الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

خطة إسرائيلية لمواجهة جماعة الإخوان المسلمين في مصر






 روزاليوسف اليومية : 04 - 09 - 2011


وصف تقرير للمخابرات الأمريكية لقاء جري في نهاية أغسطس الماضي بين وفد إسرائيلي علي قدر كبير من السرية تشكل أعضاؤه من عدد من ضباط الموساد والمخابرات الحربية وشعبة الأمن الداخلي وهيئة الأركان الإسرائيلية وبين الإدارة الأمريكية، وحمل ملفا عاجلا لواشنطن في مهمة تشبه الإعداد للحرب وتحذيرا إسرائيليا من تفاقم نفوذ وقوة جماعة الإخوان المسلمين في مصر مع تسجيلات فيلمية حديثة نسبوها للجماعة ومنها فيلم للدكتور "صلاح الدين عبد الحليم سلطان" المحاضر في القانون والشريعة الإسلامية بجامعة القاهرة ورئيس لجنة القدس وفلسطين في الإتحاد العالمي لعلماء المسلمين وصفوه بالعضو البارز في الجماعة المصرية وهو يدعو الثوار أمام السفارة الإسرائيلية بالجيزة لقتل السفير الإسرائيلي وإلغاء معاهدة السلام.
في الأوراق أعلن الوفد أن الموساد قد بدأ متابعة حية للموقف (علي الأرض) وحذر الوفد الإسرائيلي الأمني من أن دم السفير الإسرائيلي "اسحاق لفانون" قد أحل بفتوي علنية من قبل الجماعة وأن تل أبيب قد أصدرت أمرا بعدم عودة السفير الإسرائيلي للقاهرة وأن إسرائيل تجد نفسها حاليا مضطرة لمواجهة الجماعة علي الأرض وفي ملفهم قدموا ورقة أخري حملت شعارا سريا للغاية لم يوقع عليها بعد طلبت فيها إسرائيل الضوء الأخضر وتوقيع المسئول في المخابرات المركزية الأمريكية لتنفيذ عمليات مخابراتية ضد جماعة الإخوان في مصر حيث انتهت الدراسات في تل أبيب إلي أن الأحزاب المصرية الأخري كرتونية لا يثق فيها أو يصدقها الشعب المصري وأن الإخوان تمكنوا حاليا من الشارع وسيسيطرون علي نسبة تتراوح من 60% إلي 70% من مجلسي الشعب والشوري القادمين.
علي الفور تشكلت لجنة أمنية أمريكية إسرائيلية مشتركة وتبادل فيها الجانبان المعلومات والصور والفيديو والتسجيلات الصوتية التليفونية حيث اتضح أنهم يراقبون خطوط التليفون الدولي لعدد كبير من جماعة الإخوان المسلمين بمصر حيث الطرف المراقب يلتقط عندما يبدأ في استخدام المكالمات الدولية عبر الأقمار الصناعية وعبر الكابل البحري الدولي. وهو ما يثير القلق فكيف يراقبون الإخوان في مصر؟
غير أن الإجابة كانت شافية فالمراقبات لا تتم من داخل مصر أو من خلال أي من الشركات العاملة في تقديم خدمات التليفون سواء الأرضية أو المحمولة لأن الموضوع ببساطة يتم بوضع عدد من الأرقام المعروفة لإسرائيل أنها للإخوان المسلمين في مصر ورصدها بتعاون خاص بين الموساد وأجهزة الدول الأخري وما أن يظهر الرقم متصلا من مصر علي الجانب الآخر حتي تبدأ آلات الرصد الإلكترونية عملها في التسجيل وفي النهاية الأمر لا يختلف كثيرا فالمكالمات الدولية الخاصة بالجماعة يتم تسجيلها وهو المطلوب عبريا ونقطة الضعف الوحيدة أمنيا تخص الجماعة وحدها حيث تتوصل إسرائيل بشكل دائم لأرقامها السرية وهو ما يتيح لهم متابعة ورصد وترقب اتصالاتهم الدولية.
