الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

محمد رفيع: «أبهة الماء» تدور بين «الموت والميلاد»




معركة وجودية وتساؤلات صوفية عن الله والذات الحقيقة الوجود والمصير الكون والموت والحياة الإنسان والطبيعة خاضها الكاتب محمد رفيع من خلال مجموعته القصصية «أبًهة الماء» الفائزة بالمركز الأول كأفضل مجموعة قصصية لشباب الأدباء فى المسابقة الثقافية لمؤسسة «ساويرس للتنمية الاجتماعية» فى دورتها الثامنة، المجموعة تدور أغلب أحداثها فى الطبيعة والجبل والرمل الصحراء والبحر، تحدث إلينا عن  العمل الفائز وعن المشهد الثقافى اليوم فى هذا الحوار.
■ ما سبب اختيارك لهذه النوعية من الكتابة الأدبية؟
- فكرة المجموعة بدأت أثناء تعرضى لظروف خاصة، كان والدى فى أيامه الأخيرة، ومن جانب آخر أنتظر أول طفل، وتأملت هذه اللحظة بين الموت والميلاد، انسحاب الحياة وانتظارها جعلنى فى حالة من التأمل والانزعاج من فكرة الموت، سمعت عن الموت كثيراً ولكن لأول مرة وضعت عينى فى عين الموت، بين وفاة والدى وقدوم ابنى الوحيد حوالى فترة شهر، وحالة القلق الوجودى انتابتنى بدون قصدية للكتابة، تساءلت بصوفية ما الموت وما الحياة؟ كأن الكتابة تحولت من فعل الكتابة إلى فعل الخلق وإعادة التوازن وتأمل الذات، والغوص داخلها جعل الدنيا وكل ما فيها موضع سؤال، تساؤلات عن المقولات الدينية، عن الذات المفردة، ولذلك لا تتوقف القضايا الكبرى عن الطرح والتساؤلات وبثوب جديد نسأل عن الخلق الموت الميلاد العقل والله.
■ حدثنا عن المجموعة القصصية  «أبًهة الماء»؟
هى مجموعة قصص قصيرة تحت عنوان «أبهة الماء» أول طبعة كانت 2009، وأعيد طبعها عام 2011 وتضم 13 قصة قصيرة، مقسمين لمجموعات، الأولى متوالية قصصية تحت عنوان «ثلاثية التكوين»، وبها ثلاثة قصص «صناديق لا تأكل الرمل»، و«ثأر الكائنات»، و«مقابلة مع الله»، والمجموعة الثانية متباعدة قصصية بعنوان «ثنائية الخروج» وتضم قصص «قطف اللذة» و«كيمياء القتل» و«فقه المغيب» و«أبهة الماء»، و«عين المسخوط»، و«تحت الذى فوق»، و«عفوا لقد نفد العمر» وغيرها، المجموعة الثالثة مجموعة قصص منفصلة، وفى المتوالية «ثلاثية التكوين» تحكى عن نفس الشخصية فى كل قصة منها قصه تحت عنوان «صناديق لا تأكل الرمل» هى استحضار لشخصية صوفية بدون تحديد ملامحها أو تفاصيل، رحلته بدأت وانتهت بجوار البحر، هذه الشخصية الصوفية تحاول أن تصل إلى الحقيقة قصة تحكى عن رجل ترك الحياة المدنية وذهب إلى جزيرة نائية وقالوا له أنه يوجد حكيم فى هذه الجزيرة سوف يجيب لك عن الأسئلة الوجودية التى تزعجك ولكن احترس وأن ما يقابله مصيره الجنون الفناء والموت، المريد الصوفى الذى يبحث عن الحقيقة وفكرة العارف بالله الذى يعمل هذا المريد، مقصده أن من يجب له عن فلسفة الموت والأقدار، واستلهمت من النص القرآنى لقصة سيدنا موسى مع الخضر، وقصة أخرى تحت عنوان «مقابله مع الله» لقراءة قصة خلق الإنسان والطبيعة، لدرجة أنى تسألت أين هى التعويذة التى توقف الأقدار وتؤخر الموت، هذه الحتمية الوجودية أخذتنى إلى طرح كل هذه الأسئلة، المجموعة اتبعت فيها فى بعضها سرد وفيها بعض روائى مشارك وفى شخصيات تروى عن نفسها بعيدا عن الراوى المركزى.
