الأربعاء 17 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

ثروت عكاشة..أنقذ «فيله» و«أبوسمبل» أديب ووزير برتبة ضابط




عام يمر على ذكرى رائد الثقافة المصرية المعاصرة ثروت عكاشة الذى أسس للسياسة الثقافية المصرية بعد ثورة يوليو 1952م وهو المؤسس الأول لصحافة الثورة، حين تولى رئاسة تحرير مجلة «التحرير» فى سبتمبر 1952 التى تركها فى العيد الأول لثورة يوليو، ثم مهمة وزارة الثقافة والإرشاد القومى عام 1958 حتى 1962، لكنه بعد تركه الوزارة تولى رئاسة المجلس الأعلى للفنون والآداب والعلوم الاجتماعية ثم عاد مرة أخرى وزيرا للثقافة عام 1967.

 
تميز ثروت عكاشة بأن أداءه كان أداء ثقافيا أكثر منه إعلاميا، فكان يعقد اجتماعا شهريا مع قيادات الوزارة لمتابعة وتطوير السياسة الثقافية وهو ما توقف بعد تركه الوزارة، كل مشروع ثقافى مهم بمصر الآن هو من تأسيس وفكر عكاشة، فالحال الثقافى وقت الخمسينيات والستينيات هو الأفضل من الوقت الحالي، فهو واحدمن ثلاثة مع فتحى رضوان وأحمد حمروش ممن ألقوا بظلالهم على الثقافة المصرية فكان مترجما من قبل توليه الوزارة ومن أهم ترجماته كتاب «مصر فى عيون الغرباء»، أيضا تجربته الصحفية الهامة مجلة «التحرير» التى كتب فيها أهم الكتاب والشعراء، عن قيمة ثروت عكاشة الثقافية والفكرية والفنية يقدم عدد من المثقفين والمفكرين شهاداتهم فى السطور التالية ....
 
 

 
يرى الدكتور شاكر عبد الحميد وزير الثقافة الأسبق أننا كنا بحاجة إلى شخصية مثل الدكتور ثروت عكاشة وزير الثقافة فى العصر الناصري، فهو أحد البناءين العظام للثقافة المصرية ورمز من رموز النهضة الثقافية التى تمزج بين القول والفعل والرؤية والإنجاز وإسهاماته تتنوع بين الكم والكيف وهى تتنوع فى التأليف والترجمة، كما أن المشروعات الثقافية التى أنجزها مثل كتاباته عن فنون الشرق مثل الفن المصرى القديم والكتابة عن فنون الإغريق والرومان مرورا بعصور النهضة وصولا إلى الفن الحديث وتأسيسه لمدرسة مصرية فريدة فى الكتابة والتأريخ للفن ، حيث كان يمزج بين الطلاقة والأصالة وكان يمتلك الرؤية والقدرة على متابعة تلك الروية باستمرارية متواصلة وكان يكتب فى علوم النفس والترجمة.
 
وأشار عبد الحميد إلى أن بدايات عكاشة كانت قبل ثورة 1952 ككتاباته فى علم النفس وعلاقته بالفن هى علاقة ممتدة، وأردف قائلا: من إنجازاته الثقافية إنشاء وتأسيس الثقافة الجماهيرية، فرقة الموسيقى العربية، والفرقة القومية للفنون الشعبية وفرقة باليه القاهرة والسيرك القومى، وعروض الصوت والضوء فى الهرم، وقطاع التفرغ الخاص بالأدباء ومتحف مختار وإنقاذ آثار النوبة وتطوير أكاديمية الفنون وإنشاء قانونها، إضافة لتأليفه أكثر من ستة وعشرين كتابا تعرض لعصور الفن المختلفة ووصولا إلى كتاباته عن الجماليات ومذكراته عن السياسة والفن وترجم كتابات جبران خليل جبران، ومتيرلنك، وأوفيد وبرنارد شو التى تقترب من النقد الثقافى لأنه لا يقوم برصد تسلسل تاريخى بل رؤية بانورامية مكثفة للعصر وما يحدث فيه وأهم أحداثه التاريخية وطبيعة المكان والفنانين البارزين آنذاك، إضافة لتحديده الملامح الفنية كناقد فى الفن وعالم اجتماعى يقدمه فى لغة متدفقة ذات أثر خاص على القارئ تضيف إلى معارفه وثقافته.
 
