الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

عتاب لنفسي




أوجه لومًا مهنيا وسياسيا لنفسي‮.. ‬وللزملاء ــ إن قبلوا ــ معي‮.. ‬ذلك أنني حين كتبت عن الإجراءات التي تتخذها مصر علي الحدود مع‮ ‬غزة‮.. ‬وبعد أن وصفتها بوضوح بأنها‮ (‬إجراءات إنشائية وأمنية‮).. ‬استخدمت لكي أصف هذه الإجراءات كلمة‮ (‬جدار‮).‬

و(الجدار‮) ‬كلمة لها مدلولات‮ ‬غير طيبة في الثقافة العربية‮.. ‬في ضوء ما قامت به إسرائيل حين بنت جدارًا عازلاً‮ ‬بينها وبين الأراضي الفلسطينية‮.. ‬وقد كان الجدار بهدف استعماري وتكريساً‮ ‬لواقع الاحتلال‮.. ‬ولا تجوز المقارنة بينهما كما كتب من قبل زميلي محمد علي إبراهيم رئيس تحرير الجمهورية‮.‬

والاستسلام لمصطلح سهل تم ترويجه أمر معروف في الصحافة‮.. ‬وكنا فيما مضي ندرس في كلية الإعلام ضرورة أن نفرق بين مضامين الكلمات التي تستخدم حسب هوي مصادرها‮.. ‬لتكريس معان سياسية بعينها من خلال الرسائل الإعلامية‮.. ‬وعلي سبيل المثال الأشهر في هذا السياق كانت مصادر‮ ‬غربية لفترة طويلة من الزمن تصف الضفة الغربية في التقارير الصحفية بأنها‮ (‬يهودا والسامرا‮).. ‬وهو توصيف له مدلولاته في العقيدة اليهودية ويعني أن الاحتلال إنما استعاد جزءًا من أرض إسرائيل بالمعني الديني‮.. ‬وهي أرض عربية‮.‬

والمشروع الذي تقيمه مصر علي حدودها مع‮ ‬غزة لأهداف أمنية لا يمكن وصفه بأنه‮ (‬جدار‮).. ‬أولاً‮ ‬لأن الجدار يكون فوق الأرض‮.. ‬بينما مصر تقوم بأعمال إنشائية تحت الأرض‮.. ‬سوف يستمر تنفيذها عامًا علي الأقل‮.. ‬ولو كانت قد توقفت يومًا واحدًا فإنها عادت إلي الاستمرار مجددًا ولا اعتقد أنها سوف تتوقف علي الإطلاق قبل أن تنتهي‮.‬

وهذه الأعمال ليست‮ (‬فولاذية‮).. ‬وإن اعتمد البعض منها علي رقائق صلب‮.. ‬وهذه الرقائق مستوردة من دول مختلفة‮.. ‬وليس بالطبع من إسرائيل كما تزعم بعض الكتابات‮.. ‬أو للدقة كما تقول حركة حماس المتضرر الأساسي من الإجراءات الإنشائية‮.. ‬التي تهدف في الأصل إلي تقوية التربة علي الحدود لمنع انهيارها فوق الأنفاق التي يبنونها بالتأكيد بدون أي احتياطات معمارية أو إنشائية‮.‬

ومن المعروف أن تلك الأنفاق تمثل ضررًا علي الجانبين‮.. ‬ولو افترضنا أن مهرب مخدرات أرسل كمية منها إلي‮ ‬غزة‮.. ‬فهل سيكون هذا مفيدًا للأشقاء الفلسطينيين‮.. ‬ولو قلنا ــ وهو ما يحدث ــ هل يمكن أن نقبل مرور أسلحة ومتفجرات من‮ ‬غزة إلي مصر‮.. ‬بينما الاحتلال علي الجانب الآخر‮.. ‬والأسلحة إذا جاءت إلي مصر سوف تستخدم في الإرهاب‮.. ‬فهل يوافق الأشقاء في حماس علي تصدير الإرهاب إلي مصر؟

أتمني أن تكون الإجابة بالنفي‮.. ‬ولكنهم سوف يتهربون من السؤال‮.. ‬وإن كنت أتمني كذلك ألا يوافق الأشقاء علي هروب المجرمين من الأحكام والملاحقات الأمنية في مصر إلي‮ ‬غزة‮.. ‬حيث يجدون ترحيبًا بعيدًا عن القانون‮.. ‬غزة وقتها لن تكون أرض المقاومين بل مأوي المجرمين والمهربين والإرهابيين‮.. ‬وحماس تصبح برعايتها لأنفاق التهريب مجموعة عصابات في مافيا‮.. ‬وليس كما تدعي أنها حركة مقاومة‮.. ‬وهي من قبل كل هذا مجموعة انقلابية ضد الديمقراطية وضد وحدة الصف الفلسطيني وقسمت أرض الدولة المفترضة جغرافيا وسياسيا‮.‬

الفائدة مشتركة،‮ ‬إذا كانت النوايا مخلصة من جانب حركة حماس‮.. ‬وإذا أرادت قيادتها أن تثبت أنها لا تستفيد ماليا من تلك الأنفاق‮.. ‬وقد نشرت جريدة الأهرام المسائي ــ ورئيس تحريرها زميلنا طارق حسن ــ ما يفيد بأن عددًا من قيادات الحركة‮ ‬يقبض ثمنًا عن كل عملية تهريب كما لو أنها وحدة جمارك علي المهربات‮.. ‬وهذا في عرف القانون ليس رسمًا قانونيا وإنما تواطؤ مع الإجرام‮.‬

لست أدري لماذا يفر الأشقاء إلي تحت الأرض‮.. ‬بينما فوقها متاح لهم‮.. ‬هل لأنهم بطبيعتهم مجرد‮ (‬مافيا‮).. ‬أم لأن‮ (‬فوق‮) ‬له شروط لا يريدون تنفيذها‮.. ‬لو نفوذها يفقدون مقومات وجودهم‮.. ‬والشروط هي أن تطبق معايير قانونية متفق عليها بين السلطة والاحتلال والاتحاد الأوروبي‮.. ‬فيفتح معبر رفح‮.. ‬والمقومات التي ستفقدها وقتها حماس تخرجها عن دورها المرسوم سورياً‮ ‬وإيرانيا لتعطيل التوافق الفلسطيني وعودة وحدة الصف‮.‬

الجدار الحقيقي هو الذي تبنيه حماس سياسيا بينها وبين فتح‮.. ‬وحماس هي التي تغلق بتعنتها معبر رفح‮.. ‬وهي التي تعتقد أن مصر سوف ترضخ لابتزازها المتنوع‮.. ‬وهذا حلم بعيد المنال‮.. ‬من يجري وراءه لا يفهم معني البدء في الإجراءات الإنشائية لحماية حدود مصر‮.‬
 الموقع الإليكتروني : www.abkamal.net

البريد الإليكتروني :   [email protected]