عاصفة الزبالة !
عبد الله كمال
دعنا من موضوع عزبة الهجانة، ومسئولية محافظة القاهرة المتكاسلة المتراخية عن نشوء المشكلة وتراكمها، تماما كما كتبت من قبل عن منطقة مماثلة في المنصورة تضخمت إلي أن أصبحت مأزقًا بعد أن صارت واقعًا، وتمامًا كما توجد مجموعة هائلة من العمارات إلي جانب المحكمة الدستورية في المعادي بنيت بدون ترخيص.. وأغلبها نشأ في عصر المحافظ الحالي عبدالعظيم وزير.. وفي غيبة تطبيقه للقانون.
دعك من هذا وسوف أكلمك عما جري للقاهرة أمس الأول. (شوية تراب) عكروا زبالتها.. وحولوها إلي مقلب مبعثر ضخم.. ذلك أن العواصف المفاجئة قد كشفت أن القمامة في كل مكان.. متناثرة في الشوارع.. نعيش إلي جانبها وفي قلبها.. تهنأ بالاستقرار في الأجناب والأركان.. فلما هبت الريح كان أن وجدت في وجهك أكياس البلاستيك.. وسدت الأوراق مداخل العمارات.. وتلاطمت القاذورات بزجاج السيارات.. بينما يختنق الناس بالأتربة.
كما أن (شوية ميه) سوف تأتي بعد أيام في موسم الأمطار وتكشف عورات القاهرة مجددًا.. وكما هي العادة السنوية.. حين تتحول الطرق إلي بحيرات تتعثر سيارات النزح في أن تجد لها حلاً.. وتجد مجموعة من العمال البسطاء حياري في عز البرد لا يعرفون كيف يتصرفون مع هذه المياه التي لم تحتسب لها سلطات المحافظة.. ولا تنوي.
أي عارض يمكن أن يكشف العاصمة. بل وأي بحث في شئون مستقرة سوف يظهر مجموعات هائلة من الفضائح. مد يدك إلي قلب أي حي.. المخالفات التي لا ينشغل بها أحد بالأكوام. كما لو أنها تشبه أكوام الزبالة. محلات بدون ترخيص. أبنية صعدت بدون أن يمانعها أحد. بل لعلها تترك لتبني حتي تكون بابا للفساد والإفساد. شوارع تضج بالباعة الجائلين. وزارات محاصرة بمفترشي الأرض. مطبات لم يعد الناس يسألون متي يمكن أن تصبح مستوية. شوارع مخنوقة دون أن يفكر لها المحافظ وفريقه في حل. بل وأماكن تتبع المحافظة هي في حد ذاتها عناوين لمخالفات صريحة للقانون وعمليات التنظيم المفترضة.
كثير من هذا الذي لا يعد ولا يحصي. وفجأة تجد المحافظة، أو أحد أحيائها، منشغلة بأن تخلع بلاط رصيف لا يحتاج تغييرا.. كما لو أنها تنقب عن الذهب في بطون شوارع لا يفترض أن تكون في الأولويات. وتتحول الشوارع إلي مناجم مفتوحة.. ويتغير البلاط الذي "يتشطر" عليه مسئولو الأحياء.. ويعودون إليه بعد وقت قصير لكي يبدلوه.. لا تعرف لماذا.
إن علي محافظ القاهرة أن يخجل وهو يدير العاصمة بطريقة الموظفين. تسيير أعمال. وبضعة تصريحات. وبضع جولات. ثم عدد جديد من التصريحات. ويا حبذا لو كانت في هذه الصحيفة الخاصة أو تلك. ثم تنفجر مشكلة فجأة.. تركها هو وجهازه المحلي تتراكم.. وتصبح بفعل كونها في العاصمة مشكلة دولة.. ومعاناة حكومة.. ووسيلة لانتقاد الحكومة في نفس الصحف الخاصة التي ترصعها تصريحات المحافظ الرتيب.
بعض المحافظين متوقدون. لديهم رؤية. قد تعوقهم الإمكانيات. لكنهم يحاولون والناس تشعر أنهم يحاولون. لكن عبدالعظيم وزير لا يفعل.
كان هو وغيره يشكون من ضخامة المحافظة. فاقتطعوا منها هنا وهناك لمحافظات نشأت لتخفيف مشكلة القاهرة. ولم تظهر نتيجة واضحة في العاصمة. ولم يشعر المواطن بالفرق.. اللهم إلا إذا كان قد قل عرض النطاق الجغرافي للجولات الوردية للسيد المحافظ.
وقد كتبت من قبل إنه وغيره ممن سبقوه محافظون محظوظون.. لأن القاهرة تتمتع بكل خدمات الحكومة.. ومشروعات عديدة تصب في اتجاهها مباشرة. لا تنتظر ميزانية ولا تعرقلها علاقة السلطة المركزية بالمحافظات الفرعية.. ولكن هذا الحظ السعيد يتلاشي علي أعتاب الكسل وغيوم الرؤية وقلة الحماس والروتينية في المحافظة التي تثق أن أحدًا لا ينتبه إلي ما تفعل ولا تحاسب.. بينما هي تتعلق بحياة 15 مليون نسمة. ما يقترب من خمس البلد.
ولابد أننا نلحظ أن هناك أمرًا يتعلق بمحافظ العاصمة نفسه. فقد كان من قبل محافظا لدمياط. ولكن دمياط لم تتألق بالصورة التي عليها الآن.. إلا حين تولاها المحافظ الحالي محمد فتحي البرادعي.. وبالتالي فقد تكون المشكلة في أداء عبدالعظيم وزير نفسه.. الذي أتمني أن أعرف أين اختبأ من أتربة وقمامة القاهرة حين انكشفت أمام (شوية تراب)!
الموقع الإليكتروني: www.abkamal.net
البريد الإليكتروني : [email protected]