الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

الطيب صالح.. صانع الأساطير و«عبقرى الرواية العربية»




اقتربت ذكرى مرور أربعة أعوام على وفاة الروائى السودانى الطيب صالح (1929 - 2009)، الذى استطاع الانطلاق بالرواية السودانية من المحلية إلى العالم العربى والدولى عبر روايته الأولى «موسم الهجرة إلى الشمال» 1966 التى ناقش فيها إشكالية الشاب السودانى الأفريقى «مصطفى السعيد» مع الثقافة البريطانية الغربية وطرح من خلالها علاقة الشرق بالغرب، أطلق عليه بعض النقاد لقب «عبقرى الرواية العربية» بعدما أحدثته رواياته من نقلة نوعية للأدب السودانى، قضى صالح طفولته بمسقط رأسه بإقليم مروى بشمالى السودان لينتقل فى شبابه إلى الخرطوم لدراسة العلوم بالجامعة ومنها سافر إلى إنجلترا لإتمام دراسته لكنه غير تخصصه إلى الشئون الدولية السياسية، عمل لسنوات طويلة من حياته فى القسم العربى لهيئة الإذاعة البريطانية, وترقى بها حتى وصل إلى منصب مدير قسم الدراما، وبعد استقالته من الـ«بى بى سى» عاد إلى السودان وعمل لفترة فى الإذاعة السودانية، ثم هاجر إلى دولة قطر وعمل فى وزارة إعلامها وكيلا ومشرفا على أجهزتها. عمل بعد ذلك مديرا إقليميا بمنظمة اليونيسكو فى باريس، وعمل ممثلا لهذه المنظمة فى الخليج العربى. هذا التنوع فى الخبرات الحياتية والانتقال تجلى فى أعماله الأدبية التى وظف فيها خبراته وخبرته بقضايا أمته، تطرقت كتابته عموما إلى السياسة، وموضوعات أخرى تتصل بالاستعمار والمجتمع العربى والعلاقة بينه وبين الغرب. توفى الطيب صالح فى 18 فبراير عام 2009 فى أحد مستشفيات لندن وشيع جثمانه فى 20 فبراير فى السودان حيث حضر مراسم العزاء عدد كبير من الشخصيات البارزة والكتاب العرب والرئيس السودانى عمر البشير والسيد الصادق المهدى المفكر السودانى ورئيس الوزراء السابق، والسيد محمد عثمان الميرغنى، ولم يعلن التليفزيون السودانى ولا الإذاعات الحداد على الطيب صالح لكنها خصصت الكثير من النشرات الإخبارية والبرامج للحديث عنه.
 
عبر السطور التالية نكتشف جوانب مختلفة من شخصية وإبداع الروائى الراحل الطيب صالح من خلال شهادات عدد من المثقفين والنقاد الذين عاصروه ودرسوه وكتبوا عنه.
 
كاريزما وحضور خاص
 
تقول الدكتورة شهيدة الباز ما لاحظته فى شخصيته أنه كان إنسانا صادقا بلا حدود! فهو صادق مع نفسه أولا، فيستحيل أن يفعل شيئا ضد رغبته أو إرادته، لكنه كان شديد التواضع رغم شهرته الواسعة ولديه اعتزاز رائع بذاته، الطيب كان إنسانا حرا جدا من داخله، وهو ما ساعده على خلق فلسفته الخاصة وانفتاحه على العالم وخياله الطليق، فكتابته العبقرية لروايته «موسم الهجرة على الشمال» كانت خير دليل على هذه الطاقة الداخلية من الحرية.. أيضا فى تعامله مع أولاده كان يبدو وكأنه طفل مثلهم فكان متعاونا وديمقراطيا.. الطيب كان لديه حضور خاص وكاريزما خاصة فكان كالمغناطيس الجاذب لكل من حوله، بدون أدنى جهد يذكر فى ذلك، فكان يعكس نفسه بمنتهى الصدق.
 
معظم أعماله حصلت على نجاح كبير إنما تبقى رواية «موسم الهجرة إلى الشمال» هى Master piece كما يقال فى الإنجليزية، أيضا كتاباته كانت تتميز بميزة غريبة جدا! فلا يستطيع القارئ أن يترك الرواية إلا عند لحظة الانتهاء منها!
 
الطيب حقيقة كان يحلم أن يعود للمنطقة العربية، لذا كان يقضى الشتاء دوما هنا بمصر فى السنوات الأخيرة من حياته، فلقد عاش فى انجلترا وعاش فترة بفرنسا وقطر لكنه بالرغم من ذلك كان لديه انتماء عربى جدا.
 
