أجور الصحفيين والأساتذة
عبد الله كمال
وقفت الدكتورة هالة مصطفي رئيس تحرير مجلة "الديمقراطية" في الاجتماع الأخير لأمانة السياسات وطرحت وجهة نظر.. أتفق من جانبي مع مقصدها وإن اختلفت مع طريقة عرضها.. فقد يكون لطريقة العرض غرض.
في العرض، وليس الفرض، قالت: إن هناك فجوة رهيبة بين أجور الصحفيين وقيادات مؤسسات صحفية.. وإنه لا بد من علاج المشكلة لأنها تخلق احتقانًا في المؤسسات الصحفية القومية.
والمقصد الذي أتفق معه هو القضية المطروحة بين كل الاتجاهات الصحفية تقريبا.. موضوع الأجور.. وأما قصة أجور القيادات فهذه مسألة فيها أقوال كثيرة.. وتختلف باختلاف الصحف والمؤسسات.. وأنا شخصيا لا أريد أن أكرر ما قلته بشأن أجري الشخصي حين كتبت من قبل عن المستوي الاجتماعي للصحفيين إبان انتخابات النقابة.
والموضوع في يد الحكومة.. وهي تقترب منه حينًا.. وتتجاهله أحيانًا.. لكن لا توجد حتي الآن إرادة حقيقية لحل المشكلة.. ليس فقط علي المستوي الجزئي.. ولكن علي المستوي الشامل.. أي في إطار هيكلة متكاملة للمؤسسات الصحفية القومية.. حيث لا توجد خطة.. وإنما توجد اجتهادات.. ولا توجد عملية منهجية.. وإنما إعلان نوايا لا تثبت مصداقيتها أفعال الواقع.. وإن ثبتت حينا فإنها تتم ببطء وبشق الأنفس.
وأنا أتفق علي أن تلك (منطقة احتقان) تستوجب تحركا.. وفوريا.. وبدون خجل.. هذه مؤسسات مملوكة للمجتمع في نهاية الأمر.. وهي تضم قطاعًا مهمًا جدًا من النخبة المصرية.. وعانت سنوات من أفعال حكومات سابقة.. ولا بد من تدخل منظم وتمويلي.. يعضد مكانة تلك المؤسسات في مواجهة عيوب الماضي وتحديات المستقبل.. وبدون أن نلجأ إلي حلول شيوعية تساوي بين كل الناس.. من عمل ومن لم يعمل.
الحكومة نفسها تعترف شهريا بأن الأجور التي يقبضها الصحفيون ليست مناسبة علي الإطلاق.. بدليل أنها تدفع أضعافها لمن يقبل أن يعمل معها من الصحفيين.. أقصد أولئك الزملاء الذين يرتضون العمل كمستشارين لعدد من الهيئات والوزراء.. يقبضون الألوف كل شهر.. بارك الله لهم.. وبالتالي فإن هذا إقرار من الحكومة بثمن تلك الخبرات وقيمتها.. واسألوا وزارات المالية والتجارة والإسكان علي سبيل المثال.
ولا أريد أن أقترح أن نعرف ما هو متوسط مرتبات مستشاري الحكومة وموظفيها من الزملاء الصحفيين.. لكي نعتبره مقياسًا لما ينبغي أن تكون عليه الأمور.. ولكن يمكن أن نعتبره نموذجًا علي سبيل الاسترشاد.. إلا إذا كانت الحكومة تريد أن تُبقي أجورنا علي حالها.. لكي نقبل جميعا أن نعمل لديها موظفين ومستشارين.
هذه مسألة ينبغي أن تكون مطروحة علي الأجندات السياسية.. لا تنتظر مناقشات ظرفية تأتي كلما هبت رياح مواسم الانتخابات النقابية.. الموضوع ملح حقيقة.. وليس أيضا بعيدا عنه حال فئة غيرنا من النخبة.. تعاني.. وتتعب.. وتتكبد مشاق الحياة بسبب أجورها المتدنية، وأعني بذلك أساتذة الجامعات.
هذه منطقة احتقان أخري.. وتستوجب كذلك تدخلاً حكوميا.. وعملاً نوعيا.. يرضي تلك الفئة من الناس.. ويصب في اتجاه تنمية مستوي الطبقة المتوسطة.. من خلال استهداف فئوي منظم.. وإذا كان الحال في المؤسسات الصحفية يستوجب إعادة هيكلة حقيقية وليس مجرد كلام.. فإن الأمر في الجامعات لا يحتاج إلا إلي نظرة متعمقة في مستوي الأجور.
ولا أريد مجددا أن أطرح علي الحكومة أن تري ما هو متوسط أجور أساتذة الجامعات الذين يعملون لديها.. وهؤلاء - بخلاف الصحفيين- في كل ديوان وهيئة.. ويقبضون بالألوف أيضا من خلال انتدابات أو تعاقدات مع مكاتب.. وتحصل الحكومة علي خبراتهم بطريقة غير مباشرة، فإذا ما ذهبوا إلي خزائن كلياتهم شهريا اكتشفوا أن عليهم أن يقبضوا منها بضع مئات لا تكفي ثمن الورق والاتصال بالإنترنت وشراء المراجع.. فما بالك ببقية تكاليف الحياة.. حيث مطلوب من الأستاذ أن ينمي قدراته وإمكاناته.
إن دفع تكاليف محطة تنقية مياه في أي قرية يحقق هدفا بتلبية احتياجات عدد من السكان.. وهو هدف لا يقل أهمية عن تثمين جهد العقول المصرية في قطاعات فئوية نخبوية.. ولو تعاملت الحكومة مع الموضوع بانتهازية سياسية.. فأغلب المنتقدين كل يوم علي الشاشات إما صحفيون أو أساتذة في الجامعات.. يناقشون الشئون العامة ولكن كرامتهم تأبي أن تتطرق إلي الأمور الذاتية.. رغم إلحاحها.
الموقع الإليكتروني : www.abkamal.net
البريد الإليكتروني : [email protected]