الجلسة سارت بشكل إلكتروني بحت والطرفان الأمريكي والإسرائيلي يتباري كل منهما في عرض ما رصده عن الجماعة منذ يناير الماضي وحتي موعد الجلسة في نهاية أغسطس الماضي وقد كانت أهم التسجيلات التي وقفوا عندها طويلا عرضا لمكالمات صدرت من مصر من أرقام تليفونات محمولة خاصة بالجماعة اتصلت علي أرقام فلسطينية خاصة بأعضاء بارزين ونشطاء من جماعة حماس الفلسطينية وهنا يكفي أن نتعرف علي سهولة رصدها حيث إن أرقام تليفونات حماس كلها أرقام تحت السيطرة الإسرائيلية الإلكترونية الكاملة.
ربما يكون التساؤل حول سبب عدم قطع إسرائيل للاتصالات عن قطاع غزة في أي وقت مضي مع أنها لو طالت أن تقطع الهواء لفعلت وقد قطعت بالفعل الماء والكهرباء والغذاء والوقود وكل ما هو حيوي عن القطاع إلا الاتصالات لم يسمع أحد أبدا أنها قطعت والسبب ساذج للغاية لأنهم لا يستطيعون قطع أهم مصدر للمعلومات لديهم حيث يراقبون خطوط الهاتف الفلسطيني علي مدار 24 ساعة دون توقف ومن هنا يأتي توثيق معلومة أنهم سجلوا مثلا كل المكالمات الهاتفية لجماعة الإخوان المسلمين مع قطاع غزة المحتل ولا ننسي أهم مكالمة وأشهرها وهي التي سجلوها للشيخ "القرضاوي" من ميدان التحرير وهو يتلقي مكالمة هاتفية قادمة من هاتف "إسماعيل هنية" في غزة مهنئا بالثورة المصرية وبعودة الشيخ القرضاوي للقاهرة في جمعة النصر الشهيرة التي أم القرضاوي فيها الثوار في التحرير.
الجلسة شملت استعراض بيانات سرية حصلت عليها إسرائيل من عملاء لها في النظام المصري البائد لمبارك اتضح منها أن جماعة الإخوان المسلمين في انتخابات ديسمبر 2005 كانوا قد نجحوا بالفوز بعدد 311 مقعدا من بين مقاعد مجلس الشعب ال444 بالانتخاب ناهيك عن العشرة مقاعد بالترشيح الرئاسي بواقع 72% من مقاعد مجلس الشعب المصري ولا ننسي أن مبارك كان يومها في قمة حكمه لمصر.
التقرير الأمريكي يكشف معلومة غاية في الأهمية وهي أن إسرائيل طلبت يومها من مبارك التدخل فأمر علي الفور بتقليص مقاعد الإخوان الفائزة فنفذ له وزير داخليته "حبيب العادلي" المهمة وزور له عددا من الدوائر حتي تقلص العدد للحد الذي يمكن للمجلس العمل فيه لحساب النظام لخدمة المصالح الإسرائيلية.
وفي الجلسة عرض الوفد الإسرائيلي شرحا وافيا للجنة الأمنية الأمريكية عن استراتيجية الجماعة المصرية وكيف أنهم نجحوا في استبدال "الجهاد" بمعانيه لما يسمي "الدعوة" وأنهم طبقا للدراسات الإسرائيلية أصبحوا يمتلكون الحزب الذي سيمكنهم من الوصول للرئاسة المصرية.
الوفد الإسرائيلي عرض فيلما وثائقيا للجماعة حيث سجلت لهم إسرائيل توثيقا منذ عام 1954 لأغسطس الماضي والملخص أنهم أصبحوا دولة داخل الدولة وطبقا للرأي الإسرائيلي لا تقتنع إسرائيل بآراء من أطلق عليهم الوفد الإسرائيلي في اللقاء لقب "مثقفي القهاوي" المصريين وأنهم يستطيعون الوقوف أمام مد الإخوان المسلمين في مصر وفي الخلفية تأكيدات إسرائيلية بأن الإخوان هدفهم كرسي الرئاسة وتحذير إسرائيلي بأن ذلك يعني ببساطة انهيار السلام ودخول المنطقة في حروب جديدة ستشعل المنطقة في تهديد صريح للمصالح الأمريكية.
