السبت 4 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
وقفة جادة وصريحة مع النفس(1)
كتب

وقفة جادة وصريحة مع النفس(1)




 


 كرم جبر روزاليوسف اليومية : 28 - 01 - 2010



لاتستقبلوهم.. مصر ليست مسرحاً للأوغاد


1


وقفة جادة وصريحة مع النفس، تقتضي أن نصارح أنفسنا في شأن لجنة الحريات الدينية التي جاءت إلي مصر، بينما صنوف من رجال الوطن قبلوا أن يمثلوا أمامها، مثل المتهمين.


العزة والفخر، لكل من رفض أن يلتقي هذه اللجنة، وأشيد هنا - أيضا - بفضيلة مفتي الديار المصرية، وإن كنت أتمني منه أن يقول لهم ارحلوا من بلادنا.. بدلاً من أن يتذرع بأن السبب هو ضيق الوقت.
اللوم والنقد لكل من سمح لنفسه أن يستقبل اللجنة، أيا كانت حججه وذرائعه، واللوم والنقد - أيضا - لمن سمح لهم بالحضور إلي مصر، فبلادنا ليست مسرحاً للأوغاد.
2
جاءت اللجنة إلي مصر لتسكب مزيداً من الزيت فوق النار، في وقت يعاني فيه الوطن جرحاً عميقاً، بسبب الاعتداء الآثم علي الأقباط في نجع حمادي.
جاءت اللجنة لتوحي للأقباط بأنها تسعي لنجدتهم وإنقاذهم وحمايتهم، وكلها مزاعم كاذبة تضرب التسامح الوطني في مقتل وتسيء إلي صورة هذا الوطن.
جاءت اللجنة ومعها أجندة واسعة، بلقاءات عديدة مع شخصيات من الرسميين والمحتقنين والمهيجين، كلهم في سلة واحدة، ولا فرق.
3
جاءت اللجنة إلي مصر، بينما مظاهرات الأقباط في الخارج تعطي إيحاءً بأن المجازر مستمرة بالليل والنهار، وكأن الأقباط محاصرون ويتعرضون للقتل والسلب والنهب.
جاءت اللجنة لتأخذ ممن تقابلهم اعترافات بالاضطهاد وسوء المعاملة التي يعانيها الأقباط.. جاءت من أجل هذا وليس من أجل شيء آخر.
وطبعاً، كل متفلسف يجلس مع اللجنة، إما أن يهاجم بلده أو يشوه صورته، أو يتحدث حديثاً نظرياً عن التسامح والمحبة، وكأنه يعمل علي هداية اللجنة وأسلمتها.
4
واأسفاه، علي رجال ومناضلين وحنجوريين يملأون الدنيا صراخاً وصياحاً، قبلوا أن يجلسوا أمام أعضاء اللجنة، يقدمون فروض التفريط في الكرامة الوطنية.
واأسفاه، علي من يهرولون للحصول علي الشرف الرفيع بالجلوس مع أعضاء اللجنة، ثم يخرج ويتباهي بأنه قال لهم كذا وكذا.. إنها الكرامة المقلوبة التي أشرف منها الخزي والمذلة.
واأسفاه، علي من يتصور أن أمريكا جاءت من أجله، دون أن يدري أن لجنتها المشئومة ليست إلا ذريعة للتدخل في شئون البلاد وفرض وصايتها.
5
وقفة جادة وصريحة مع النفس.. وليغضب من يغضب، لأن بعضنا لايدرك الفرق بين التفريط في الكرامة، وبين الدفاع الشرعي عن الحقوق الوطنية في السيادة.
الذين جاهروا برفض اللجنة لم يعاقبهم أحد، بل حصلوا علي وسام الاحترام من المصريين، الاحترام الذي هو أرفع بكثير من التدليس والتذلل والنفاق.
الاحترام الذي يجعل الإنسان متمسكاً بالحق والعدل، ولا يجد لنفسه مبررات وأسانيد كاذبة، ليجمل فعلا كان من الأحري به أن يرفضه ويدينه.
6
جاءت اللجنة إلي مصر، ترقص علي أنغام الغضب الكاذب لبعض الأقباط، الذين يضخمون مما حدث في نجع حمادي، ويهولون من حجمه.
نعم.. نفوس الأقباط مشحونة بالانفعال، وكأنهم كانوا ينتظرون مثل هذا الحادث لينفجروا.. ولكن علينا أن نسأل أنفسنا بهدوء: ينفجرون في وجه من؟
ينفجرون في وجه الدولة المصرية التي توفر لهم أقصي درجات الحماية، لدرجة أن بعض المسلمين يتهمون أجهزة الأمن بمحاباة الأقباط وممالأتهم؟
7
وقفة جادة وصريحة مع النفس، تقتضي أن نقول إن مظاهرات الأقباط في بعض العواصم في أوروبا وأمريكا هي خيانة لهذا الوطن، وطعنة غادرة في الظهر.
قادة هذه التظاهرات لاتحركهم نوازع مصرية، ولا خوف علي الأقباط، ولكنهم يتحركون وفق أجندة تآمرية، ويدينون بالولاء لمن يدفع لهم ويحرضهم.
من يشاهدهم وهم يحملون الصلبان، ويصرخون كالمهاويس أمام الكاميرات، يتخيل أن مصر في حالة حرب طرفاها المسلمون والأقباط، وأنها تحتاج تدخلاً دولياً.
8
تعالوا إلي نجع حمادي، إلي أسيوط والمنيا والإسكندرية وسوهاج وغيرها.. انزلوا إلي الناس في الشوارع، اكتبوا وصوروا الحياة الآمنة والسلام الاجتماعي الذي يخيم علي البلاد.
تعالوا ليس كمحرضين أو أعضاء في لجنة الشئون الدينية الأمريكية.. ولكن كباحثين عن الحقيقة التي تقول إن مصر بخير وشعبها بخير رغم الحادث الإجرامي البشع. مصر لاتحتاج لجان تقصي حقائق، ولكن تحتاج عيوناً أمينة وعادلة، لاتهول ولا تشعل النيران، لجان من أبناء مصر في الخارج الذين هم أكثر الناس خوفاً علي بلدهم.
9
وقفة جادة وصريحة مع النفس.. رئيس الدولة المصرية هو الذي طلب من المصريين ذلك، وأول خطوة هي أن نحترم كرامتنا حتي يحترمنا الآخرون.
أقباط مصر لن تحميهم أمريكا ولا لجنتها المشئومة ولا مظاهرات المهاويس، ولكن تحميهم هويتهم الوطنية كأصحاب لهذا البلد مثلهم مثل المسلمين.
نعم.. نحن في حاجة ماسة إلي إعادة فتح كل الملفات التي أدت إلي هذه الأجواء المشحونة بالغضب والاحتقان، ولكن علي أرضية مصرية.


E-Mail : [email protected]