الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

فى الذكرى الأولى لرحيل جلال عامر«أمير الساخرين»..رسم الضحكة .. ومات حزينا




 
بكلماته المعبرة الساخرة ولغته شديدة البساطة والعمق، تحدى نفسه أن يصل لعقل وقلب القراء على اختلاف مستواهم الفكرى، فاحتل مكانة متميزة فى قلوب الملايين من المحيط إلى الخليج، واستحق عن جدارة لقب «أمير الساخرين»، إنه المبدع الراحل جلال عامر، الذى عالج بطريقته الساخرة قضايا تهم كل عربى وليس لمصر فقط، ويمكن القول أنه أسس لمدرسة جديدة فى فن الكتابة الساخرة، تعتمد على التداعى الحر للأفكار وطرح عددًا كبيرًا منها فى المقال الواحد وربطها معاً بشكل غير قابل للتفكيك، والتكثيف الشديد فى اللغة، والاستعمال الرائع للتورية بشكل يشد انتباه القارئ إلى نهاية المقال، وتفتح مداركه على حقائق ربما غابت عنه ... إلا أن كل هذا الضحك والسخرية انطفأت فى مشهد درامى أسود عندما سقط «الساخر» لافظا أنفاسه أمام مشهد دموى بين متظاهرين مصريين يتقاتلون وكانت آخر كلماته: «المصريين بيموتوا بعض».
 
فى الذكرى الأولى للراحل جلال عامر قالوا عنه:
قال الدكتور حسين حمودة: جلال عامر أحد أهم الكتاب الساخرين المصريين الذين تلوح كتاباتهم مترعة برؤى ثاقبة، وتتجسد خلال جماليات خاصة.
وأكمل: ورث جلال عامر من الكتاب الساخرين قبله، خصوصا محمد عفيفى وأحمد رجب، بعض الملامح، منها العبارة المحددة الصياغة المشبعة بأكثر من معنى، ومنها الكتابة التى تقوم على مفارقة يتجاور فيها ما يثير الإحساس بالمرارة مع ما يستدعى الابتسامة، ومنها الاهتمام بقضايا متعددة الجوانب.
 
وأضاف: بجانب هذه الملامح، استطاع جلال عامر أن يخطّ لنفسه مسارا خاصا به وحده، تميز به عن كل الكتاب الساخرين من قبله، وتمثل ذلك خصوصا فى الشكل التعبيرى المختصر المختزل المكثف جدا، والدال جدا فى الوقت نفسه، والذى ارتبط بالعبارات القصيرة التى كان يكتبها وينشرها فى بعض مواقع التواصل، وهذا الشكل وليد نظرة ثاقبة لوسائط الاتصال الحديثة، ولدورها وحدودها وإمكاناتها، فضلا عن أن هذا الشكل يفيد من موروث الأمثال الشعبية القديم، من حيث القدرة التعبيرية، فى أقل حيز ممكن، بعبارات حافلة بالسخرية والحكمة والتحرر.
 

رباب كساب
 
وهذا الشكل الخاص بجلال عامر وحده يتجاوز فكرة هيمنجواى حول الكتابة المختزلة التى تشبه جبل الجليد المغمور الذى يخفى أكثر مما يظهر، وتتجاوز من قبله مقولة ابن عربى: «كلما اتسعت الفكرة ضاقت العبارة». ففى هذا الشكل امتد جلال عامر بفضيلة الاختصار إلى آفاق أبعد وأعمق، وانتقل من حيز «الفكرة» إلى رحابة «الموقف الإنسانى» بوجه عام، وكتابات جلال عامر خلال هذا الشكل تتوقف أحيانا عند الوقائع الصغيرة والأحداث العابرة، ولكنها تنطوى دائما على نظرة ترى الزمن فى امتداده، وتصل بين الوقائع الصغيرة هذه والسياق الكبير الذى يحيط بها، بما يجعل هذه الكتابات تعبيرا واضحا جدا عن موقف محدد جدا ولكنها فى الوقت نفسه مقترنة بنظرة إنسانية شديدة الرحابة.
 