الوفد الإسرائيلي كان يضم خبيرا أمنيا لم يذكر اسمه بالتقرير وصف بأنه متخصص في شئون جماعة الإخوان المسلمين المصرية وقد قدم ذلك الضابط عرضا سياسيا وصف بالمبهر كانت نتيجته قلقا أمريكيا حقيقيا وتعديلا فوريا لنقاط جديدة رفعت للبيت الأبيض كي توضع علي جدول لقاءات الإدارة الأمريكية السرية مع جماعة الإخوان المسلمين في مصر من أجل أن تحصل الولايات المتحدة الأمريكية علي وعد مكتوب من الجماعة بأنهم سوف يلتزمون بنسبة 35% كحد أقصي في أي انتخابات قادمة وهو ما وثق التقرير أن الإخوان وافقوا عليها بشكل مبدئي وألا يترشحوا بأي شكل ظاهر أو باطن للرئاسة المصرية.
الحديث في التقرير لا ينتمي لتلك الأحاديث المعروفة في مصر ولا ينتمي لآراء خبراء السياسة والاستراتيجيات المتواجدين بين القنوات العربية والأجنبية المختلفة بل إنه حديث جهاز إسرائيلي لا يعرف في دستوره غير الغدر والقتل ربما لأسباب اقل وأهون من تهديد الإخوان لإسرائيل وجهاز أمريكي آخر اشتهر عنه السذاجة والرضوخ للجهاز الإسرائيلي والمهم في القضية أن الموساد أخذ وعدا بموافقة أمريكا علي قيام إسرائيل بما تريده من عمليات في مصر ضد جماعة الإخوان المسلمين إذا نقضت الجماعة الاتفاق وهو 35% كحد أقصي أو المواجهة علي الأرض وطلب الوفد من الولايات المتحدة الاستعداد قانونيا لو فقدوا السيطرة لوضع جماعة الإخوان المصرية علي قوائم الإرهاب استنادا للقوانين الأمريكية والإسرائيلية بتجريم كل جماعة تتعاون مع إيران وربط تعاون الجماعة مع حماس في فلسطين ضمنيا بتعاون حماس مع إيران والخروج بنتيجة أن الجماعة تتعاون مع إيران ومن ثم تجريمها.
حتي اسم العملية الإسرائيلية المؤجلة ضد جماعة الإخوان المسلمين في مصر طرح اسمها في التقرير نقلا عن الجلسة السرية وهو "اللجام" بمعني أن إسرائيل لديها بالفعل مخطط كامل علي الأرض المصرية ضد الجماعة.
