السبت 21 سبتمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

تجليات «البرلس» فى معرض «قرب الأرض»




عبد الوهاب عبد المحسن فنان تشكيلى مصرى من كفر الشيخ رغم إقامته لفترات طويلة بالقاهرة فإن عشقه للأرض تغلل فى مخزونه البصرى والنفسي، وربطت بينه وبين بحيرة البرلس حالة وجدانية خاصة، فمنذ عام 2000 وهو يقدمها فى معارضه السابقة الخاصة تحت عنوان تجربة البحيرة، تناول من خلالها الأسماك، المياه، الطيور والأعشاب.
 
هى تجربة بحثية جمالية وتشكيلية قدمها الفنان باستخدام عدة تقنيات فنية منها الرسم بالصبغات والحفر على الخشب، والكمبيوتر جرافيك، والتجهيز فى الفراغ، واليوم يستكمل الفنان رحلة البحث عن قيم الأرض الإبداعية والجمالية وسجلها ورصدها بأدواته الفنية وتقنياته التشكيلية، من خلال معرضه الجديد «قرب الأرض» الذى افتتح بقاعه «الباب» بمتحف الفن المصرى الحديث بالأوبرا، ويستمر إلى 24 فبراير، حيث قدم مجموعة من اللوحات التصويرية بالقلم الرصاص على الأوراق رسمها فى آخر عامين، مساحات الأعمال كبيرة اقتربت من 120 سم فى 90 سم.
 
قدم الفنان طرحا فنيا جديدا للمشهد الطبيعى هو مشهد تجريدى واختزالى وليس تجسيدا أو تجسيما، حيث التزام بوجود عناصر البحيرة دون تفاصيل تقليدية، حيث عبر بالخطوط المختلفة الاتجاهات، والتى كونت أشكالا مختزلة للأوراق والأشجار والحشائش البرية والزهور ونبات البحيرة غير منتظمة الشكل، وأظهر بعضها وهى سابحة على مياه البحيرة فى حركة خطية متتابعة ومتشابكة ومعقدة وغير منتظمة، يظهرها ويخفيها الظل والنور وساعده على ذلك استخدامه للقلم الرصاص  الذى تميز به أعمال الفنان.
 
خامة القلم الرصاص جاءت متلائمة لفلسفة البحيرة التى يريد الفنان التعبير عنها، فهى سريعة الانطباع ساهمت فى التأكيد على الحالة التفاعلية للفنان، وخلق تدريج الخطوط من خلال نسخ الخطوط وتعانقها،
 
النبات طرحها شكلاً ومضموناُ فى تقاربها وتباعدها من عمق البحيرة باختلاف أطوال أحجام الخطوط، كما جعل النبات متطايرة ليؤكد وجود الرياح والهواء، أما عن حركة مياه البحيرة فقد أخرجها من سكونها وجعلها تتحرك فى هدوء لتحضن النباتات فى مسارات متغيرة، استبعد الفنان وجود العنصر البشرى من المشهد.
 
وعن بحيرة البرلس يقول عبد المحسن: أهرب إلى بحيرة البرلس كلما ضاقت بى الدنيا، حين تتأزم الرؤيا عندى وتضيق الدنيا بالأحداث أذهب إليها أستمتع بسحرها وامتدادها الأفقى الذى يشعرنى بالبراح  ويحثنى على التأمل والاستغراق فى إيقاعاته، كل مرة أتناول بحيرة «البرلس» أقف عند سطحها الذى يحكى كل الأسرار، فسطح الماء مرسوم عليه كل شيء، عليك فقط أن تتأمله وتتواصل بصدق وتكون أنت لا أحد آخر، وأرسم ما تراه وما تحسه ببساطة، فقط أرسم ما يعن لك وما عليك، إلا أن تعرف بأى الأدوات تعزف لحنها المميز، لتتوفر لك خصوصية التواصل والتعبير وتحديد المسافة التى ستعبر عنها ومنها.
 
هى بحيرتى وأنا، أوجدنا الله معا فى هذا المكان والزمان، هى تقول وأنا رسولها للعابرين عليها، سأرسمها وسأظل أرسمها لأقربها أكثر من القلوب، وأوصلها لمن لا يستطيع الحج إليها، وأحاول أن أنقل خلودها فى أعمالى لعى أستطيع.
 
وعن استبعاد العنصر البشرى قال عبد المحسن: وفى كل مرة ألاحظ استبعادى للبشر من المشهد دون تعمد فلا أرى سوى البحيرة فقط وناس البحيرة  او مجتمع البحيرة وهم والأسماك والأعشاب والنباتات الطوب والطمى والمياه وكل من فيها.
 
وقالت الدكتورة والفنانة التشكيلية والناقدة أمل نصر عن أعمال الفنان: بحيرة البرلس التى سطرت فصلاً مهما فى سيرة هذا الفنان حيث ظهرت فى تجاربه الجرافيكية السابقة لتنقل الكثير من التمكن المهارى والحرفية العالية للفنان كأحد كبار الحفارين المصريين لكنه فى هذا المعرض تخلى عبد الوهاب عن تلك الإمكانيات ليخاطبنا بلغة تقنية أكثر بساطة وعفوية وأقرب إلى الالتقاط تلك الحالة العاطفية التى تناول بها البحيرة، الأعمال اعتمدت على القلم الرصاص وهو خامة السهل الممتنع مع طبقات صباغات شفاف حيث يبدأ الفنان بمساحات من اللون الشفاف فيضع بنية بصرية هادئة للمكان، ينظر الفنان لمنطقة البحيرة وهو مقترب يحدق فيها من الداخل، ليحقق أقرب تواصل معها حتى أنه وصل إلى قلب البحيرة وجعل النبات بخطوطها كأنها إشارات لدقات قلب أو إيقاع نبض الحياه، وهو إيقاع صوفى للحياة انعكس على صفحة المياه.