ومن جانبه قال الدكتور يسرى عبدالله عن الراحل: كان جلال عامر صوتا حقيقيا للثورة المصرية وتعبيرا جليا عن إحدى تجلياتها الإبداعية وهى المقاومة عبر السخرية من خلال تعرية الطغيان والاستبداد والسخرية منه والتندر عليه وكشف الأقنعة الزائفة للمدلسين، واللافت أيضا ان السخرية فى خطاب جلال عامر كانت السخرية المنتجة للمعنى والدلالة المسكونة بالعمق، التى تحمل طبقات مختلفة من المعنى داخلها وكان يستخدم فى ذلك آليات عديدة مثل توظيف تقنية المفارقة واستخدامه للجمل المدهشة القادرة على النفاذ إلى القارئ فضلا عن استخدام الجمل التليغرافية أحيانا أخرى.
 
كان عامر يعبر عن قيم الثورة المصرية فى الانحياز إلى البسطاء والمهمشين ومقاومة القبح أيا ما كانت صوره، والرفض المطلق للفاشية بأشكالها العسكرية والدينية.
الكاتبة رباب كساب قالت: صباح أحد الأيام وجدت تعليقا لدى على الفيس بوك يُذكر فيه اسم جلال عامر، بحثت عنه وقرأت مقالا على موقع جريدة المصرى اليوم فإذا بى أنتقل من مقال لآخر، وأجد فى الضابط الذى امتهن الكتابة وجعل من قلمه سلاحا وجعل من الكلمة رصاصة لا تخطئ أحد أبرز من كتبوا فى مصر.
 
 

أحمد عبده
باتت كلمات جلال عامر تتناقل بيننا ولسان حالنا يردد «الله عليك يا عم جلال».، كان نافذا بداخل المجتمع، وأحزنه أن يتطاحن أبناؤه أمام عينيه فمات قهرا، ألم يقل «إذا أردت أن تضيع شعباً اشغله بغياب الأنبوبة وغياب البنزين، ثم غيِّب عقله واخلط السياسة بالاقتصاد بالدين بالرياضة» ألم يكن ذلك بالفعل حالنا؟! لقد وطأ الرجل كل جراحات المصريين فما نال منهم بعد موته غير الترحم عليه والحزن لأجله وما نال من السلطات غير تجاهل أدى لإلغاء ندوة عنه بمعرض الكتاب! وهى أقل ما يجب لإحياء ذكراه، لقد قال رحمه الله عليه «أصبحنا كشعب نبكى دون قنابل مسيلة للدموع»، ونحن الآن يا سيدى نبكى كل يوم شهيد ونبكى أيضا من القنابل المسيلة للدموع.
 
وقال الشاعر أحمد عبده: مات بـ«جلال» فى مواجهه أنياب الاستبداد، وعاشت كلماته «عامره» فى دواخلنا، تُكتب على أسوار الحرية وأرصفة الكرامة، سيظل جلال عامر أيقونة السخرية المصرية ومنبعا لأوجاعنا وأحزاننا حتى بعد مماته، لاشك أننا نفتقد قلمه الذى نحتاجه اليوم كثيرا فى ظل أوضاعنا وأوجاعنا المحزنة، ولاشك أن ما يحدث فى مصر هذه الأيام يعتبر مادة خام لإبداعه الذى تعودناه منه دائما، ولكن سيظل حاضرا فى أذهاننا وقلوبنا وإن طالت سنوات ذكراه، يموت الكاتب ويرحل إلى الدار الآخره، ويعيش قلمه حتى تقوم الآخره.
 

حسين حمودة
 
الشاعر أحمد النديم قال عن جلال عامر: حكيم عصره، حباه الله بإخلاص فكان من المخلصين بفتح اللام، الذين إذا اهتموا لأمر أصابتهم الأمراض لهمهم بالوطن، كان مهموما بالإنسانية كلها، والعجيب أن كلماته إلى الآن تحذرنا وتنبهنا وتداعبنا، لم يكتب بسخرية بقدر ما أظهر السخرية فى الواقع المظلم والظلم الواقع، إنه جلال ساخر أو كتاب عامر، وكما قال: «نحن فى بلد العجائب والغرائب والطرائف» وهذا حقيقى بدليل عدم اهتمام الإعلام المصرى به فى حياته أو بعد مماته، تجاهل وزارة الثقافة له، تجاهل «ساقية الصاوى» له وعدم ذكره فى المؤتمرات والمهرجانات الأدبية والصحفية والفنية التى تقيمها.
 
