عتاب لنفسي
عبد الله كمال
أوجه لومًا مهنيا وسياسيا لنفسي.. وللزملاء ــ إن قبلوا ــ معي.. ذلك أنني حين كتبت عن الإجراءات التي تتخذها مصر علي الحدود مع غزة.. وبعد أن وصفتها بوضوح بأنها (إجراءات إنشائية وأمنية).. استخدمت لكي أصف هذه الإجراءات كلمة (جدار).
و(الجدار) كلمة لها مدلولات غير طيبة في الثقافة العربية.. في ضوء ما قامت به إسرائيل حين بنت جدارًا عازلاً بينها وبين الأراضي الفلسطينية.. وقد كان الجدار بهدف استعماري وتكريساً لواقع الاحتلال.. ولا تجوز المقارنة بينهما كما كتب من قبل زميلي محمد علي إبراهيم رئيس تحرير الجمهورية.
والاستسلام لمصطلح سهل تم ترويجه أمر معروف في الصحافة.. وكنا فيما مضي ندرس في كلية الإعلام ضرورة أن نفرق بين مضامين الكلمات التي تستخدم حسب هوي مصادرها.. لتكريس معان سياسية بعينها من خلال الرسائل الإعلامية.. وعلي سبيل المثال الأشهر في هذا السياق كانت مصادر غربية لفترة طويلة من الزمن تصف الضفة الغربية في التقارير الصحفية بأنها (يهودا والسامرا).. وهو توصيف له مدلولاته في العقيدة اليهودية ويعني أن الاحتلال إنما استعاد جزءًا من أرض إسرائيل بالمعني الديني.. وهي أرض عربية.
والمشروع الذي تقيمه مصر علي حدودها مع غزة لأهداف أمنية لا يمكن وصفه بأنه (جدار).. أولاً لأن الجدار يكون فوق الأرض.. بينما مصر تقوم بأعمال إنشائية تحت الأرض.. سوف يستمر تنفيذها عامًا علي الأقل.. ولو كانت قد توقفت يومًا واحدًا فإنها عادت إلي الاستمرار مجددًا ولا اعتقد أنها سوف تتوقف علي الإطلاق قبل أن تنتهي.
وهذه الأعمال ليست (فولاذية).. وإن اعتمد البعض منها علي رقائق صلب.. وهذه الرقائق مستوردة من دول مختلفة.. وليس بالطبع من إسرائيل كما تزعم بعض الكتابات.. أو للدقة كما تقول حركة حماس المتضرر الأساسي من الإجراءات الإنشائية.. التي تهدف في الأصل إلي تقوية التربة علي الحدود لمنع انهيارها فوق الأنفاق التي يبنونها بالتأكيد بدون أي احتياطات معمارية أو إنشائية.
ومن المعروف أن تلك الأنفاق تمثل ضررًا علي الجانبين.. ولو افترضنا أن مهرب مخدرات أرسل كمية منها إلي غزة.. فهل سيكون هذا مفيدًا للأشقاء الفلسطينيين.. ولو قلنا ــ وهو ما يحدث ــ هل يمكن أن نقبل مرور أسلحة ومتفجرات من غزة إلي مصر.. بينما الاحتلال علي الجانب الآخر.. والأسلحة إذا جاءت إلي مصر سوف تستخدم في الإرهاب.. فهل يوافق الأشقاء في حماس علي تصدير الإرهاب إلي مصر؟
أتمني أن تكون الإجابة بالنفي.. ولكنهم سوف يتهربون من السؤال.. وإن كنت أتمني كذلك ألا يوافق الأشقاء علي هروب المجرمين من الأحكام والملاحقات الأمنية في مصر إلي غزة.. حيث يجدون ترحيبًا بعيدًا عن القانون.. غزة وقتها لن تكون أرض المقاومين بل مأوي المجرمين والمهربين والإرهابيين.. وحماس تصبح برعايتها لأنفاق التهريب مجموعة عصابات في مافيا.. وليس كما تدعي أنها حركة مقاومة.. وهي من قبل كل هذا مجموعة انقلابية ضد الديمقراطية وضد وحدة الصف الفلسطيني وقسمت أرض الدولة المفترضة جغرافيا وسياسيا.
الفائدة مشتركة، إذا كانت النوايا مخلصة من جانب حركة حماس.. وإذا أرادت قيادتها أن تثبت أنها لا تستفيد ماليا من تلك الأنفاق.. وقد نشرت جريدة الأهرام المسائي ــ ورئيس تحريرها زميلنا طارق حسن ــ ما يفيد بأن عددًا من قيادات الحركة يقبض ثمنًا عن كل عملية تهريب كما لو أنها وحدة جمارك علي المهربات.. وهذا في عرف القانون ليس رسمًا قانونيا وإنما تواطؤ مع الإجرام.
لست أدري لماذا يفر الأشقاء إلي تحت الأرض.. بينما فوقها متاح لهم.. هل لأنهم بطبيعتهم مجرد (مافيا).. أم لأن (فوق) له شروط لا يريدون تنفيذها.. لو نفوذها يفقدون مقومات وجودهم.. والشروط هي أن تطبق معايير قانونية متفق عليها بين السلطة والاحتلال والاتحاد الأوروبي.. فيفتح معبر رفح.. والمقومات التي ستفقدها وقتها حماس تخرجها عن دورها المرسوم سورياً وإيرانيا لتعطيل التوافق الفلسطيني وعودة وحدة الصف.
الجدار الحقيقي هو الذي تبنيه حماس سياسيا بينها وبين فتح.. وحماس هي التي تغلق بتعنتها معبر رفح.. وهي التي تعتقد أن مصر سوف ترضخ لابتزازها المتنوع.. وهذا حلم بعيد المنال.. من يجري وراءه لا يفهم معني البدء في الإجراءات الإنشائية لحماية حدود مصر.
الموقع الإليكتروني : www.abkamal.net
البريد الإليكتروني : [email protected]