الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

حديث المناظرات




سوف أعود إلي تحليل نتائج الفوز الكاسح للأستاذ الكبير مكرم محمد أحمد بعد وقت قليل‮.. ‬فالفوز والأسبوع الذي سبقه‮.. ‬بعد جولة الإعادة‮.. ‬في التمهيد للانتخابات شهد الشيء الكثير‮.. ‬الذي‮ ‬يحمل دلالات متنوعة‮.. ‬لكنني أريد أن أتطرق اليوم إلي موضوع مهم أعادته تلك المعركة الانتخابية إلي السطح‮.. ‬وكان مطروحا في مرات سابقة‮.. ‬ألا وهو‮ (‬التناظر بين المرشحين‮) ‬في أي انتخابات سواء كانت في الصحفيين أو‮ ‬غيرها‮.‬

ويعتقد كثير من المرشحين في مصر أن لقاء في أي برنامج سوف‮ ‬يؤدي إلي نوع من الخسران المريع لأي مرشح آخر‮.. ‬اعتمادًا علي أن الحوار التليفزيوني قد‮ ‬يكون مجرد‮ (‬هلفطة‮) ‬و(مباكسة‮) ‬وبعض الاستعراض في التنابز بالكلمات‮.. ‬والكثير منهم‮ ‬يظن أن المناظرة ليست سوي حلقة في برنامج الاتجاه المعاكس‮.. ‬لكن الأمر‮ ‬غير ذلك في الواقع‮.‬

والمناظرات التي‮ ‬يستوحي منها الكثيرون اقتراحات الرغبة في إجرائها بين المتنافسين في مصر هي تلك التي تجري في الانتخابات الأمريكية‮.. ‬ثلاث مرات‮.. ‬بعد نضج العملية الانتخابية‮.. ‬واقترابها من الحسم‮.. ‬وهذه المناظرات الأمريكية لها قواعد محددة‮.. ‬ولجنة تنظمها‮.. ‬وتراجع قواعدها قبل كل انتخابات‮.. ‬وهناك من‮ ‬يقول إن بعض المرشحين المتنافسين‮ ‬يوقعون بروتوكولات سرية فيما بينهم تحدد ما سوف‮ ‬يجري في المناظرة بينهم‮.‬

وأهم قاعدة في المناظرات الأمريكية هي أنها لا تجوز إلا بين من حصل علي قدر معين من الأصوات‮.. ‬أي أنه لا‮ ‬يستحق أي مرشح أن‮ ‬يدخلها في المطلق لمجرد أنه وقع استمارة ترشيح‮.. ‬ولذا لا‮ ‬يدخلها عادة المرشح الثالث لأنه‮ ‬غير مؤهل لها‮.. ‬وفي بعض المرات اشترطت اللجنة أن‮ ‬يحصل كل مرشح علي‮ ‬270‮ ‬صوتا من مجموع أصوات الهيئات الانتخابية قبل أن‮ ‬يدخل المناظرة‮.. ‬لا‮ ‬يمكن بالتالي أن‮ ‬يكون هناك مرشح من حزب شديد القوة‮ ‬يقبل مناظرة مرشح حزب ضعيف‮.. ‬وفي هذا السياق تتدخل استطلاعات الرأي‮.. ‬وهي صناعة علمية موثوق فيها في الولايات المتحدة‮.‬

المناظرة في الأساس هي عمل سياسي منظم وله ضوابط‮.. ‬ينقل تليفزيونيًا في حضور الجمهور أو عدم حضوره‮.. ‬والمعني أنها ليست برنامجًا تليفزيونيا‮.. ‬للصراع أمام الجمهور‮.. ‬حيث تطرح مذيعة أو مذيع مجموعة من الأسئلة التي قد تلتف علي هذا وتحابي ذاك‮.. ‬بل تدار بحياد تام‮.. ‬ويكون من حق كل متناظر أن‮ ‬يجيب في وقت محدد‮.. ‬يساوي الوقت الذي أتيح للآخر‮.. ‬ولا‮ ‬يمكن له أن‮ ‬يستخدم أي تعبيرات خارجة أو ألفاظ نابية‮.. ‬ببساطة لأنه لا‮ ‬يمكنه ذلك ليس تأدبًا وإنما لأن الوقت لا‮ ‬يسمح بمثل هذه الألعاب‮.‬

والأهم أن المناظرة لها في كل مرة موضوع بعينه‮.. ‬يتم طرح أسئلة فيه كل منها‮ ‬يتناول أمرًا محددًا‮.. ‬والسؤال‮ ‬يطرح بنفس الصيغة علي المتناظرين‮.. ‬ويكون الوقت ضيقا بينما الموضوعات عريضة جدًا‮.. ‬ومن ثم فإن فريق كل مرشح‮ ‬يعكف أسابيع علي أن‮ ‬يختار للمرشح ما سوف‮ ‬يقوله ويعبر عن برنامجه وأفكاره‮.. ‬بصورة مقتضبة ومؤثرة‮.. ‬ونحو الهدف‮.. ‬وبدون ألاعيب شخصية‮.. ‬أو اتهامات للآخر‮.. ‬فهذا ليس موضوع الحوار‮.‬

وبالتالي فالمسألة مختلفة تماما عما‮ ‬يتصوره الكثيرون في مصر‮.. ‬وهي عمل‮ ‬يقتضي استعدادًا‮.. ‬ويفترض أن لدي كل مرشح برنامجًا واضحًا ومحددًا‮.. ‬وموضوعًا‮ ‬يدافع عنه‮.. ‬وسياسات واقعية‮.. ‬ولا أعتقد أن كثيرًا من المرشحين في كثير من الانتخابات التي جرت في مصر خلال السنوات الماضية كانت لديه هذه القدرات وتلك المواصفات‮.. ‬بدليل أنه حتي حين ظهر كل مرشح معارض بمفرده في الانتخابات الرئاسية علي شاشة التليفزيون لم‮ ‬يؤثر في الجمهور‮.. ‬حتي وهو لا‮ ‬يواجه ضغوطا من المقارنة مع الآخرين‮.. ‬والشاشة ملك له وحده‮.‬

فهل تشهد الانتخابات الرئاسية المقبلة مناظرات من هذا النوع في مصر؟‮.. ‬الأمر‮ ‬يتوقف علي مستجدات الأمور‮.. ‬والأهم من هم المرشحون‮.. ‬وهل سيكون هناك تقارب فيما بين اثنين فيها بحيث‮ ‬يؤدي ذلك إلي وجوبية المناظرة‮.. ‬والتقارب معناه الشعبية والبرنامج الذي‮ ‬يطرحه كل شخص وقدرة حزبيهما؟

البريد الإليكترونى: www.abkamal.net

الموقع الإليكترونى: [email protected]