الإثنين 6 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

علي ضفاف الخليج (6) .. اعرف خصمك!




من الطبيعي أن تصادف في الخليج‮.. ‬خصوصاً‮ ‬في البحرين‮.. ‬عدداً‮ ‬من المثقفين المعنيين بالشئون الإيرانية‮.. ‬بل المتخصصين فيها‮.. ‬ومن العادي أن تجد من يتقن اللغة الفارسية‮.. ‬ولن يكون مدهشاً‮ ‬أن تقودك مناقشة مع أحد الزملاء إلي أن لديه إلماماً‮ ‬كاملاً‮ ‬بالجغرافيا الإيرانية‮.. ‬أو أنه زار إيران أكثر من مرة لأغراض مختلفة‮.. ‬وهذه ظاهرة ليست بذلك الاتساع في مصر‮.‬
السبب مفهوم‮.. ‬الالتصاق الجغرافي‮.. ‬والانشغال بالتهديد الإيراني‮.. ‬أي التعلم بمنطق‮ ‬اعرف عدوك.. ‬وارتفاع عدد الشيعة‮.. ‬وهم في الأغلب يتعلمون الفارسية‮.. ‬والأعمال التجارية‮.‬ لكن وليعذرني الأشقاء في الخليج‮.. ‬وعلي أهمية هذه القدرات إلا أنها متناثرة‮.. ‬وغير متركزة مؤسسياً‮.. ‬كما أنها لا تمثل تياراً‮ ‬معرفياً‮.. ‬وهي في كثير من الأحيان تفتقد الرؤية الاستراتيجية التي تتجاوز حدود الخوف المفهوم من التهديد الإيراني‮.. ‬بمعني أنك تجد مثقفاً‮ ‬علي اطلاع بطبيعة التفكير الديني الفارسي‮.. ‬وتجد صحفياً‮ ‬علي معرفة بمجريات الأمور الإيرانية من الداخل‮.. ‬لكنك لا تجد تفكيراً‮ ‬مجتمعياً‮ ‬مثمراً‮ ‬يحدد الرؤية من إيران‮.. ‬ولو علي مستوي النخبة‮.‬

وفي مصر وعي استراتيجي بالتهديد الإيراني‮.. ‬وإدراك لحتمية الصراع السلمي تاريخياً‮.. ‬وخطورة التوسع المهيمن سياسياً‮ ‬من قبل الفرس‮.. ‬ولكنك لا تجد من لديه القدرة علي التخصص في الشأن الإيراني لغة وثقافة وعقيدة‮.. ‬بحيث تستطيع أن تقول‮: ‬إن هؤلاء يمكن الاعتماد عليهم في استيعاب إيران إجمالاً‮.. ‬بالمفهوم الشامل‮.‬

طبعاً‮ ‬أنا لا أتحدث هنا عن الدبلوماسيين أو عن كوادر الأمن في الأجهزة المعنية‮.. ‬ولا أريد أن أتوقف عند اسم أو اثنين أو ثلاثة من المطلعين أصحاب الإلمام‮.. ‬كما لا أعني بما أقول عدداً‮ ‬من أساتذة اللغات الشرقية وآدابها‮.. ‬فأغلب هؤلاء يقفون عند حدود لا علاقة لها بعمق التيار المعرفي الذي نحتاجه لمواجهة التحدي الفارسي‮.‬

ولا يمكن أن تبني تياراً‮ ‬معرفياً‮ ‬بين يوم وليلة‮.. ‬في حين أننا نحتاجه حالاً‮.. ‬ولا بد من توافره الآن‮.. ‬لأن إيران تستوجب مواجهة منا لتحديها‮.. ‬والمواجهة لا يمكن أن تكون سياسية وأمنية فقط‮.. ‬ولكي تكون مواجهة استراتيجية فإن العناصر لا بد أن تتكامل‮.. ‬ثقافة وعقيدة وتاريخاً‮ ‬ولغة وفناً‮ ‬وقوة ومؤسسات واقتصاداً‮ ‬ومتغيرات مجتمعية وخصائص سكانية‮.‬

وبالتالي فإنني أعتقد أن علينا أن نتشارك‮.. ‬مؤسسات المعرفة في مصر مع مؤسسات مناظرة في الخليج‮.. ‬نمزج كوادرنا في كيانات علمية‮.. ‬بيوت تفكير مشتركة‮.. ‬تتفاعل وتتعامل وتدرس هذا الكائن الذي يريد أن يفرض سطوته علي منطقتنا‮.. ‬تفهمه وتعرف أبعاده‮.. ‬وعمق‮ ‬التغيير‮ ‬فيه‮.. ‬وقدرة المؤسسة التي تديره علي استيعابه‮.. ‬ومستقبلها‮.. ‬ومدي إيمان الشعب بولاية الفقيه‮.. ‬وحجم تيارات الإصلاح‮.. ‬ببساطة كل شيء‮.. ‬هذا كفيل بألا يبقي المواجهة نخبوية‮.. ‬وأن يضع من يقولون‮: ‬إن هناك ضرورة للتعاون والحوار مع‮ (‬الأشقاء في فارس‮).. ‬في حدودهم الحقيقية‮.. ‬إن كانت ضيقة أو واسعة‮.‬

وإذا كان هذا جائزاً‮ ‬مع الخليج فيما يخص إيران‮.. ‬فإننا مصرياً‮ ‬في حاجة إلي مزيد من التوسع المعرفي بخصوص قوتين إقليميتين أخريين‮.. ‬أقصد تركيا وإسرائيل‮.. ‬وأعتقد أننا مجتمعياً‮ ‬لا نعرف تركيا حتي لو كنا نعرفها تاريخياً‮.. ‬وأظن أن رصيدنا المعرفي حول إسرائيل يتناقص‮.. ‬ولا أقصد هنا مجدداً‮ ‬ما يعرفه الدبلوماسيون والأجهزة الأمنية‮.. ‬وإنما الخبرات المجتمعية والعلمية في شئون إسرئيل كلها‮.. ‬فلا نكون أسري الأيديولوجيين الذين يرفضون الآخر لمجرد أنهم يرفضونه‮.. ‬ولا نصبح أسري المعجبين الذين يسوقون بيننا إسرائيل علي أنها قوة معرفية وتكنولوجية لن تقهر أبداً‮.‬

هذه مسئولية الجامعات والمجتمع المدني بالأساس‮.. ‬وتقتضي انتباهاً‮.. ‬وتستوجب تركيزاً‮ ‬وفهماً‮.. ‬ومن ثم أعود إلي ما يمكن أن يكون أيسر‮.. ‬وما يجب أن يكون قريباً‮.. ‬أي التعاون مع دول الخليج في أعمال بحثية وصحفية وعلمية لاستيعاب حقائق إيران ومجتمعها‮.. ‬لا سيما إذا كنا معنيين بصورة صريحة بأمن الخليج ونؤمن تمام الإيمان بتأثيره علي الأمن في البحر الأحمر وعلي الأمن القومي المصري مباشرة‮.‬

وأكتفي بهذا القدر من ملاحظاتي علي ضفاف الخليج‮.‬
 
الموقع الإليكترونى: www.abkamal.net

البريد الإليكترونى:   [email protected]