شهداء الشرطة
عبد الله كمال
انتبهت ملياً إلي اقتراح زميلة في "روزاليوسف" الأسبوعية إعداد تحقيق عن توالي سقوط عدد من شهداء الشرطة في المعارك ضد الجريمة، وطلبت منها أن تضفي عليه مزيجا من الأبعاد الأمنية والإنسانية. لكنني قررت السطو المعنوي علي الفكرة من ناحيتي دون أن أبخس زميلتي حقها.
أذكر جيداً أنني كتبت قبل أعوام مانشيتاً مؤثراً في عيد الشرطة تعليقا علي صورة لطفلة يتيمة مات أبوها الضابط كان يكرمها الرئيس ووضعت عنواناً يقول (رحم الله أباك).. ولكن المعني المؤلم يتكرر وصار علينا أن نترحم علي أكثر من أب ضابط.
في العام الماضي تكررت هذه النوعية من الحوادث الخطيرة. ضابط كبير أو صغير يخرج إلي مهمة.
فلا يعود إلا بعد أن تكون قد استقرت في صدره أو رأسه طلقة رصاص. وعلي الرغم من أننا لا نعيش عصر الإرهاب.. إلا أننا نعيش عصر البلطجة.. وعصر اجتراء الإجرام والمجرمين. فيما مضي كان لدي المجرمين بعض الخشية والخوف من ارتكاب هذا الفعل.. دائما كان المجرم يفر.. فإذا ما حوصر كان أن أطلق النار.. الآن هم يبادرون بإطلاق النار.
العمل الأمني أصبحت خطورته أكبر مما كانت عليه. وكنت أستطيع أن أستوعب أن تاجر مخدرات يدرك أنه لو ضبط سيذهب إلي حبل المشنقة فإنه يقاوم بأن يطلق النار. لكن ما أزعجني قبل أيام أن ضابطا في شرطة المسطحات المائية خرج ليواجه مجموعة تعديات علي أراض في النيل.. فلقي الرصاص الذي أرداه قتيلا.. الجريمة تزداد شراسة.. والمجتمع يتغير.. ويذهب إلي آفاق قاسية.
وبخلاف هذا التحقيق الذي سننشره فإنني لم أقرأ أي مساندة للجهاز الأمني أمام تلك الظواهر الجديدة. أباطرة الإعلام مشغولون بما هو أهم من وجهة نظرهم.. بأي صخب له علاقة بمصالح رجال الأعمال.. وبأي افتعال ضد الحكم.. بأي طنطنة لصالح جماعات احتجاجية أو محظورة.. والأخطر:
قدر هائل من التشويه في حق رجال الشرطة الذين أصبحت ظهورهم مكشوفة إعلامياً وصحفياً.. أي منهم إذا أخطأ صبوا جام الغضب علي الجهاز الأمني كله.. أما إذا قتل واستشهد أثناء تنفيذ القانون فإنه لا يعار اهتماما.
وقد أذهب بعيدا وأقول: إن بعضا من أسباب الاجتراء له علاقة بهذه الحملة الشعواء المستمرة التي يتم شنها علي جهاز الشرطة منذ أربع سنوات.. كثير من البلطجية وجدوا أنفسهم في حماية صحف ومدونين ومحطات تليفزيون دافعت عنهم وناصرتهم تحت شعارات حقوق الإنسان.. ولا أرغب في أن أعبر عن خشيتي من أن هذا قد يؤدي إلي ارتعاش يد الشرطة.. ولا يعني ما أقول هنا أنني ضد حقوق الإنسان.. فالواجب دائما علي كل رجل أمن أن يلتزم حدود القانون في عمليات الضبط والتحقق والاستجواب والاحتجاز.
إن أول الخاسرين من هذا الذي يجري هو المجتمع الذي يريد أمنا وحماية ومكافحة للجريمة.. في نفس الوقت الذي يريد فيه التزاما بحقوق الإنسان. ومن المدهش أن بعض الإعلاميين لو سرق منه شيء فإنه يطالب الشرطة بأن تمارس ما في وسعها من ضغوط لكي تستعيد له مسروقاته ممن اشتبه بهم. لكن هؤلاء أنفسهم هم الذين يلاحقون جهاز الشرطة بالاتهامات.
هؤلاء الشهداء.. كانوا في مهام عمل.. يقومون بها علي مدار الساعة لكي نعيش في أمان.. وبالتأكيد لم نكن لنسمع شيئا عن مجهودهم لو عادوا إلي مكاتبهم ومقراتهم سالمين. لكن الخبر الصغير أصبح يتكرر وتجده حتي خارج الصفحات الأولي لأنه أصبح معتاداً: مصرع ضابط أطلق عليه أحد المجرمين رصاصاً أثناء ملاحقته.
هؤلاء الشهداء يتركون خلفهم عائلات ثكلي. لن تعوضها معاشات استثنائية ولا رتب شرفية.
وراءهم أيتام.. وأرامل.. لن يطعمهم التكريم.. ولن يستعيدوا من فقدوا بمقال يتحسر علي زيادة حالات الاستشهاد.. وسوف يبقي ذنبهم معلقاً في رقبة كل صاحب قلم وكل مذيع لا يتواني عن أن ينجرف في اتجاه حملات مشبوهة ضد جهاز الأمن.
إن علينا أن نحمي حقوق الإنسان. وأن نصون كرامة أي متهم. لكننا لابد أن ندعم ونعضد جهاز الشرطة في مهمته ودوره.. وألا نكشف ظهره أمام الإجرام.. فهو في الأصل يخرج مكشوف الصدر ضد البلطجة والجرائم التي تزيد بفعل المتغيرات الاجتماعية المتنوعة.. فانتبهوا أيها السادة.
الموقع الإليكترونى: www.abkamal.net
البريد الإليكترونى: [email protected]