الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

فى الذكرى الـ«104» لميلاد صاحب «شعار» ثورات الربيع العربىمثقفون: أبوالقاسم الشابى عاش ومات كالشهاب الخاطف




يحتفل العالم العربى اليوم بذكرى ميلاد الشاعر التونسى أبوالقاسم الشابى الذى ولد عام 1909، وما لبث أن أكمل عقده الثانى ونيفاً حتى توفى فجأة بمستشفى الطليان بتونس العاصمة، ودفن ببلدته توزر، وفى عام 1946 أقامت له تونس ضريحًا خاصًا نقل إليه جثمانه فى احتفال بهيج.
 
 زادت شهرة الشابى الذى عاش كالشهاب، خاصة لدى العامة مع بداية الثورة التونسية واستخدام البيت الذى يقول فيه «إذا الشعب يوما اراد الحياة فلابد ان يستجيب القدر» كشعار لها.
 
ويتحول بعد ذلك ليكون شعار الثورات العربية، وهنا يظهر سؤال عن قيمة الشابى الشعرية فى الشعر العربى الحديث، وقيمته فى الشعر السياسى والثورى الذى يزخر به الشعر العربى وهل يعد الشابى أحد أقطابه؟    
 
 

 
 
 وفى البداية تحدث الناقد التونسى الدكتور محمد الغزي، قائلا: إن لقصائد الشابى فتنة البدايات وغوايتها، ومثل كل بداية كانت هذه القصائد حدث انشقاق وفعل تأسيس، انشقاق عن سلطة «الأنموذج» الذى أسس فى الشعر العربى تقاليد فى الكتابة استحكمت صورها فى العقول والأذهان حتى كانت أشبه بالقوانين، وتأسيس لشكل جديد من الكتابة يعقد مصالحة بين عالمين ما فتئا فى الثقافة العربية يتباعدان: «عالم النص» و«نص العالم».
 
 وأضاف: كان شعر الشابى «اكتشافا للزمن» فى تعاقبه وتراخيه بعد أن كان الماضى فى الشعر التونسى الحاضر المتدفق دائما يعم كل الأزمنة ويستغرقها، أى أن هذا الشعر كان خروجا على منطق الدهر والجواهر الثابتة، وانتسابا إلى منطق التاريخ والأعراض المتحولة، بسبب هذا ظل فى كل شاعر حديث شىء من الشابى.
 
وكشف الغزى عن أن هناك مرجعين قد تحكما فى رؤية الشابى بديوانه «إرادة الحياة» ووجها على نحو خفى صوره ورموزه وطرائق تصريف القول عنده، وهما نص المتصوفة ونص جبران خليل جبران، وهذان النصان ظلا يجريان تحت سطح القصيدة الشابية، يشدان مختلف نماذجها شد انسجام وتوافق.
 
أردف الغزي: إن قيمة الشابى لا تكمن فيما قاله، ولكن فيما سعى إليه ولم يقله، لهذا أضحى فى كل قصيدة عربية حديثة شيء من الشابى وبضعة من إنجازه الشعري، وهو بذلك يعيد إلى شعرنا أسطورة القصيدة الأم التى منها تتناسل كل القصائد، وإليها ترتد فى ضرب من العود الأبدي.
 
ويرى الدكتور محمد حسن عبدالله أستاذ النقد الأدبى بجامعة الفيوم أن التساؤل حول الشعر السياسى والشابى فى ظاهره صحيح، ولكن حين نتمعن بنية الشعر والظروف التى ينتج الشاعر فيها قصيدته ربما يتغير الحكم ونكون قد تعجلنا فى الاستنتاج، وقال: قصيدة الشابى الشهيرة ذات نبرة خطابية وإن توشحت بالغناء للطبيعة والهتاف للإنسانية وللنضال، ولكنها من منظور شعرى خالص تبدو خطابية ومباشرة، ولعلنا نلمح هذا فى صلاحيتها للهتاف فى التظاهرات، وهذه الصياغة الخطابية تجاوزتها حركة الشعر العربى فيما بعد، وهنا ينبغى ان نضع فى الاعتبار ان عصر «القصيدة» قد أفسح مكانا لفنون أخرى تبدو أقرب إلى الموضوعية وتحقق شرط الشعرية أيضا، ولكنها تتوجه إلى قارئ مفترض أنه أعلى ثقافة من مرددى الهتاف فى التظاهرات، مثل بعض ما ذكره أحمد شوقى فى مسرحية «مصرع كليوباترا»، وحين نقرأ ديوانا مثل «أغانى الكوخ» للشاعر محمود حسن اسماعيل 1935 بعد وفاة الشابى بعامين، سنجد الاحتفاء بالمواطن العادى ساكن الكوخ وتمجيد كفاحه وحفزه على مقاومة الظلم وعدم الرضا بالأمر الواقع، وحتى بعد أن صدر لنفس الشاعر ديوانه الآخر «الملك» وهو فى جملته مديح للملك فاروق فإنه فى هذا المديح بسط مطالب الشعب الفقراء بصفة خاصة، وكان فى عرضها مثل الفلاح الفصيح الذى تحدث عنه الأدب المصرى القديم، وقريبا من زمننا كتب الشاعر الكبير «صلاح عبدالصبور» قصيدة فى هجاء الزعيم جمال عبدالناصر يوم عودته من باندونج وكان عبد الناصر لم يكتسب الرضاء الجماهيرى العام بعد، وكانت الفكرة عنه أنه الذى قبض على الرئيس محمد نجيب واستولى على سلطته الشرعية دون وجه حق.
 
