الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

إبراهيم داود: أنا من سلالة مثقفين منحوا دفاعاً عن الهوية المصرية والتراث الإنسانى




عندما يحصل أديب على جائزة فى مجال غير مجال كتابته المعتاد، وعندما تكون هذه الجائزة على أول محاولة له فى هذا المجال، فإنها بلا شك ستكون ذات طعم ومعنى خاص، هذا ما أكده الشاعر إبراهيم داود الذى حصل كتابه «الجو العام»، وهو أول تجربة سردية له، على جائزة «ساويرس» أفضل مجموعة قصصية لعام 2012... عن تجربة الكتابة النثرية وحال الشعر الصرى والثورة والوطن وحصوله على الجائزة يتحدث داود فى هذا الحوار:
 

 
■ هل كنت تتوقع حصولك على جائزة عن هذا العمل؟
- حاز الكتاب منذ إصدره إعجاب الكثيرين، وشجعنى القاص الراحل إبراهيم أصلان وكان أول من كتب عنه، وطلب منى أن أتقدم بها لجائزة «البوكر»، وشجعنى أيضا منذ البداية على كتابة هذه المجموعة الدكتور عبد المنعم تليمة ومحمود مبروك، لكنى رغم ذلك لم أكن أتوقع الجائزة، فهذه الجائزة قيمتها الأدبية كبيرة جدا بالنسبة لي، لأنها فى مجال آخر غير مجالي، الشعر هو مجالى الأول، والجائزة أعطتنى دافعا للكتابة فى السرد والحكايات، وسعادتى الأكبر أن من حصل على هذه الجائزة من قبلى أسماء مثل: إبراهيم أصلان وخيرى شلبى محمود المخزنجى وغيرهم من كبار الأدباء.
 
■ فى مقدمة كتابك كتبت «الأسامى هى هى .. والقلوب اتغيرت» ما سبب اختيارك هذا الشطر من أغنية المطربة الراحلة ذكرى؟
■ جملة بسيطة وعميقة المعنى، تؤكد ما قدمته فى كتابى من أن أسماء البشر قد تتشابه ولكن نختلف فى أمور كثيرة، فى قلوبنا وفى تعاملنا مع الآخر ومع الزمن ومع أنفسنا، مع اختيار طريقنا فى الحياة، أنا بطبيعتى أعشق الحكى وأعتبره ما يجمع بيننا جميعا، وهذا الكتاب أول عمل سردى لى صدر عام 2011 وهو مجموعة نصوص كتبت على مدار أربع سنوات، معظمها نشر فى صحف، حاولت فى نصوصه التقاط مجموعة علاقات شعرية بين بشر أعرفهم وعشت معهم فى فترة الثمانينيات والتسعينيات (زمن العمل)، وهى فترة حدث فيها إحباط  لكثيرين من المثقفين والعامة، كما رصدت أيضا الأماكن التى دارت فيها الأحداث لذا تختلف الأماكن فى المجموعة.
 
■ أحك لنا عن شخصيات التى سردتها فى «الجو العام»؟
 - شخصيات شجية مفعمة بالأحلام والأحزان ومنحاز لها ومتعاطف مع عالمهم، هؤلاء الشخصيات هم أصحاب هذا الكتاب الحقيقيين وليس أنا، وكنت سعيدا وأنا أكتب عنهم، هما نماذج متنوعة منهم من المهتمين بالثقافة ومنهم من داخل الوسط الثقافى المهشمين شخصيات فى الظل، شخصيات محبة للحياة والصعلكة، منهم من قاده حب الحياة للهزيمة والسقوط، وصفت طموحهم وأحلامهم وعلاقاتهم بالآخرين، فى تخاصمهم منهم من يقاطعون بعضهم بالسنوات ثم يتصالحون فى لقاء غير متوقع حدوثه، شخصيات بينهما صداقات ولكن بينهما تنافس والغيرة والمحبة والتسامح فى آن واحد، كل نص به جانب من الحقيقة وانا ككاتب أضفت من الخيال ما يؤكد  تعاطفى مع أخطائهم وسلبياتهم قبل إيجابيتهم، لا أقصد السخرية من الضعف الإنسانى بالعكس احترم هذا الضعف، والكتابة عن هذا الضعف قد يفيدنا جميعا ونتعلم منها، ليس انتقاصا من الشخصيات وقدرها، لأن الشخصيات التى كتب عنها كلها من جيل لم ير نموذجا مثاليا، لم أتدخل أثناء سرد الشخصيات بالتعليق عليها سلباً أو إيجابا، لكن الشخصيات تعكس روحها، هؤلاء الشخصيات منهم من ذهبوا إلى مصائرهم بالصدفة وتألموا ونالوا من الزمن ما سمح لهم به، ومنهم الذين قمعت أحلامهم بسبب الفساد والمرتشين.
 