 

 
الناقد والفنان التشكيلى عز الدين نجيب أحد الذين عملوا مع ثروت عكاشة بوزارة الثقافة يقول عن تلك المرحلة: الحديث عن عكاشة ذو شجون كثيرة لأنه صانع مؤسسات، وكان يراهن على الشباب فى البناء الثقافى حيث كان يستدعى مجموعة من الشباب للقيام بأدوار قيادية فى الأعمال الثقافية، خاصة أن الشباب فى ذلك الوقت كان ما بين مؤمن بمبادىء الثورة ومنهجها، وما بين معترض على مسارها الديمقراطى، بالتالى لا أحد يتنبىء بما سيفعلونه آنذاك.
 
فبالرغم من أنه آت من منطقة العسكريين لكنه رائد ثقافى مهم وله رؤية ثقافية سابقة لعصره فى الخمسينيات، وكان لى الشرف أن أكون على مقربة منه وقت إنشاء قصور الثقافة من 1966 حتى 1968 وربما لا أبالغ حين أقول أن أغلب المؤسسات الحالية لم تستطع الحكومات المتعاقبة أن تضيف لها الكثير بعد عكاشة، فالمتاحف وآثار النوبة وهيئات الكتاب ومؤسسات كثيرة وضع بذرتها، فلم يكسر مشروعه الثقافى سوى نكسة 67، وتنبغى الإشارة ان عكاشة عالمين عالم إبداعى وعالم الإدارة الثقافية، فموسوعته الشهيرة «العين تسمع والأذن ترى» لم تظهر موسوعة جديدة على مستواها، كما أنه كان دائما ما يبحث عن المبدعين المهمين والفنانين المهمين اهتماما منه بالحصول على حق نشر اعمالهم واقتناء أعمالهم الفنية، أيضا اهتمامه الواضح بالموسيقى فلم يكن يهتم بفرع واحد من الفنون دون غيره.
 
أكمل نجيب حديثه: حمل عكاشة شخصيتين هما شخصية المثقف الذى استطاع نقل ما سمى بفنون النخبة إلى أن تصبح فنونا لجموع الشعب وذلك بإنشائه أكاديمية الفنون التى أخرجت قامات رفيعة من مختلف الفنانين، أيضا حرصه الشديد على الثقافة الجماهيرية وذلك بتأسيسه الإدارة العامة للثقافة الجماهيرية عام 1966 ولم يبخل على أى من قصورها بمايحتاجه من امكانيات وكذلك المبنى نفسه واهتمامه بما يقدم بهم من فنون، كما أن تبنيه القضية الثقافية من الناحية السياسية كان له بعد آخر، فواقعة صدامى الشهير مع محافظ كفر الشيخ إبراهيم بغدادى الذى كان من قبلها رجل المخابرات العامة المعروف الذى وقف فى وجه استضافة أحد الكتاب الشيوعيين الهامين هناك ووقف عكاشة سدا منيعا بينى وبين المحافظ وعبدالناصر وتطور الأمر إلى احتمال هدم هذا المشروع من أساسه، وكانت معركة سياسية وقتها انتهت بنجاح عكاشة فى إقناع عبدالناصر بأنه مهم للنظام ويعتبر مراجعة للفكر، بعد ذلك أعطانى فرصة إدارة مراسم الغورى وهو من أسس منح التفرغ للتشكيليين واعاد افتتاح متحف الفن الإسلامى والمصري، ويذكر له أن اسعار الكتب كانت تباع بقروش زهيدة لإيمانه بأن القراءة والثقافة هى كالماء والهواء، كذلك استعارته للقوافل الثقافية من اوروبا والتى تجمدت وأهملت بعد خروجه من الوزارة، وكانت فكرة هامة جدا وبسيطة لا تحتاج لتكاليف والتى كان لها فعل السحر فى تنمية وعى وثقافة الجماهير، الأخطر من ذلك هو مناقشة أسباب النكسة فى قصور الثقافة فالفلاحون كانوا يسألون ويستفهمون ويدلون بآرائهم فى النكسة.
 
