: إن هناك ضرورة للتعاون والحوار مع (الأشقاء في فارس).. في حدودهم الحقيقية.. إن كانت ضيقة أو واسعة.
وإذا كان هذا جائزاً مع الخليج فيما يخص إيران.. فإننا مصرياً في حاجة إلي مزيد من التوسع المعرفي بخصوص قوتين إقليميتين أخريين.. أقصد تركيا وإسرائيل.. وأعتقد أننا مجتمعياً لا نعرف تركيا حتي لو كنا نعرفها تاريخياً.. وأظن أن رصيدنا المعرفي حول إسرائيل يتناقص.. ولا أقصد هنا مجدداً ما يعرفه الدبلوماسيون والأجهزة الأمنية.. وإنما الخبرات المجتمعية والعلمية في شئون إسرئيل كلها.. فلا نكون أسري الأيديولوجيين الذين يرفضون الآخر لمجرد أنهم يرفضونه.. ولا نصبح أسري المعجبين الذين يسوقون بيننا إسرائيل علي أنها قوة معرفية وتكنولوجية لن تقهر أبداً.
هذه مسئولية الجامعات والمجتمع المدني بالأساس.. وتقتضي انتباهاً.. وتستوجب تركيزاً وفهماً.. ومن ثم أعود إلي ما يمكن أن يكون أيسر.. وما يجب أن يكون قريباً.. أي التعاون مع دول الخليج في أعمال بحثية وصحفية وعلمية لاستيعاب حقائق إيران ومجتمعها.. لا سيما إذا كنا معنيين بصورة صريحة بأمن الخليج ونؤمن تمام الإيمان بتأثيره علي الأمن في البحر الأحمر وعلي الأمن القومي المصري مباشرة.
وأكتفي بهذا القدر من ملاحظاتي علي ضفاف الخليج.
الموقع الإليكترونى: www.abkamal.net
البريد الإليكترونى: [email protected]