 ■ هل كل قصص المجموعة تدور حول الجو الصوفى؟
- الفكر الصوفى أعتبره أعلى درجات المعرفة، والمجموعة أحداثها تقع فى المساحة الرمادية الواقعة بين الواقع والخيال، وقدمت قصص أخرى فى مجموعة «ثنائية الخروج»، لها صلة بالواقع والحياة ولكنها أيضا تحمل اسئلة للذات ضائعة وحائرة منها قصة «كيمياء القتل» وهى تطرح فكرة التلذذ بالقتل وفيها يكتب مجهول لرئيس المباحث يقول فيها «أعزيك على فشلك فى الوصول إلى وهذا الفشل فى فهم الإنسان لأن سيادتكم تبحثون عن دوافع تعرفونها للقتل دوافع عادية وغبية دون أن تفتكروا فى تعقيدات العصر التى جعلت إنسان هذا العصر أكثر تعقيداً ولا يمكن فهمها بمنطق قابيل وهابيل، وكتب له آخر الرسالة مجهول بقدر جهلكم بحقيقة الإنسان، القصة عن هذا الشخص أو المجهول الذى قتل امرأة خانت زوجها معه واعتبر هذا سبباً كافياً للقتل، وقصة «عين المسخوط» التى وقعت أحداثها فى حرب الاستنزاف مع العدو الإسرائيلى، فى ستينيات القرن الماضى، من خلال «الفلاش باك» وتفاصيل أخرى.

 
■ ماذا عن سبب اختيارك لهذا العنوان «أبًهة الماء»؟
- هى كلمة نستخدمها فى العامية، «الأبهة» هى الشيء الفاخر وأقصد بها عظمة الماء، فمن الماء خلق كل شيء حي، وجود الماء يدل على الحياة ويفرق بين الحياة والموت، وقصة الولادة والحياة، هما ثلاثة قصص قصيرة تحت عنوان «أبًهه الماء» يجمعهم الوحدة العضوية، منها قصة جدى وعلاقته بالإنجليز وأنهم قتلوه، كان جسر موجود فى البحر وسط دوامة البحر وظهرت شائعات بأن هذه الدوامة تأكل رجلا كل عام، والثانية قصة والدى مع اليهود.
■ ماذا أردت أن تقول من خلال هذه المجموعة؟
- هذه المجموعة القصصية تدعو القارئ إلى التأمل وسط هذه الحياة المدنية الصاخبة التى تلغى أحيانا من حياتنا وتجديد الصلة بالله وإعادة قراءة للإنسان لنفسه وقرءاة الحياة طرح التساؤلات الوجودية، وخلق معايير جديدة للثوابت، وتساؤلات بين المعرفة والحقيقة المطلقة مثل كيف يكون هناك إيمان بالله، والعقل الإنسانى لازال مقصوراً عن إدراك الذات الإلهية، العمل الادبى بصفة عامة لا يقدم إجابات نهائية أو يقدم حلولاً للقضايا أو يضع نهايات للموضوعات، وان تحديد هدف نهائى لاى عمل أدبى قد يحد من تأثير المنتج الروائى على القارئ، وانا منذ بدأت وان أجيد التأمل فى التفاصيل وهذا ما تعملنه من عشقى للبحر باعتبارى من الغردقة وأعيش فى  بيئة بحراوية، لذلك أن اسأل البحر أو يسألنى البحر فهذا جدل دائم بيننا لا ينتهى.
