"التطعيم الخطر" !
عبد الله كمال
أمر مثير للدهشة: الناس تخشي التطعيم من أنفلونزا الخنازير.. ولا تخشي الإصابة بالمرض نفسه (!) تناقض مهول.. كما لو أن في التطعيم (سم قاتل).. بينما القناعة المعاكسة توحي بأن المرض بسيط.. وأن التعرض له ترياق منه.. إذ يعتقد الكثيرون أن الإصابة به تنفي التعرض له مرة أخري.
المرض في حد ذاته خطر حقيقي. والدليل أعداد الوفيات المتزايدة.. التي تخطت حتي الآن المائة حالة. ولكن الدعاية المضادة للتطعيم تثير علامات استفهام كبيرة ومعقدة.. خاصة أن ما يتردد بين الناس لم يثبت علميا.
صباح الأمس اتصلت بالدكتور حاتم الجبلي وزير الصحة لكي أناقش معه هذا الأمر.. لا سيما بعدما نشرناه يوم الجمعة في تحقيق للزميل محمود فاضل وتحدث فيه عن مخاوف الناس قبل أن تبدأ حملة التطعيم.
الوزير قال إن هناك نوعين من التطعيم.. الأول عادي للمواطنين العاديين.. فيه مادة تحفيز لجهاز المناعة. والثاني مخصص للحوامل وله صفات علمية محددة.. تراعي أنه ليس علي الحوامل تعاطي أي أدوية لا سيما في الأشهر الاولي للحمل.
ونفي الوزير كما كرر من قبل أي آثار جانبية للتطعيم. واستخف بمن يقول إنه سوف يؤثر في المتطعمين بعد عشر سنوات أو عشرين سنة.. وقال: كيف نقيم تطعيماً علي أساس هذه الفرضية؟
ومرة جديدة أكد أن التطعيم متاح. وأن الحكومة لا يمكنها أن تجبر أحداً علي أن يتطعم به. وقال (هذا الإجبار ليس في سلطتنا).. وفرنا التطعيم وفق تعليمات وزارة الصحة العالمية.. ومواصفاتها.. وإذا رفض أي تلميذ أي تطعيم فإن علي ولي أمره أن يوقع ورقة بذلك. وقال: ليس صحيحاً أن علي المواطن أن يري المرض أقل خطراً من التطعيم. حالات الوفيات أمام الجميع. وخطورتها في أن أغلبية المتوفين من أصحاب الأمراض المزمنة.. وهؤلاء ليس عددهم بالقليل في مصر.
وفهمت من الوزير أن مثل تلك المخاوف لدي المواطنين المصريين موجودة في عدد من دول أوروبا. ولكنها في المقابل غير موجودة في كثير من الدول الآسيوية، حيث جرت عمليات التطعيم وأدت تقريباً إلي اختفاء المرض، ونفذت بريطانيا حملة قومية للتطعيم أدت إلي تراجع الإصابات من 84 ألف حالة إلي تسعة آلاف حالة فقط في غضون أسبوعين.
وجهة نظري أن الحكومة ليس عليها أن تتعامل بمثل هذه الحيادية مع الأمر، وأن عليها حتي وهي تلتزم مبدأ عدم الإجبار في التطعيم.. أن تتدخل بدعاية مكثفة.. شارحة موضحة.. وأن تكرر الرسالة.. حتي لو كانت قد قالتها عدة مرات.. وإنه إذا كانت سوف تمد التطعيم إلي محافظات أخري إذا ما وجدت الإقبال ضعيفا في المحافظات الست الأولي.. ومنها القاهرة.. فإن عليها أن تركز علي القاهرة.. ليس لأني أسكن فيها.. ولكن لأن بها أكبر عدد من السكان.. ولأنها الأكثر ازدحاماً.
هذا مرض وبائي خطير، وقد عادت مرة أخري موجة الاستخفاف به، وليس علي الحكومة بمضي الوقت أن تتهاون في التعامل مع الأمر.. وأن تبقي حريصة علي جديتها في إدارة الموقف.. وأن يبقي (وزير القلق ) - كما وصفت حاتم الجبلي من قبل - علي قلقه.. وأن يصر علي تصديره إلي الناس.. وقد اطلقت عليه هذا الوصف ولم تكن حالة وفاة واحدة قد وقعت في مصر.. الآن الأعداد تتزايد.. ويومياً يتم الإعلان عنها بأعداد تتراوح بين أربع وست حالات.. وليس هذا أمراً عاديا.
الخوف من الوقاية هو أغرب ظواهر مواجهة أي مرض. والمعلومات لا بد أن تتوافر للمواطنين بشكل متكرر وعلمي وموثق، والرد علي كل الاستفهامات يجب أن يستمر بدون إحساس بالملل أو الكلل، تلك هي مهمة الحكومة متمثلة في وزارة الصحة.
الموقع الإليكتروني : www.abkamal.net
البريد الإليكتروني : [email protected]