أما الدكتورة فينوس فؤاد أستاذ النقد الفنى وخبير التنشيط الثقافى تقول : ثروت عكاشة ليس أول وزير ثقافة بعد إنفصالها عن هيئات الإرشاد القومى فقط بل هو أيقونة المنظومة الثقافية الناجحة، فعلاوة على أنه واضع اللبنة الأولى للثقافة الجماهيرية التى تحولت فيما بعد إلى قصور الثقافة فهو راعى الثقافة الأبرز فى مصر حيث إن أفكاره المتجددة دائماً كانت أهم أسباب وضع مصر على المصاف العالمى فى المؤسسات الثقافية فهو من أسس :اكاديمية الفنون بمعاهدها النادرة فى ذلك الوقت والتى حظيت فى بداياتها وحتى وقت قريب قبل أن تتدهور أحوالها بمكانة عالمية من خلال التبادل الثقافى والبعثات الخارجية والخبراء الروسيون الذين أسسوا قاعدة عريضة من الفنانين القائمين على الحركة الموسيقية والمسرحية والسينمائية والباليه ، كما أنه المسئول الأول عن تحول الثقافة من كونها ثقافة النخبة والطبقة العليا إلى أن أصبحت الثقافة جماهيرية عن طريق تدعيمها بهيئات المسرح وبيوت الثقافة التى تحولت الآن إلى قصور الثقافة أو بالأحرى أصابها القصور فى الثقافة كما قام بتوسيع مجالات الفنون الشعبية وشجع الحرف التقليدية وأقام مراسم للفنانين فهو باختصار بانى الثقافة المصرية الحديثة ويكاد يكون أول من ربط بين المؤسسات المتحفية والمؤسسات الثقافية والوحيد الذى قام بتقريب الثقافة الغربية والكتب المترجمة إلى القارئ المصرى وطباعتها وتوزيعها بمبالغ زهيدة لتصبح فى متناول الجميع.
 
كما أنه أول من وضع سياسة ثقافية معلنة وناجحة فى مصر حيث يرجع السبب الرئيسى فى نجاح سياسته الثقافية هو حرصه الدائم على التنسيق بين الهيئات والمؤسسات الثقافية المختلفة وهو عكس مايحدث الآن حيث تحولت المؤسسات الثقافية إلى جزر منعزلة لا تتعاون ولا تتلاقى على الإطلاق.
 
وكان أول من أخرج الثقافة من الحجرات والصالونات الفكرية وتواصل مع سكان القرى والنجوع عن طريق القوافل الثقافية مما يسر إيجاد لغة للحوار السياسى والاجتماعى بين أفراد المجتمع الواحد بعد سنوات طويلة من القمع والكبت والتى أدت فيما بعد إلى تسهيل مهمة إنشاء الأحزاب السياسية كما ساعدت على تأصيل الهوية المصرية وتكامل جوانبها.
 
علاوة على دوره المعروف فى إنقاذ الآثار التى ساهمت فى إنعاش السياحة الثقافية مثل معبدى فيلة وأبو سمبل كما أنه صاحب أكبر موسوعة فى تاريخ الفنون الأوروبية باعتباره أستاذا لتاريخ الفن فى «كوليدج دى فرانس» حيث قام بإصدار أكبر موسوعات الفنون التشكيلية والنقدية التى تدرس حتى الآن فى كليات الفنون المختلفة.