الكاتبة سامية بكرى قالت عنه: كان الراحل العظيم جلال عامر أستاذا لجيلنا، ورغم تأخر شهرته، اتخذ مكانته التى تليق به بسرعة صاروخية، فقد وصل إلى عقل الكتاب والمثقفين كما وصل لقلب المواطن البسيط بكلماته التلغرافية الموجزة شديدة السخرية والتعبير الموجع فى آن واحد فكانت كلماته الراقصة خير تعبير عن قول الشاعر «كالطير يرقص مذبوحا من الألم» ورغم كل الوجع الساخر الذى تحمله تلك الكلمات فقد استطاعت أن ترسم بسمة صباحية طازجة على شفاه المصرى صاحب جينات السخرية والكوميديا، بل واستطاع أن يسبق مغردو تويتر بكلماته الموجزة المعبرة التى تشبه التويتات الشبابية لقد كان رحمه الله كتلة إحساس وسخرية وحب لمصر حتى وفاته جاءت بمثابة إنذار لنا جميعا لكى ننقذ بلدنا من مصير مظلم إذا لم نتوافق فى حبها.
 
 
الشاعر صلاح صادق:  جلال عامر شخصية مصرية أصيلة..من قلائل المبدعين والمثقفين الذين أسهموا فى تشكيل وجدان الوطن..إسهاماته وحبه لوطنه جعل له إرث كبير من الإحترام لدى الشارع المصرى وبخبته المثقفة..كم يشتاق إليه الوطن الآن فى محنته..طاب ثراه ونعمت روحه بقدر إخلاصه وتفانيه.
كم نشتاق إليك يا أستاذنا الكبير..الضاحك الباكي..كما ألهبت سياطك كل من كان يرتقى فوق أعناق وطنك..أطماع وأحقاد.نحتاج أمثالك ونطلب من الزمان أن يجود بمثلك ياابن بار غاب عن ترابه وسكن قلبه فضمه للأبد.. ستبقى كلماتك ومواقفك خالدة.. شهاب فى سماءالحرية وقامة عالية
 

يسرى عبد الله
القاص مصطفى السيد سمير قال عن جلال عامر: فترة قصيرة جدا هى التى عرفت فيها عم جلال، قصيرة لأنها لم تشبع الروح ولم تداو صدمتها عند رحيله، فترة قصيرة جدا هى التى انتبهت فيها إلى مقاله اليومى الذى كان يطل كالبحر مفعما بالضجة والحياة وسط صفحات الجرائد الميتة قبل الثورة، كان يبذل جهدا مهولا فى الكتابة، فى التحذير والتنبيه، فى التعرية والإسقاط والهدم، كان يحاول بصدق هدم أصنام الرمال البائسة التى نجتهد فى بنائها لننعم تحت ظلها بالأمان الزائف، نحن لا نريد أن نجازف ياعم جلال.. ألا تفهم؟ وعم جلال لا يفهم.. لا يعرف عن المصريين إلا شيئًا واحدًا، ربما رآه وهو يركض وسطهم أثناء الحرب، أنهم يستطيعون المجازفة، وأنهم أنهكوا الجسد لكنهم لم ينالوا من الروح، التى تبزغ يوميا كالبحر متسعة مضاءة بالشمس متأهبة لممارسة الأمل ومعانقة الحياة.. متأهبة للضحكة الصافية والقفشة اللاذعة، عم جلال يرى بيقين مبالغ فيه أننا مازلنا أحياء رغم كل ما نحاول أن نقنع أنفسنا به، ربما كان هذا هو الوقت الأنسب لرحيل عم جلال، عندما رآنا فى آخر أيامه وقد امتلكنا الفرصة فى خلق حياتنا كما نريد، فحولناها إلى مناسبة للاقتتال الأيديولوجى على جثة وطن منهك الجسد تطل روحه كالبحر حائرة متلاطمة.