وأضاف: إن الشعر السياسى كثير جدا فى شكل القصيدة وأكثر فى سياق المسرحيات الشعرية، ولانستطيع أن نطالب كل شاعر بأن ينظم الهتافات فى التظاهرات، فلهذه المواقف شعراؤها الذين يبتكرون الشعارات فى لحظتها.
 
نفى الشاعر شعبان يوسف أن يكون الشابى أحد أقطاب الشعر السياسي، مشيرا إلى أن هناك الكثيرين من الشعراء يمكن القول أنهم أقطاب الشعر السياسى مثل: محمد الجواهرى وخليل مطران وحافظ إبراهيم ومحمود سامى البارودى وأحمد شوقي، وقال: لكن قصيدته «إرادة الحياة» خلقت اتجاها وتيارا مختلفًا، فالشابى عاش سنوات قليلة، كما أنه كان يميل إلى الرومانتيكية، فأجمل أشعاره كان «صلوات فى هيكل الحب» التى نشرت فى مجلة «أبوللو» عام 1933، والتى اعتنى بها المصريون كثيرا واعتبروها تنطوى على أركان المدرسة الرومانسية فى مصر والعالم والعربي، وبالبحث فى شعر الشابى سنجد المراثى والرومانسى والاجتماعي، وليس هناك المساحة الواسعة فى الشعر السياسى والثوري.
 
وقال الشاعر عيد عبدالحليم: أبوالقاسم الشابى يعتبر أحد رواد الشعر العربى الحديث رغم أنه كان ينتمى للمدرسة الرومانتيكية، فهو من مدرسة «أبوللو» رغم إقامته بتونس إلا أن هذه المدرسة اصطفت الكثير من الشعراء العرب، ورغم صغر سنه كان من أبرز أبناء هذه المدرسة فكان كالشهاب الذى بزغ فجأة ومات فجأة، لكنه ترك تراثا شعريا عظيما نظرا لبنية شعره المتميزة بالسلاسة والصفاء والنقاء، فإذا كان أحد أقطاب مدرسة «الديوان» هو عبدالرحمن شكرى الذى أرسى فكرة أن الشعر وجدان مع أعضاء المدرسة كالعقاد والمازنى لكنهم كانوا أبعد مايكون عن الوجدان الذى تمثل تماما فى «أبوللو»، إضافة إلى أن الشابى كان مجددا فى أفكاره، فالشعر الحقيقى هو الذى يتجدد دوما فهذا البيت
 
إذا الشعب يوما أراد الحياة
 
فلابد أن يستجيب القدر
 
وهو شعار الثورات العربية، والذى قيل منذ أكثر من 80 عاما، لكنه كان حاضرا حتى الآن وظل مستمرا وأصبح هو شعار الثورات العربية وكان ملهما، كما هو الحال مع أبيات الشاعر صلاح عبدالصبور الشهيرة ومسرحيته الشعرية «مأساة الحلاج» كذلك البيت الشهير
 للشاعر حافظ إبراهيم
 
وقف الخلق ينظرون جميعا
 
كيف أبنى قواعد المجد وحدى
 
فالشابى كالمعدن النفيس الذى كلما مر عليه الزمن يزداد تألقه ويغلو ثمنه، أيضا فكرة الشهاب الخاطف هو سمة الشعراء المؤثرين فى الشعر العربى أو العالمي، فلو راجعنا الذين حققوا حراكا فى الشعر مثل الشاعر الفرنسى رامبو الذى توفى فى السابعة والثلاثين من عمره والفارس القوى وشاعر المعلقات بالعصر الجاهلى طرفة بن العبد الذى توفى فى السادسة والعشرين من عمره، أيضا الشاعر المصرى على قنديل أحد رواد قصيدة النثر ومات وهو فى الثالثة والعشرين من عمره فى حادث سيارة، فالموهبة لاتقاس بالعمر إنما بمقدار ما يتركه الإنسان من تراث فني، وربما هذا البيت لم يكن هو من افضل ما كتب الشابى نظرا لمباشرته لكن فى الليلة الظلماء نتذكر النور وسيظل من المهم دوما أن نتذكر رموزنا.