 

 
■ ما المنطلق الفكرى الذى تستمد منه إبداعاتك الأديبة والشعرية؟
- استمد أفكارى من حياتى الشخصية ومفردات العالم من حولي، أنحاز للفقراء والمطالبة بالعدالة الاجتماعية والحرية، أتعامل مع العمل الصحفى الذى أعتبره نوعا من الأدب اليومى خبرا أو تحقيقا، أعتبر نفسى واقفا فى صفوف الرفض، لأنى من سلالة أساتذة ومثقفين راحوا ضحية للأنظمة الفاسدة، أثناء دفاعهم عن هوية الثقافة المصرية والتراث الإنسانى، دائما أخوض معارك بالكتابة ضد التطبيع، ضد الفاشية، ضد تكميم الأفواه، ضد فرض قيود على حرية المواطن، التى تبدأ من حرية التعبير، وأكيد هذا ما جعلنى فى حاله تصادم دائم وهجوم.
 
■ بصفتك شاعرا ما رأيك فى الشعر فى مصر سواء العامية أو النثر؟
- أنا حزين، لأنه لا يوجد فرع لجائزة ساويرس فى مجال الشعر، أتمنى أن يكون لكل تفرعات الشعر جوائز، أما عن حالة الشعر، فقصيدة السبعينيات مثلاً كانت مغلقة على نفسها، لأنها كانت نتيجة حتمية لهزيمة 67، كل فترة تاريخية طرحت منتجا شعريا متأثرا بجراح الفترة، فاليوم مثلا فى مصر يعيش الشعر أزهى عصوره، خصوصا قصيدة النثر، رغم أن المؤسسة الرسمية تحارب الشعراء وحتى رجال الدين المتعصبين والإعلام يتعمد تهميش الشعراء، ورغم ذلك الشعر فى مصر متقدم عن العالم العربي، لدينا فى مصر على الأقل 40 شاعراً متفوقًا عن شعراء أمريكا، أتمنى أن تفسح لهم الصحف مساحات للتعبير عن أنفسهم، وأيضا لا يجب إغفال الشعر السياسى الذى قام بدور عظيم فى حشد وتحريض الشعوب على استكمال الثورات، وتواصل مع الشعب بطريقة أفضل وأسرع من المنشور سياسى أو المقالات.
 
■ ما رأيك فمن أطلقوا على أنفسهم لقب «شعراء الثورة»؟
- لازال الوقت مبكرا على إطلاق هذا التقييم أو الوصف، أنا أحسد كل من كتب عن الثورة، سواء قصة أو شعرًا، ولكن الشعر له معايير جمالية لابد أن يحافظ عليها، هناك أشخاص لمجرد أنها كتبت عن الثورة أطلقوا عليهم: «شعراء الثورة»، أمثال الشاعر عبد الرحمن يوسف يكتب شعرا تقليديا قديما خاليًا تماما من معايير الشعر الجمالية أصبح شاعرا للثورة! رغم أنه ليس لديه تراكم ورصيد فى جيله التسعينيات، والشعر موجات متفاعل مع بعضها، الوحيد الذى اعتبره شاعرًا يرد على الإحداث بشعر حقيقى وجمالى هو الشاعر عبد الرحمن الأبنودى، الذى يكتب بخبرات شاعر كبير، وكلماته تركت أثرا فى تاريخ الشعر، وحين نقرأها بعد أزمنه سوف نشعر بقيمتها لأنها جمل شعرية لها طاقة شعرية تناشد العدل والخير والجمال.
 