وفي الوقت الذي تصرخ فيه الدولة العبرية منادية بضرورة الحفاظ علي السلام نجدهم قسموا أعداءهم في مصر ووضعوا خططا تنفيذية ضد كل منهم وعندما نحسب الموقف نجد أن المجتمع المصري ككل مستهدف من إسرائيل فمثلا الدكتور "محمد البرادعي" هدفا في كفة وباقي مرشحي الرئاسة هدفا أقل أهمية في كفة أخري وجماعة الإخوان المسلمين في كفة كبيرة تقابلها كفة أخطر وهي الجماعات الإسلامية المتشددة التي بدأت في الظهور علي الساحة السياسية في مصر وفي المجمل المجتمع المصري كله قسمته إسرائيل لشرائح ولا نعلم من سيتم الهجوم عليه أولا؟
إن الموقف بين الإخوان المسلمين وإسرائيل لا يدعو حاليا للتفاؤل فالتقرير جاءت به ورقة شديدة الخطورة حملت عنوانا ربما يفهمه من درسوا علوم الاستراتيجيات وهو "الجماعة ومسألة وجود دولة إسرائيل" حيث ندرك من الوهلة الأولي أن الموضوع أصبح يشكل خطرا علي وجودية إسرائيل وهو ما يجعلها في أشرس حالاتها ضد الجماعة فعلي مر تاريخها لم نجدها تتصرف بتهور وبعنف شديد إلا عندما تصل المسألة لما وصلت إليه حاليا فالجماعة تهدد وجودية إسرائيل. الغريب أن كل هذا التهديد والتحذير نجد معه طلبا إسرائيليا رسميا ظهر جليا في التقرير فإسرائيل طلبت من الإدارة الأمريكية أن تشرف علي مفاوضات سرية إسرائيلية إخوانية بأسرع وقت وطلبت إسرائيل بوضوح عقد معاهدة صلح وتفاهم (سلام) منفردة مع جماعة الإخوان المسلمين في مصر وأكد التقرير أن الإدارة الأمريكية نقلت بنود تلك المعاهدة للجماعة في مصر وأن الأخيرة حاليا طبقا لما ذكر تدرس تلك المعاهدة أو الصلح وحلل التقرير تصرفا وجدنا له أساسا علي الأرض إذ أكد أن قرار جماعة الإخوان المسلمين في مصر الذي طرحه الدكتور "محمود حسين" الأمين العام للجماعة في 25 أغسطس الماضي بالإعلان عن عدم نية الجماعة المشاركة في جمعة الوقوف ضد إسرائيل كان جزءا من تكتيكات بداية التفاوض بين الإخوان وإسرائيل بوساطة أمريكية رسمية.
التقرير الأمريكي كشف أن الطرفين الإسرائيلي والأمريكي اتفقا كذلك علي ضرورة إيجاد أحزاب مصرية أخري يمكن تقويتها ومساندتها سياسيا وماليا من أجل إحداث التوازن المفقود سياسيا حاليا في مصر علي حد تعبير التقرير حيث لا يجد الطرفان أملا في مشاركة سياسية متساوية بين الإخوان وأي حزب آخر طالما بقي الوضع علي ما هو عليه حاليا وفجر التقرير الأمريكي قضية مهمة وهي ضغط أمريكا حاليا علي جماعة الإخوان المسلمين حتي يقبلوا مستقبلا بتشكيل حكومة ائتلافية مع حزب الوفد المصري الذي تري الولايات المتحدة أنه الأكثر استعدادا للعب هذا الدور علي أن يتم تطعيم الحكومة القادمة بعدد ضئيل من المقاعد التي سيشغلها أعضاء منفردين أو مستقلين عن أحزاب أخري.
التقرير فجر مفاجأة حيث كشف أن إسرائيل رفضت تواجد أي من الأحزاب التي يمكن أن تتشكل من الثوار الذين قاموا بالثورة في مصر في أي تمثيل مؤثر لحكومة مصرية قادمة وأنهم مع أمريكا قرروا عدم الموافقة علي تولي أي من هؤلاء في حال نجاحه أي ملف سيادي حيث ستتقاسم الجماعة مع الوفد تلك الملفات ورجح التقرير أن يرشح رئيس حزب الوفد نفسه للرئاسة المصرية في الفترة القادمة وأشار التقرير إلي وجود مرشحين يملكون الورقة الحاسمة والرابحة في انتخابات الرئاسة المصرية لم يظهروا بعد طبقا للتقديرات الإسرائيلية والأمريكية الرئيس المصري القادم بين هؤلاء وأنه سيحصد الأصوات بشكل ديمقراطي شفاف بمجرد ترشحه للرئاسة غير أن التقرير لم يسمه أو حتي يذكر أيا من أوصافه مدنيا كان أو عسكريا.
التقرير ذكر بوضوح أن من أعلنوا عن ترشح أنفسهم للرئاسة حتي الآن تطوعوا بقصد أو عن سوء تقدير وخبرة للقيام بدور الوقود السياسي للثورة المصرية وهو ينفذ يوما تلو الآخر مهيئا الشعب المصري لانتظار الرئيس الحقيقي الذي يستعد حاليا في الكواليس.