■ ماذا تمثل «جائزة ساويرس» وهى جهة خاصة غير  رسمية؟
- حصولى على هذه الجائزة فى هذه الفترة العصيبة التى نمر بها من فرض قيود على حرية الإبداع وحرية التعبير كان دعما مهما جدا، ومخطئ من يراها أنها جائزة خاصة لمؤسسة يديرها رجل أعمال، هذا لا يقلل من قيمتها، لأن المؤسسات والهيئات لها مسئولية اجتماعية تجاه الشعب، وهذا يحدث فى دولة أخرى وهى ليست دعاية للشركات الخاصة، مؤسسات المجتمع المدنى ودعمها للثقافة نحتاجه جدا،  والمسابقة لم ترفض أى موضوعات أو قيود مسابقة أتاحت الحرية بلا حدود، الثقافة المستقلة هى ما أنتجته الثورة من الفعاليات مثل مجموعات الشباب «الفن ميدان» و«الثقافة المستقلة»، خرجت من الفكر المؤسسى وقيوده، تكريم المثقفين هو أيضا فعل ثورى ولدينا الكثيرين يستحقون هذا التكريم لأنهم يغذون الشارع بالأفكار وساهموا فى الارتقاء بوعى الشعب، اعتبرها جائزة تكمل جوائز الدولة ونتمنى أن يكون فى مصر أكثر من جهة لتكريم الثقافة، لا نعرف من هم لجنة التحكيم ولم نقابلهم إلا يوم التكريم، وهذا أعطانى تكريما آخر أن يأتى التقدير من أشخاص لا أعرفهم.
■ هل لك أعمال كتبت عن ثورة يناير؟
- من يكتب عن الثورة وهى مازالت مستمرة؟! الكتابة عنها سوف يجعلها أيقونة، كما لو كانت 25 يناير انتهت، ولكن أنا مع الكتابة الثورية بشكل عام، الروايات والقصص بها فعل ثورى مثل أن يثور الإنسان على الواقع، ويثور ويتساءل ويرفض المسلمات، بعض ما كتب كان جيداً مثل كتاب «100 خطوة من الثورة» لأحمد الشطى، ورواية «باب الخروج» للكاتب عز الدين شكر، وهى عمل روائى فيه تأريخ الثورة وأحداثها وتنبئ بالقادم، فمن الجائز أن يتوقع الأديب بشيء يحدث من خلال مؤشرات متاحة يبنى عليها نتائج، وإذا حدثت ما توقعه يكون هذا لقاء تم بين خيال أديب وقاص وبين الواقع، وهو ما تكرر فى أعمال أدبية كثيرة.
■ احكى لنا عن لقاءاتك مع الأديب الراحل إبراهيم أصلان
- الكاتب والأديب الرائع والراحل إبراهيم أصلان له كل التقدير تعلمت منه الكثير، وكنت قد أرسلت له المجموعة الأولى من إصداراتى وكتبت له فى المقدمة كلمة إهداء «إن مجرد إقدامى على تقديم هذا العمل لقامة كبيرة مثلك يماثل الانتحار»، ثم التقيت به بعد عام تقريبا فقال أصلان لي: «يعنى أنت لسه عايش مانتحرتش»، وقال خليك فى الغردقة بلاش تجى مصر اكتب من هناك واكتب عما تعرف جيدا حتى تختمر التجربة.
■ من خلال حضورك الندوات الثقافية هل تعتبرها كافية لتواصل المثقف مع المجتمع؟
- المثقف لابد أن يتحول إلى مثقف عضوي، والندوات أصبحت تدار وكأنها تقام فى غرف مغلقة، من يحضر الندوات هو نحن فقط، ونبحث فى كل ندوة عن شخص من خارج الوسط الثقافى ولا نجده، ندوات مثلا تكون فى ورشة الزيتون أو أتيليه القاهرة أو المجلس الأعلى للثقافة، من يعرف هذه الأماكن هم المثقفين، أنا قمت بتجربة تحت عنوان «القافلة الثقافية» وكان مع الدكتور شريف الجيار ومجموعة أخرى من المثقفين، وأقمنا هذه الندوات داخل الكليات والمعاهد فى بعض الأقاليم والقرى، نقلنا الثقافة إلى مستحقيها وهو القارئ وشباب الجامعة العامة، لأننا لو انتظرنا حضورهم معنا فى قاعات الندوات الخاصة لن يأتى أحد، كان هدفنا كسر حاجز النخبوية، وفى إحد القوافل كان معنا أحمد الهوان «جمعة الشوان» وحضر هذه الندوة عدد من الشباب كثير جدا، وفرحوا بلقاء محارب له إنجازات.