■ كيف تقيم أداء لجنة الشعر بالمجلس الأعلى للثقافة وأنت أحد أعضائها؟
- المجلس واللجنة تتضمن شخصيات أقدرها وأحترامها، ولكنى حضرت اجتماعا واحدا فقط داخل اللجنة، ثم توقفت عن التواجد، شعرت أننى ليس لى جدوى فى الصيغة الرسمية، كنت أتوقع أنه بعد الثورة سنعيد صياغة العديد من الموضوعات، ويتم تمثيل جديد للشعراء، ونخلص من مرارات الماضى وأمراض عدم التحقق.
 
■ هل أنت مع وجود وزارة الثقافة كمؤسسة رسمية أم تفضل استقلالية الثقافة؟
- وزارة الثقافة ملك المصريين وليس الحاكم، أنا مع وجود وزارة الثقافة  جهة رسمية لدعمها للمثقفين من خلال إصدارات وفعاليات وأنشطة وجوائز، ولكن الاستقلالية تكون فى حفاظها على حريتها فى التعبير والإبداع والمنهجية الفكرية، تحمى هويتها ومدنيتها.
 
 ■ يوصف المثقف بأن دوره فى الشارع سلبى .. ما رأيك؟
- ما كتبه المثقفون والأدباء على مر العصور ساهم فى صنع الثورات فى العالم، ثورة 25 يناير لم يقم بها هذا الجيل فقط، بل شارك فيها كل الأجيال السابقة، كل المثقفين الذين أعرفهم كانوا فى الثورة فى الشارع  وفى الخيام فى التحرير، وباستمرار متواجدين مع شباب الثورة على المقاهى خصوصا فى وسط البلد، المثقفون دفعوا ضريبة مواقفهم، دفعوا ثمنًا غاليًا، قتلوا وعذبوا وقمعوا وأصيب منهم الكثيرون، المثقفون دخلوا السجون قبل الإخوان المسلمين، المثقفون لم يعملوا سماسرة أو تجارا أو رجال أعمال، وظلوا محاربين بكلماتهم، من يصف دور المثقفين بالسلبى هم الجهلاء وعلى رأسهم بطحة، وهم أعداء المثقفين، وهذا العداء اعتدنا عليه على مدار السنوات من أنظمة سياسية، منذ القرن الـ19 وحتى الآن، المثقف معروف أن طموحه وأحلامه للشعب أعلى من برامج إصلاح أى سلطة أو حاكم، المثقف لا يقبل بحلول وسط هو ضمير شعبه، شعب المثقف هو العامة الذى من أجله يرصد ويسجل، ولولا أهمية المثقف لما استمر التصادم بينه وبين السلطات كل هذه العهود.
 
■ بعين المثقف كيف ترى المشهد الآن فى مصر؟
- نعيش فى مصر فترات صعبة، والقادم أصعب وأكثر مرارة، ونتعرض لهجوم من قبل أعداء الثقافة والتثقف، والتصادم نتيجة أن الفرق بين الثقافة المصرية الحديثة المتجددة وبين النظام الحاكم الحالى أو فكر الإخوان المسلمين هو 1400 سنة، فكيف يتم اللقاء بين ماضى الماضى وحاضر الحاضر، فرق أزمنة، من التخلف أن تثبت عقولنا على أفكار فترة زمنية محددة، فهم يتعاملون على أن آخر الشعراء هو حسان بن ثابت، هو حقا شاعر عظيم لكنه ليس من آليات العصر، هم يتخيلون أنهم مدركون مصالح مصر أكثر من المصريين أنفسهم، ولكن كلما يزيد القمع تقترب النهاية.
 
■ صف لنا سريعا توقعاتك لمصر فى الفترة القادمة؟
- رغم الألم والحسرة التى نعيشها يومياً، فإننى متفائل جدا بشباب الثورة، لا أحد يستطيع أن يوقفهم أو يجمد طموحهم أو يعود بهم إلى الخلف، نحن نسير وراء الشباب، الشباب هذا العصر بثورتهم العظيمة.