السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

مذكرات السادات (2) قال لي.. وقلت له!




كما لو أنني الذي كتبت ما قاله الرئيس السادات عن محمد حسنين هيكل في مذكراته.. أنا وصفته من قبل بأنه (ألعبان).. ولكنني ـ ولا توجد مقارنة بيني وبين الرئيس الراحل ـ اقتبست بالأمس من مذكرات السادات وصفه لأساليب هيكل بالسفالة واللا أخلاقية.. مالي أنا إذن لكي يثور البعض ضدي.. ويكتبوا تعليقات معترضة وشتائم.

هذا توصيف رئيس عرفه وعاشره واختبره وقربه.. وحين اكتشف حقيقته أبعده.. وقال عنه: إنه كان يتكلم عن حرب لم يعرف عن تعقيداتها شيئاً.. وقال عنه: إنه أحد الذين كتبوا خطاب النصر في مجلس الشعب يوم 16 أكتوبر 1973 ثم ذهب إلي بيروت يقول: إن الحرب كانت خمسة أيام لنا وخمسة أيام لهم (الإسرائيليين) وخمسة أيام تائهة.

وحين أقرأ هذا الكلام الآن أظن أن هيكل كان يريد بيننا وبين إسرائيل مباراة فاصلة جديدة لحسم المباراة التي تخيلها!

المشكلة أن البعض يقدس هيكل.. ويظنه لا ينطق عن الهوي.. بينما كله هوي.. هو الهوي ذاته.. وقراءته للتاريخ ـ ولا أقول روايته ـ شخصية.. وتقوم علي حسابات ذاتية.. وتصفية معارك لا علاقة لها بالحقيقة.. وكل محاولاته للنيل من نصر أكتوبر ليس لأنه يريد أن يقول معلومة يعتقد في صحتها وإنما لأنه يريد أن يمتهن ويهين السادات ويسحب منه قيمة انتصاره ويشوه تاريخه.

الموضوع واضح جداً.. هيكل وضع لنفسه ثأراً ضد السادات.. لأنه أزاحه من فوق كنز احتكار معلومات مصر.. انتهت بذلك أسطورة الصحفي الوحيد.. أطاح السادات ببناء السمعة الوهمي.. أدرك هيكل أنه بمضي الوقت سوف ينكشف.. فراح يسيء إلي الرئيس الراحل وكل ما يتعلق به.. من أول لون بشرة أم الرئيس إلي نوع انتصار الرئيس.. السادات أراد أن يغير.. أن يجعل البلد مؤسسياً.. أن ينوع مصادر تفاعله مع الناس فلا يكون حبيساً لسجن هيكل كما كان عبدالناصر.. وتلك في هوي هيكل خطيئته.. إن السادات مس قداسته.

والمسألة لم تنته هنا.. فالرئيس مبارك قاد عصراً مختلفاً.. ذهب أبعد من السادات في الانفتاح.. أتاح الفرص للكل.. وجعل نفسه ممكناً للجميع.. ورفض تلميحات وتلويحات وتقربات وتذلفات هيكل.. لكي يعود وحيداً فريداً منفرداً.. لأن هيكل ابن الساحات المغلقة.. وضد منطق التنافس.. وبالتالي امتد ثأر هيكل إلي عصر مبارك.. وراح يهاجم كل شيء فيه.. ويطعن في أي أمر يمثله.. بدءاً من تأثير الضربة الجوية إلي نصر أكتوبر برمته وصولاً إلي شرعية الحكم.. وقد استضاف هيكل في مؤسسته من وصف بأنه خبير إنجليزي لكي يطعن في حرب أكتوبر في ذكراها الأخيرة.. منتهي الوطنية!

هذه هي الحقيقة للأسف.. كل ما يحرك هيكل نفسياً وسياسياً أنه لديه هوي وغرض.. إنه يعاني من مشكلة شخصية.. إنه يدافع عن مكتسبه الذي انهار بدءاً من إزاحته من موقعه في الأهرام.. المنجم الذي كان يحتكره لم يعد له وحده. الدولة فتحت الباب لجميع الصحفيين لكي يجتهدوا.. لم تميز صحفياً علي آخر إلا بإخلاصه للبلد.. لم يعد الرئيس محتكراً.. لم يعد هيكل مستشاراً يقول كلاماً أدي إلي هزيمة 1967.. ومن ثم انتهت حكاية الوثائق ولم يعد بمقدوره أن يتكلم عن أنه قال للرئيس وقال له الرئيس.. الآن هبط مستوي مصادره إلي حد الاستناد بكلام للدكتور مصطفي الفقي.. لا يمكنه أن يقول: إن مبارك قال لي وقلت له.. وهو يعرف قيمة هذه الحقيقة المرة.

نحن معشر الصحفيين ندرك تلك المعضلة.. فنحن نعرف أن تكون علاقتك وثيقة بجهاز دولة مثل مصر له قيمة كبيرة جداً.. بل قيمة أسطورية.. لأنها مؤسسات حقيقية.. تعرف الكثير.. والصحفي يريد أن يعرف.. فما بالك لو أنه عرف هو فقط.. وقد سُحبت هذه الميزة من هيكل ليس فقط لأنه لم يعد يستحقها.. وليس فقط لأن الدولة تغيرت وصارت متعددة.. ولكن لأنه لم يكن مخلصاً للرئيس الذي كان منفرداً به وقاده إلي مأساة.. اسمها 1967 .
ونكمل غداً في حديث المذكرات
الموقع الإليكتروني: www.abkamal.net

البريد الإليكتروني: [email protected]