«صانع الأسطورة الطيب صالح»
 
أصدر الدكتور أحمد شمس الدين الحجاجى أستاذ الأدب الشعبى بكلية الآداب جامعة القاهرة، كتابا مهما عن الطيب صالح تحت عنوان «صانع الأسطورة الطيب صالح» 1990 وهو دراسة جادة فى الأنواع الأدبية الشفهية والمكتوبة، طبق دراسته على أعمال الطيب صالح «عرس الزين» و«مريود» و«بندرشاه» و«دومة ود حامد»، يقول الحجاجى عن أسطورة الطيب : لم يكتب الطيب صالح كلمة إلا وكانت أسطورة أو وراءها أسطورة، فـ«عرس الزين» و «دومة ود حامد» أساسا هى أسطورة الولى، ولكن أيضا الطيب صالح صنع أسطورة النيل فى «مريود» و«بندر شاه» وحتى فى «موسم الهجرة إلى الشمال»، وإذا أردنا أن ندرس الطيب صالح لا يمكن أن ندرسه بعيدا عن الأسطورة، وقد خلق من النيل إنسانا يعيش ثم يموت فيه وحتى فى القصتين القصيرتين «نخلة على الجدول» و«حفن التمر» صنع فيهما أسطورة للضمير، التى نجد فيها الطفل يتقيأ بعد أن رأى جده يحاول أن يسرق التمر والنخيل، الطيب صالح كاتب حساس حى له ضمير قادر على أن يلتقط الحكاية والصورة ويرسمها لتدخل فى أعماقنا عقيدة.. أسطورة.. تراثا، كان القصّاص الوحيد الذى استطاع أن يصنع أسطورة بمعنى أن ينقل التجربة الإنسانية والدينية للإنسان فى روايات.. كان خالقا وصانعا ومبدعا لا نظير له، قد يقال إن أعماله قليلة ولكنها حية ولن تموت، فهناك أناس كثيرون كتبوا قصصا وكتباً ومقالات لكنها فجة وماتت سريعا.
 
 

 
لم تنل تجربته الإبداعية احتفاء حقيقياً
 
فى نبرة تحمل بعضا من اللوم والعتاب يقول الناقد الأدبى الدكتور حسين حمودة أستاذ النقد الأدبى بالجامعة الأمريكية: الطيب صالح واحد من أهم الكتاب القصاصين والروائيين العرب. لعل اسمه يأتى تاليا لإسم نجيب محفوظ عند كثيرين من المهتمين بالأدب العربى وأتصور أن روايته الكبيرة «موسم الهجرة إلى الشمال» قد لعبت دورا كبيرا فى ظلم أعماله الأخرى المهمة ومنها رواياته «عرس الزين» و«مريود» و«ضو البيت» وأيضا مجموعاته وخصوصا «دومة ود. حامد».
 
أتصور أن الطيب صالح أضاف إضافة مهمة للكتابات الروائية والقصصية العربية التى حللت علاقة الشرق والغرب والتى مرت بسلسلة طويلة من الأعمال، تناول الطيب صالح لعلاقة الشرق والغرب لم تقف عند حدود روايته «موسم الهجرة إلى الشمال» بل تعدت هذا العمل لأعمال أخرى منها قصص قصيرة مثل «سوزان وعلى» و«لك حتى الممات»، وبوجه عام فكتابات الطيب صالح بما فيها أعماله الفردية غير القصصية والروائية، مثل كتابه «منسى» تمثل درسا رفيع الشأن فى الحساسية اللغوية يعبر عن ذائقة رفيعة، ورغم أن الطيب صالح نالت كتاباته اهتماما ملحوظاً ورغم أنه حصل على بعض الجوائز، بل رغم أن اسمه نفسه تحول إلى عنوان جائزة أدبية، فإن تجربته الأدبية لم تنل ماتستحقه من احتفاء حتى الآن.
 

 
 
نقد النقد لأدب الطيب صالح
 
فى دراسة نقدية أعدتها الدكتورة أمانى فؤاد عن درة أعمال الطيب صالح رواية «موسم الهجرة إلى الشمال» اتكأت فيها على أبرز الدراسات النقدية السابقة للرواية من مناظير نقدية مختلفة ومقاربات متنوعة، حيث بدأت مع النقد المقارن الذى تتبعه الدكتور محمد شاهين مخلقا قراءات موازية للنص مع روايات «رحلة إلى الهند» لفورستر و«مرتفعات وذرنج «لإميلى برونتى و«القرمزى والأسود» لستندال، و«قلب الظلام» لكونراد و«عصفور من الشرق» لتوفيق الحكيم، الذى أخذت عليه فؤاد أنه يعرقل تواصل القارئ العربى لأنه على الأغلب لم يقرأ هذه الأعمال التى لم يقرأها حتى كل المتخصصين، إضافة إلى أنه بالرغم من قدرة شاهين على إيجاد التوازيات والتقاطعات بين النصوص إلا أنه لجأ أحيانا إلى المغالاة فى إيجاد هذا التقارب وكأنه قاربهم قسرا.